اقتصاد وأعمال

بقلم عماد درويش: الأرجنتين تحصد ثمار الغاز الصخري بدعم من صندوق النقد والبنك الدولي

من كان ليتوقع أن الأرجنتين، الغارقة في مستنقع ديونها الهائلة لصندوق النقد الدولي، ستنهض من عثرتها وتعود إلى مسار النمو في فترة زمنية قصيرة؟

كان المتفائلون يأملون فقط في تقليص حجم الدين والتحرر من قبضة صندوق النقد، فيما توقع المتشائمون انهياراً مالياً مماثلاً لما حدث سنة 2002 حين أعلنت البلاد إفلاسها.

لكن ومنذ توليه الرئاسة في ديسمبر 2023، قلب خافيير ميلي، الرئيس السيادي النزعة، كل التوقعات رأساً على عقب، واضعاً بلاده على سكة النمو والازدهار.

وقد عمل ميلي على تقليص نفوذ صندوق النقد الدولي على التوازنات المالية والنقدية للبلاد، واختار أن يبني أسس التعافي الاقتصادي على الموارد الذاتية الهائلة التي تزخر بها الأرجنتين.

وفي انسجام تام مع قناعاته السيادية، استثمر أوراقه الرابحة لحشد دعم المانحين والمستثمرين في معركته من أجل النمو. لقد جعل من الموارد الطاقية والمعدنية دعامة أساسية في برنامجه التنموي.

فبعد أن كانت الأرجنتين تعتمد على الغاز المستورد من جارتها بوليفيا قبل عشر سنوات فقط، باتت اليوم تحقق اكتفاءها الذاتي، بل وشرعت في تصدير الغاز إلى دول أخرى بأمريكا الجنوبية، وذلك بفضل حقول الغاز الصخري في منطقة باتاغونيا.

لقد تحقق بالفعل ما يشبه المعجزة؛ فبقرار حاسم وشجاع، نجحت الأرجنتين في الانطلاق نحو التعافي، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين، الذين طووا صفحة طويلة من التضخم المنفلت والفقر المزمن.

لقد كانت حقول الغاز الصخري طوق نجاة حقيقي، مكّن البلاد من إعادة بناء بنيتها التحتية المتقادمة، والشروع في إصلاحات كبرى، وتطوير قطاعات حيوية مثل الصحة والنقل، إلى جانب تحديث الزراعة القائمة أساساً على تربية المواشي.

إنه غاز يساوي الذهب، يجذب في فلكه المستثمرين والمانحين. فقد وقعت مجموعة “إيني” الإيطالية العملاقة مذكرة تفاهم لإنشاء وحدات لتسييل الغاز، لجعل الأرجنتين ثاني مصدر عالمي للغاز الطبيعي المسال. ولم تكتمل حلقة النجاح إلا بإعلان البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الأمريكي للتنمية تخصيص 42 مليار دولار للاستكشاف والاستغلال، مقابل ضمان تدفقات مالية منتظمة من عائدات الغاز الصخري.

إنها بالفعل ضربة حظ استثنائية لبلد كان قاب قوسين من الانهيار، ليجد نفسه اليوم في قلب النمو، طامحاً إلى أن يصبح أحد أبرز مزودي السوق العالمية بالمحروقات، متقارباً مع شقيقه البرازيلي، بطل العالم في كرة القدم، وأيضاً في استغلال موارد النفط والغاز في أعماق البحار.

إنها نهضة حقيقية لبلدين نجحا في توظيف مواردهما الطبيعية لصالح شعبيهما، غير عابئين بالانتقادات البيئية. فبالنسبة لميلي، التلميذ الوفي “للترامبية”، لا شيء يسمو فوق مصلحة بلاده وشعبه. فكرامة الدولة تكمن في سيادتها وثرواتها، لا في الخضوع لإملاءات المنظمات البيئية غير الحكومية، لأن الزمن، كما قال جاك أتالي، لم يعد زمن دكتاتورية المال والأنانية الفردية، بل زمن دكتاتورية الشعبوية والأنانية الوطنية.

وبفضل فائض يقارب 10 مليارات دولار من عائدات الغاز الصخري، أصبحت الأرجنتين “إلدورادو” جديدة، برئيس يحتفل بسيادته المطلقة، مقدّماً لبلاده استقلالاً مالياً، ونمواً طال انتظاره، وتحولاً صناعياً، وازدهاراً يفتخر به مواطنوه.

عماد درويش

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى