اقتصاد وأعمال

زيت الزيتون في تونس: تاريخ عريق ومستقبل واعد

يعتبر قطاع الزيتون في تونس من القطاعات الاستراتيجية التي ساهمت بشكل كبير في الاقتصاد الوطني عبر مختلف الحقب التاريخية. فمنذ القرن الثامن عشر، شكل زيت الزيتون جزءًا أساسيًا من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، حيث خضع لإجراءات وتنظيمات متعددة سواء قبل الاستعمار، خلاله، أو بعد الاستقلال.

الزيتون في تونس عبر التاريخ

لطالما ارتبط زيت الزيتون بتونس، ليس فقط كمصدر غذائي، بل أيضًا كمصدر طاقة للإنارة وأغراض علاجية وجمالية. في القرن الثامن عشر، فرض الباي ضرائب على الفلاحين، مثل نظام “المشاطة”، الذي أجبرهم على بيع جزء من إنتاجهم للدولة بأسعار زهيدة. ومع دخول الاستعمار الفرنسي، أصبح الزيت التونسي من أبرز المواد المصدرة إلى فرنسا بفضل جودته العالية وقدرته التنافسية.

في عام 1930، أُنشئ “ديوان زيت الزيتون التونسي” لتنظيم القطاع ومكافحة الغش، خصوصًا بعد انتشار زيوت مغشوشة مثل زيت الكاكاو، الذي لم يكن مقبولًا من المستهلك التونسي. كما شهدت تلك الفترة تدخلات للدولة لحماية القطاع ودعمه، مثل إنشاء صندوق دعم الزيتون عام 1949.

تحولات القطاع بعد الاستقلال

بعد الاستقلال، وُضعت سياسات جديدة لتنظيم قطاع الزيتون، حيث تم استبدال “ديوان زيت الزيتون التونسي” بـ”الديوان الوطني للزيت” عام 1962، الذي تولى مهام الترويج، الخزن، والتصدير. كما عرفت الستينات تغييرات في أنماط استهلاك التونسيين، حيث كان زيت الزيتون جزءًا أساسيًا من النظام الغذائي، مما ساهم في تحسين الصحة العامة.

التحولات الاقتصادية وتحرير السوق

شهدت التسعينات نقطة تحول في القطاع، حيث سُمح للقطاع الخاص بالدخول إلى سوق التصدير، ما أدى إلى منافسة قوية وارتفاع جودة الإنتاج. كما سُمح للمصدرين الخواص بتسويق زيت الزيتون التونسي في الأسواق العالمية، مما عزز مكانة تونس كأحد أكبر المنتجين والمصدرين.

الآفاق المستقبلية

اليوم، تمتلك تونس أكثر من 117 مليون شجرة زيتون على مساحة تفوق مليوني هكتار، مما يجعلها من أكبر المنتجين عالميًا. في موسم 2019، بلغ الإنتاج 400 ألف طن، ومن المتوقع أن يصل إلى 500 ألف طن في السنوات القادمة. رغم النجاحات الكبيرة، لا يزال القطاع يواجه تحديات، مثل ضرورة تعزيز استهلاك الزيت محليًا، وإقامة هياكل متخصصة لدعم تسويق وترويج المنتج التونسي في الأسواق العالمية.

يظل زيت الزيتون ثروة تونسية بامتياز، ليس فقط كمنتوج اقتصادي، ولكن كجزء من الهوية الثقافية والغذائية للبلاد. ومع الاستثمارات المتزايدة في القطاع، وتطوير أساليب الإنتاج، فإن مستقبل زيت الزيتون التونسي يبدو واعدًا، مما يعزز مكانة تونس كقوة عالمية في هذا المجال.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى