اقتصاد وأعمال

أزمة الأعلاف، وجه آخر من وجوه فشل السياسات الفلاحية في تونس

اكدت النقابة التونسية للفلاحين، منذ مدة عن استيائها من الزيادات المتواصلة في الاعلاف، والشاملة لجميع التركيبات العلفية للقطيع الحيوانى من ابقار واغنام ودواجن واستنكرت النقابة الصمت التام لاتحاد الفلاحين في هذا الخصوص مشيرة الى ان الزيادات اصبحت جنونية ومتتالية شهريا ولم يشهدها التاريخ من قبل.

وبينت النقابة مرارا ان ما يجري، على هذا المستوى، هو ضرب ممنهج لقطاع التربية الحيوانية بتونس، وللامن الغذائي مما سيؤدي حتما وعن قريب للقضاء لما يقارب 100 ألف مربي من مختلف قطاعات التربية منددة في هذا الصدد بما تنتهجه بعض شركات الاعلاف المهيمنة على القطاع، وفق تقديرها من ترفيع في الاسعار دون حسيب ولا رقيب وبصفة دورية، ودون الرجوع والتشاور مع المهنة إضافة إلى الغياب الكلّي للسلطة الرقابية في ضبط هوامش الربح لمدخلات الاعلاف المرّكبة، وعدم ادراجها ضمن قائمة المواد الاساسية.

وتعتبر النقابة الامر تهجيرا لصغار المربين الذين يمثلون 80 بالمائة من حلقة الانتاج الغذائي ودفعهم للإفلاس وبذلك يفسح المجال للشركات لمزيد التغول والسيطرة على القطاع، وفق تقييمها.

وفي هذا الإطار، أصدر نهاية الأسبوع الفارط المرصد التونس للاقتصاد مذكرة بعنوان “أزمة الاعلاف: غياب رؤية واضحة لقطاع الفلاحة يلقي بظلاله على قطاع تربية المواشي” ابرزت توالي الانباء حول احتجاجات في صفوف الفلاحين خاصة مربي المواشي بسبب نقص الاعلاف وعلى سبيل الذكر لا الحصر شهدت ولاية القصرين حالة من الاحتقان يوم 24 فيفري 2022 بسبب النقص المسجل منذ فترة في مادة الشعير العلفي والسداري.

وشهدت ولاية تطاوين في نفس اليوم وقفة احتجاجية نفذها الفلاحون تحت شعار “الفلاح يستغيث، غلاء الاعلاف وتواصل الجفاف” نددوا خلالها بتدهور قطاع تربية الماشية الذي يعود اساسا الى تواصل الجفاف منذ ثلاث سنوات والنقص الحاد في المواد العلفية وغلاء اسعارها. وانطلاقا من هذه الأوضاع فان تواتر الاحتجاجات لتشمل كامل القطاع في مختلف الجهات يؤدي الى التساؤل حسب المرصد حول أسباب الأزمة وماهي الحلول التي تتخذها جهة الاشراف.

وتنقسم، وفقا للمذكرة، الاسباب المؤدية للتوتر الحاصل في القطاع الى اسباب خارجية على غرار تقلب الاسعار في الاسواق العالمية حيث صرح مدير الإنتاج الحيواني باتحاد الفلاحين السيد منور الصغايري ان المستوى العالمي للأسعار ارتفع بين 60 بالمائة و80 بالمائة خلال السنوات الاربع الاخيرة وهو ما أثر على اسعار الاعلاف المركبة التي يتم توريد مكوناتها حيث ارتفعت بما يناهز 35 بالمائة بين فيفري 2021 وفيفري 2022. اما محليا فتدهور سعر صرف الدينار ساهم في ارتفاع تكلفة المواد الموردة إضافة الى انحباس الامطار والجفاف الذي ادى الى ارتفاع اسعار الاعلاف الخشنة حيث ارتفع سعر التبن من 4 دينارا الى 12 دينار وسعر القرط من 7 دينارا الى 20 دينار خلال الثلاث سنوات الاخيرة.

تنضاف الى الإشكالية المتعلقة بالأسعار وتوفر المواد، الصعوبات والعراقيل التي تعاني منها مسالك توزيع العلف الحيواني حيث أكّد رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين بالقصرين ناجم الطرشي ان الجهة تتحصل على بين 50 و60 بالمائة فقط من الحصة المخصصة لها من الاعلاف من قبل أصحاب المطاحن وعدم احترام التراتيب والمناشير المتعلقة بتوزيع الاعلاف الصادرة من قبل سلطة الاشراف ادّى الى حيف وتمييز بين الفلاحين وفتح المجال للاحتكار والمضاربة في الاسعار.

أما عن الحلول التي تقدمها وزارة التجارة وتنمية الصادرات فهي شبيهة بتلك التي تقدمها للمواد الأساسية وهو ما تطرق له المرصد التونسي للاقتصاد في نشريه سابقة اذ اقرّت الوزيرة فضيلة الرابحي بوجود احتكار كبير وتلاعب بأسعار المواد المدعمة لقطاع الاعلاف مؤكدة ان الوزارة تعمل على تفعيل برنامج اصلاحي بتوجيه الدعم الى مستحقيه والانتقال من نظام دعم الاسعار الى دعم المداخيل بالاعتبار ان السنة الحالية هي سنة الاعداد للإصلاحات في علاقة بملف الدعم.

غير ان المرصد التونسي للاقتصاد يؤكد ان اسباب ازمة قطاع الاعلاف في تونس أعمق من مجرد توجيه الدعم الى مستحقيه ومحاربة الاحتكار، فتحرير سعر الصرف هو ما أدى الى تأثر الفلاحين بصفة مباشرة بأسعار السوق العالمية وغياب رؤية واضحة لقطاع الفلاحة وغياب التأطير والارشاد الفلاحي هو ما أدى بدوره الى تراجع مردودية الاراضي الفلاحية في تونس وارتهان القطاع الى التوريد.

يذكر انه ووفقا لعدة جهات مهنية ممثلة للفلاحين، فان اثنا عشر شركة من بينها 7 شركات تتبع لمجمع “كبير” والبقية موزعة بين شركات مختلفة، تورد 80 بالمائة من الأعلاف في حين تورد الشركات الأخرى الـ 20 بالمائة المتبقية. وهذا ما يخول لها مجالا واسعا لتحديد الأسعار لا بحسب تقلبات السوق العالمية فقط، ولكن كذلك بحسب استراتيجياتها الربحيّة، وهذا تحديدا ما يجعلها مستفيدة في كل الأحوال سواء خلال إنتاج وبيع الأعلاف أو عند إنتاج اللحوم والدواجن مثلما هو الحال مع المجمع “الكبير”.

وبالتالي، فإن المجامع المهنية الكبرى المحتكرة لاستيراد وإنتاج وتسويق العلف، لها ربح مضاعف من إنتاج الأعلاف، بما أنها لا تكتفي بتجارة الأعلاف فقط، وإنما تستفيد من التكلفة المنخفضة لإنتاجها، عبر شركات اللحوم التي تمتلكها.

كما ان الاحتكار في قطاع إنتاج وبيع الأعلاف لا يقتصر فقط على هذه الشركات، بل وصل لأعتاب هياكل رسمية وفق تقييمات عديدة للمهنيين. فأعلاف مثل السداري، المدعومة من قبل الدولة التي تشرف على توزيعه عبر ديوان الحبوب لم يعد يباع للفلاحين بشفافية ولا يعطى حسب الحصص الطبيعية للجهات والفلاحين المعنيين مثلما كان يحصل في السابق أخذا بمقاييس أعداد القطعان والتلاقيح. بل تحوّل السدّاري إلى منظومة “غامضة”، إذ كان يعطي من قبل بالوصولات عن طريق ديوان الحبوب، ولكن منذ تدخل جهات مهنية، أصبحت عمليّة التوزيع كارثية وتتم بطريقة غير عادلة، حسب الخبراء.

بالمقابل، فان نقابة الفلاحين وكذلك الفلاحين الصغار يستنكرون صمت اتحاد الفلاحين وعدم تحركه بنجاعة لمجابهة احتكار إنتاج الأعلاف وارتفاع أسعارها.

وقدمت العديد من الاقتراحات والمقاربات لحل قضية الأعلاف بهدف إنصاف الفلاح الصغير ووقف نزيف إهدار العملة الصعبة لاستيراد مواد يمكن انتاجها محليا وبأقل تكلفة وبنتيجة مرضية لجميع الأطراف التي لها علاقة بقطاع الأعلاف. ولكن تبقى الحلول، حسب خبراء القطاع، مرتبطة بمدى تفاعل الدولة مع المقترحات والمبادرات المقدمة.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى