اتفاق الضريبة على الشركات متعددة الجنسيات: أي تداعيات على الاقتصاد التونسي؟ (1/2)

في الثامن من أكتوبر 2021، اجتمعت 136 دولة من أصل 140 في “الإطار الشامل” لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ووافقت المنظمة ومجموعة العشرين على الإصلاح الشامل للضرائب على الشركات متعددة الجنسيات والذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في عام 2023.

من حيث المبدأ، ستخضع أي شركة من إحدى الدول الـ 136 التي أمضت الاتفاقية لضريبة قدرها 15 بالمائة على أرباحها، بغض النظر عن الدول التي تعمل فيها. وبالتالي، فإن شركة أمريكية توجد أرباحها في ملاذ ضريبي، على سبيل الذكر وهي لا تدفع ضرائب اليوم، ستضطر إلى دفع 15 بالمائة للولايات المتحدة.

اداء موحد

يرى المتابعون أنّ الشركات المعنية عديدة وهي تحديدا تلك التي تسجل أكثر من 750 مليون اورو من الإيرادات السنوية ولها مكاتب رئيسية في واحدة من الدول 136 الموقعة، بما في ذلك جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وقد تم إجراء العديد من التعديلات، جزئياً لإقناع الدول المترددة. وبالتالي، ستكون الشركات قادرة على إعفاء 10 بالمائة من رواتب موظفيها و8 بالمائة من مبلغ أصولها غير المادية من قاعدتها الضريبية في السنة الأولى. وستنخفض هذه المعدلات تدريجياً لتصل إلى 5 بالمائة في كلتا الحالتين بعد خمس سنوات. وبالتالي، فإن شركة الواب التي تحقق أرباحًا تبلغ 10 مليارات يورو في إيرلندا مثلا، والتي ستمثل كشوف رواتبها 4 مليارات اورو والأصول غير المادية 3 مليارات اورو، سيتعين عليها دفع 1.4 مليار اورو كضرائب للدولة الأيرلندية في عام 2023.

هذا وسيتم إعفاء الشركات الصينية الموجودة فيما يصل إلى خمس دول والتي لديها أصول في الخارج تقل عن 50 مليون اورو من هذه الضريبة العالمية لمدة 5 سنوات. وأخيرًا، لا تتأثر الكيانات العامة والمنظمات الدولية والمنظمات غير الهادفة للربح وصناديق التقاعد وصناديق الاستثمار، مع بعض الاستثناءات، بهذا الجانب من الإصلاح.

ووفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من المتوقع أن يحد الإجراء بشدة من التهرب الضريبي من قبل الشركات متعددة الجنسيات ويولد “150 مليار دولار من العائدات الضريبية الإضافية كل عام”.

توزيع أرباح منصف

لتسهيل المفاوضات، اقترحت إدارة الرئيس الامريكي جوزيف بايدن أيضًا إصلاح “الركيزة” الأخرى لمشروع منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي: فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات التي لم تعد تعتمد على وجودها المادي الوحيد في بلد ما، ولكن على الأنشطة – والأرباح – التي تحققها هناك. أو “إعادة تخصيص جزء من الضريبة التي تدفعها الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات في بلدانها الأصلية لفائدة البلدان التي تمارس فيها أعمالها وتحقق أرباحًا، سواء أكانت موجودة فيها فعلا أم لا”.

وإذا كانت أوروبا، وخاصة فرنسا، قد دعت منذ بضع سنوات إلى فرض ضريبة محددة على الشركات الرقمية العملاقة، فإن الولايات المتحدة ظلت تعارض ذلك. وقد فضلت حكومة الولايات المتحدة تمديد هذه الضريبة لتشمل “الفائزين الكبار بالعولمة” وهي الشركات القليلة التي تحتكر اليوم الجزء الأكبر من الأرباح العالمية.

واتفقت الدول الـ 136 في 8 أكتوبر 2021 على تقاسم أفضل للضرائب على 100 شركة متعددة الجنسيات الأكثر ربحية، تلك التي يزيد حجم مبيعاتها عن 20 مليار اورو: وتشمل هذه الشركات الرقمية الأمريكية الكبيرة، وكذلك شركات القطاعات الأخرى (Nike ، كوكا كولا ، كارجيل ، إلخ) أو قارات أخرى (كارفور ، إل في إم إتش ، نستله أو هاينكن ، على سبيل المثال في أوروبا). وبعد سبع سنوات، ستنخفض العتبة إلى 10 مليارات اورو. في المقابل، تُستثنى من هذا الركيزة الصناعات الاستخراجية والخدمات المالية المنظمة، التي يبلغ دخل بعضها عدة مئات من مليارات الدولارات.

وبالتالي وبالنسبة إلى الشركات المعنية، سيتم توزيع 25 بالمائة من “فائض الأرباح” (أرباح أكبر من 10بالمائة من حجم مبيعاتها) على البلدان التي يتم فيها استخدام واستهلاك سلعها وخدماتها (يعتمد الجزء على حجم المبيعات المحقق في كل بلد)، ولم يعد يقتصر على تلك التي توجد بها مكاتبها. وبالنسبة لشركة الواب التي تحقق أرباحًا على سبيل المثال تبلغ 15 مليار اورو ويبلغ حجم مبيعاتها 100 مليار اورو (ربحية تبلغ 15 بالمائة)، فسيتم توزيع 1.25 مليار اورو من الضرائب نظريًا بين البلدان المختلفة التي تعمل فيها.

وتعمل بعض التغييرات على تبسيط تطبيق هذا المكون: فقط الدول التي تحقق فيها الشركات المعنية أكثر من مليون اورو في حجم مبيعاتها ستستفيد من هذا الإجراء. يرتفع الحد الأقصى إلى 250000 اورو إذا كان الناتج المحلي الإجمالي للدولة أقل من 40 مليار يورو، من أجل تفضيل الدول الأقل ثراءً (باستثناء بلدان الجنوب الوحيدة، هناك أربع دول في الاتحاد الأوروبي معنية أيضًا: لاتفيا وإستونيا وقبرص ومالطا).

من هنا، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، سيتم توزيع 125 مليار دولار بشكل أكثر إنصافًا. كما سيتم تشجيع الشركات على التوقف عن التوطين المصطنع لدخلها في الدول المتساهلة في فرض الضرائب في حين أن الضريبة العالمية بنسبة 15بالمائة (الركيزة الثانية) يمكن اعتمادها مباشرة من قبل كل دولة في تشريعاتها، فإن توزيع الأرباح الفائضة (الركيزة الأولى) يتطلب اتفاقية متعددة الأطراف. لذا يجب تطوير هذا من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2022، ثم المصادقة عليه من قبل جميع البرلمانات الوطنية، بما في ذلك الكونجرس الأمريكي.

(يتبع)

 

 

Leave a Comment

Recent Posts

القصرين: 5991 مترشّحا لإجتياز امتحان البكالوريا موزعين على 29 مركز إختبار (فيديو)

افاد مروان منصري رئيس مصلحة التقييم والإمتحانات بالمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي بمندوبية التربية بالقصرين ان…

2024/06/01

الترجي الرياضي يتوج بثنائي كرة اليد على حساب النادي الإفريقي

توج الترجي الرياضي اليوم السبت بثنائي كرة اليد بعد أن ضم الكأس إلى البطولة. و…

2024/06/01

جهود لتعزيز الهجرة المنظمة من خلال تحسين تشغيلية الباحثين عن الشغل

وقعت تونس اتفاقية شراكة التنقل مع الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأعضاء (بلجيكا والدنمارك وألمانيا…

2024/06/01

البطولة الوطنية : مستقبل سليمان يتشبث بأمل البقاء و يشعل الصراع قبل جولة من النهاية.. النتائج و الترتيب

في ما يلي النتائج و الترتيب إثر مباريات اليوم من  الجولة السادسة إياب لمرحلة تفادي…

2024/06/01

النادي الإفريقي يضمّ الكأس للبطولة ويتوج بثنائي كرة اليد سيدات

توّجت سيّدات النادي الإفريقي لكرة اليد اليوم السبت بلقب بكأس تونس لكرة اليد بعد الفوز…

2024/06/01

منظّمة الصّحة العالميّة تسند ميدالية جائزة مكافحة التّدخين لوزير التّعليم العالي

تسلّم وزير التّعليم العالي والبحث العلمي منصف بوكثير ميدالية جائزة منظّمة الصّحة العالميّة لمكافحة التّدخين…

2024/06/01