المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية يوصي بزيادة مساهمات الصندوق الوطني للتأمين على المرض بنسبة 15 بالمائة سنويًا

نشر المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية، مؤخرا، بالشراكة مع مؤسسة كونراد أديناور، دراسة بعنوان “الأمن الصحي بحلول عام 2025: رؤية ومناورة استراتيجية”.

من خلال هذه الدراسة وكجزء من أعمال بدأت في أفريل 2020، أبرز المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية انه قد سعى إلى اقتراح حلول ملموسة على المدى القصير والمدى المتوسط ​​.

ويشير المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية إلى أن جائحة كورونا، كشفت عن نقاط الضعف العميقة للنظام الصحي التونسي. كما جعلت الجائحة من قطاع الصحة قطاعا اقتصاديا محوريا في المستقبل. وبحسب المعهد، فإن ضمان الأمن الصحي للمواطنين التونسيين أصبح ضرورة حتمية في ظل تكاثر المخاطر وتنوع التهديدات.

ويفرض هذا الأمر إصلاحًا شاملاً لنظام الرعاية الصحية بالاستفادة من جميع الأعمال المنجزة في هذه المرحلة، ولا سيما الحوار المجتمعي، ويهدف إلى تجسيد سيناريو أو رؤية مرغوبة وقابلة للتحقيق لعام 2025.

بعد مراجعة مفصلة تستند إلى تحليل منهجي للنظام الصحي التونسي، قام مؤلفو الدراسة، من خلال تحليل بأثر رجعي حدد نجاحات وفشل هذا النظام في الماضي، بوضع تشخيص كامل للنظام الصحي التونسي أدى إلى تحديد المتغيرات الدافعة لتكييف تطورها بحلول عام 2025.

على هذا الأساس، تم وضع أربعة سيناريوهات: سيناريو الاتجاه المسمى “نظام صحي منهك”، سيناريوهات القطيعة، سيناريو إيجابي على غرار “النظام الصحي الفعال”، السيناريو الآخر الكارثي الذي من الضروري الحؤول دون وقوعه أو ” النظام الصحي المنحل” والسيناريو المرغوب فيه والقابل للتحقيق، في هذه الحالة وهو ” نظام نقاهة “. ويشكل هذا السيناريو المرغوب والقابل للتحقيق الرؤية المرغوبة للنظام الصحي بحلول عام 2025 وهو موصوف بالتفصيل ومقسّم إلى أهداف استراتيجية يتعين تحقيقها.

وينتهي المؤلفون بما يسمى بالبصيرة الاستراتيجية أو كيفية تحقيق الرؤية بالنظر إلى التشخيص والوسائل. وتحقيقا لهذه الغاية، تقترح خطة العمل الموزعة على سنوات (2022-2023-2024 و2025) 121 إجراء تشغيليا حسب الأولوية من خلال تحديد الغاية والطرق والوسائل، ثم يتم إضفاء الطابع الرسمي على المناورة الاستراتيجية لإصلاح هيكلي للنظام الصحي التونسي.

ويشدد المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية على أنه بالنظر إلى الوضع المالي المقلق للنظام الصحي والإفلاس الفعلي لجميع هياكل الصحة العمومية، من الضروري تحمل ديون هياكل الصحة العامة والصيدلة المركزية في تونس وفقًا لجدول زمني، بمعدل 25 بالمائة سنويًا، الأمر الذي سيمكن الصيدلية المركزية من ضمان الإمداد المنتظم للأدوية بالسوق وتجنب نفاد المخزون المتكرر.

كما جرت ملاحظة أهمية زيادة نصيب وزارة الصحة من ميزانية الدولة بنسبة 0.5 بالمائة سنوياً من سنة 2022 لتصل إلى 8.5 بالمائة إلى غاية سنة 2025، الأمر الذي من شأنه تحسين جودة الرعاية وضمان توافر الأدوية وحشد الموارد المالية الكافية لصيانة المباني والتركيبات الفنية لمنشآت الصحة العمومية.

كما يوصي المعهد بزيادة إجمالي مساهمات الصندوق الوطني للتأمين على المرض في تمويل القطاع العمومي خلال الفترة الممتدة من 2022 إلى 2025 بنسبة 15 بالمائة سنويًا، بالتوازي مع التطوير والتنفيذ التدريجي لاستراتيجية عالمية للوقاية وتعزيز الصحة، قائمة على السياسة الصحية الوطنية، مع مضاعفة الموارد المالية المخصصة للوقاية لتصل إلى 2 بالمائة من الإنفاق العام.

يشار الى ان الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة كان قد ذكرت في تقرير أصدرته حول الحق في الصحة في تونس انه بعد ثورة 14 جانفي 2011، أقر الدستور في فصله 38 أحقية كل إنسان في الصحة بما في ذلك الوقاية، الرعاية والعلاج الذي سيكون مجانيا لذوي الدخل المحدود وفاقدي السند. ولكن لم يتغير الحال، ولم تتحسن أوضاع المستشفيات وجودة الخدمات الصحية في كامل تراب الجمهورية وخاصةً في المناطق الداخلية. وتتمحور مشاكل القطاع الذي انهكته بالكامل جائحة كوفيد حول ما يلي:

  • عدم المساواة في المحددات الاجتماعية للصحة

إن أكثر الناس عرضة إلى التدهور الصحي هم أولئك الذين يعانون من الفقر والبطالة، ويفتقدون إلى السكن اللائق والمياه الصالحة للشراب والصرف الصحي. وقد اثبتت الإحصائيات بأن عديد التونسيين خاصة في غرب البلاد وجنوبها مازالوا يفتقدون إلى هذه الحاجيات الاجتماعية وأن اغلبهم من النساء. كما أن التوسع العمراني السريع الذي شهدته البلاد أدى إلى وجود ﻇﻮاﻫﺮ ذات جوانب سلبية مثل التلوث البيئي وتنوع النظام الغذائي وارتفاع عوامل التعرض للأمراض المزمنة.

  • عدم المساواة وعدم التوازن في توزيع الخدمات الصحية

 يعتبر التوزع الجغرافي للمؤسسات الصحية بالبلاد التونسية جيداً إلى حد ما. لكن يبقى العائق الكبير هو عدم المساواة في الخدمات الصحية المقدمة من قبل المؤسسات المعنية. حيث إن عديد المواطنين يشتكون من عدم ولوجهم إلى مرفق صحي قريب، وإذا ما بلغوا احداه فهو لا يتكفل بتلبية حاجياتهم ولا يلائم تطلعاتهم. السبب هو أن ما يعادل نصف المراكز الصحية الأساسية لا تقدم إلاّ حصّة واحدة في الأسبوع للعيادات الطبيّة وإنّ أغلب المستشفيات المحليّة لا توفّر المعدّات والتجهيزات الطبيّة الملائمة والمستشفيات الجهويّة تشكو من نقص فادح في الاطبّاء المختصّين.
هذا اضافة لما تتعرض له المؤسسات الصحية والاستشفائية من تجاوزات بسبب الممارسة المتعلقة بالطب الخاص في غياب الضوابط الادارية والرقابية. أما القطاع الطبي والصحي الخاص فيبقي مركّزا اساسا في المدن الكبرى وفي المناطق السّاحليّة للبلاد الذي عرف فيها نموّا سريعا ومتواصلا.

  • صعوبة الحصول على الأدوية الأساسية

يتميز قطاع الأدوية بالتبذير ونقص الأدوية، فبرغم من أن 39% من ميزانية قطاع الصحة تصرف في توفير الأدوية حسب إحصائيات محينة، فإن هياكل القطاع الصحي تعاني من نقص فادح في الأدوية ونفاذ مخزونها منه على جميع المستويات.
والسبب يرجع الى غياب سياسة الاستخدام الرّشيد للأدوية ونقص التّمويل الكافي والذي يمثّل السّبب الرّئيسيّ وليس الوحيد لنفاذ مخزون الأدوية في المؤسّسات الصحيّة العموميّة إلى جانب الفساد وسوء التصرّف في هذا القطاع.

  • ضعف جودة الخدمات الصحية

 يشتكي المواطن عموما من الخدمات إذا ما تعلق الأمر بالاستقبال واحترام الذات والخصوصيات وتوفير المعلومات اللازمة والمعطيات الملائمة للحصول على النجاعة الكافية التي يرنوا إليها زائر المشفى. وعلاوة على ذلك فإنّ الدّراسات المختلفة المنجزة حول المرضى المقيمين بالمستشفيات أظهرت نسبة مرتفعة من الإصابة بالتعفّنات الاستشفائية ممّا يعكس الضّعف الصّارخ للآليّات الموضوعة لضمان سلامة المرضى. كما أن فضيحة اللوالب القلبية منتهية الصلاحية والتي تداولتها وسائل الإعلام وموت الرضع في أحد مستشفيات العاصمة وغيرها، قد أظهرت غياب وعدم نجاعة الأليات الرقابية المتعلقة بسلامة المرضى في القطاعين العام والخاص.

هذا وأورد تقرير الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة الصعوبات المالية التي تعتري المواطن والقطاع الصحي على حد سواء عند العرض والطلب والفساد الذي يسود هذا الأخير بأشكاله المتنوعة.

Leave a Comment

Recent Posts

بعد تعرّضه لحادث..أحمد نجيب الشابي يخضع لعملية جراحية

تعرّض رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي صباح اليوم الجمعة 5 جويلية 2024، إلى…

2024/07/05

وزيرة الاقتصاد تلتقي نائب رئيس البنك الإفريقي للتنمية المكلف بالحوكمة

التقت وزيرة الإقتصاد والتخطيط فريال الورغي السبعي يوم الجمعة 05 جويلية 2024 بكيفين أوراما نائب…

2024/07/05

بوعسكر يلتقي المدير العام لهيئـة الانتخابات بالبينين والوفد المرافق له

التقى فاروق بوعسكر رئيس الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات، اليوم الجمعة 5 جويلية 2024 بمقر الهيئـة،…

2024/07/05

الفاو: استقرار أسعار الغذاء العالمية خلال جوان الماضي

استقر مؤشر منظمة الأغذية و الزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لأسعار الغذاء العالمية في جوان الماضي…

2024/07/05

هيئة الانتخابات: القائمات الأوليّة للناخبين لرئاسية 2024 على ذمة العموم السبت والأحد القادمين بمقراتها الفرعية وموقعها الرسمي

أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أنها تضع على ذمّة العموم، القائمات الأوليّة للناخبين للانتخابات الرئاسية…

2024/07/05

نبيل عمّار يستقبل المبعوث الخاصّ للشرق الأوسط لجمهورية الصين الشعبية

استقبل ، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمّار، اليوم الجمعة 05 جويلية 2024، …

2024/07/05