برنامج الإصلاحات الحكومية: أهداف غير واقعية

عرضت رئيسة الحكومة نجلاء بودن، في اجتماع عقد نهاية الأسبوع الماضي، تقدم برنامج الإصلاحات الهيكلية الذي قدمت خطوطه الرئيسية في وثيقة نشرت على الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الوثيقة رسمياً هي نتيجة عمل وُصف بأنه “تشاركي”، إذ ساهم 400 من كبار المسؤولين الإداريين في إعدادها، وفقاً لرئاسة الحكومة.

كما أعلنت رئيسة الحكومة خلال الاجتماع المخصص لتقديم البرنامج أن السلطات لا تزال مهتمة بجميع الأطراف الراغبة في إبداء ملاحظاتهم على الخطوط الرئيسية لبرنامج الإصلاح، وأكدت على طابعه “الوطني الخالص” من أجل تبديد الاتهامات التي وجهت خلال تسريب المسودة الأولى للوثيقة، في بداية جانفي المنصرم بأنّ وثيقة الإصلاحات موجهة للهيئات المالية الدولية الدائنة.

علاوة على ذلك، ومن حيث الجوهر، فإن برنامج الإصلاحات الحكومية ليس جديدًا مقارنةً بالبرنامج الذي تم تسريبه سابقًا لأنه يتضمن إلى حد كبير “أهدافا” غير واقعية وغير قابلة للتحقيق حسب بعض منتقديه.

وعد برنامج الإصلاح، مثل برامج الحكومات بعد 2011، بتوجيه الدعم لمستحقيه، والتحكم في اجور موظفي الدولة والقطاع العام وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية وإصلاح النظام الضريبي بهدف تحرير المبادرة الاقتصادية وضمان المنافسة العادلة.

غير ان مسألة رفع الدعم جسمت بالفعل في الوقت الحالي سيما فيما يتعلق بالخبز بمبادرة من الخبازين الذين قاموا بتعديل الأسعار وهو ما أدى الى رفعها في مستوى جد عال بعيد عن الدعم.

ويعد برنامج الإصلاح أيضًا بإلغاء تراخيص الاستثمار، بحلول نهاية عام 2022 وتقديم عروض مثيرة للاهتمام للمستثمرين في القطاعات الاستراتيجية، بالتوازي مع تعزيز الرقمنة كإصلاح هيكلي بهدف استعادة ثقة الفاعلين الاقتصاديين، وتعزيز الاستثمار الخاص ودعم النشاط الاقتصادي.

كما تناقش الوثيقة الحكومية تطوير وسائل الدفع ومعالجة المديونية ورقمنة المدفوعات البنكية، كجزء من التحضير لإطلاق المشغل الوطني للدفع عبر الهاتف المحمول قبل نهاية هذا الشهر وفاتورة المرافق الرقمية المجمعة عبر منصة معلوماتية للدفع.

ويتحدث برنامج الإصلاح عن إعادة إطلاق وتفعيل الخطة التونسية للطاقة الشمسية والاستراتيجيات القطاعية والوطنية للتحول البيئي.

ويرى مراقبون أن كل هذه البرامج لا تتعدى حاليا مرحلة الوعود في انتظار بدء الإصلاحات الهيكلية التي يطلبها المانحون.

يذكر ان وثيقة سرّية أعدتها الحكومة الحالية بعنوان “الإصلاحات من أجل الخروج من الأزمة” تم تسريبها بداية جانفي الفارط وتضمنت تقريبا نفس الإجراءات الواردة في وثيقة برنامج الإصلاحات التي عرضتها نجلا بودن نهاية الاسبوع المنقضي وذلك على أساس توجيه الوثيقة “السرية” الى الهيئات المالية الدولية للحصول على تمويلات خارجية ضرورية لسد الثغرة المتعاظمة لميزانية الدولة.

وأشارت النسخة الأولى لبرنامج “الاصلاحات” إلى أن كتلة الأجور ومنظومة الدعم يشكّلان السبب الرئيسي لأزمة المالية العمومية. ومن أجل السّيطرة على هذه الظاهرة، اقترحت الحكومة تجميد الأجور والانتدابات واعتماد برنامج التقاعد المُبكر وتوجيه أعوان الوظيفة العمومية نحو القطاع الخاص خلال السنوات الثلاث المقبلة، متوقّعة أن تُسجّل كتلة الأجور تراجعا إلى حدود 14.5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في سنة 2025. بالإضافة إلى هذا، اقترحت الحكومة تنفيذ الرّفع التدريجي لدعم المحروقات إلى حين بلوغ الأسعار الحقيقية في أفق سنة 2026، والزيادة في معاليم استغلال الكهرباء والغاز تحت عنوان “التعديل الآلي للأسعار” ومراجعة دعم المواد الأساسية بداية من سنة 2023 إثر تركيز منصة الكترونية لصرف تعويضات مالية للفئات الاجتماعية المعنية بالدّعم. كما تهدف الإصلاحات إلى انتهاج سياسة جديدة إزاء المؤسسات العمومية سواء عبر التفويت في صنفها “غير الاستراتيجي” أو “تحسين حوكَمَتها “.

هذا وكان الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي قد أكد في 17 ماي الماضي ان المنظمة الشغيلة ستتصدى للإصلاحات اللاشعبية للحكومة والتي لا تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاجتماعية للتونسيين ولا تراع تداعيات جائحة أزمة كوفيد-19 وتأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية على الوضع الاقتصادي في تونس.

كما عبّر الطبوبي عن “رفض الاتحاد القطعي للتفويت في المؤسسات العمومية” مؤكدا أن الاتحاد يدعو دوما إلى الحوار موضحا ان المنظمة ليست في صف النظام او المعارضة وأنها تبحث عن مصالح الطبقة “الشغيلة”.

غير أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد كان أكد في وقت سابق أن هذه “الإصلاحات المؤلمة” ضرورية لتجاوز الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد محملا الفساد والفاسدين مسؤولية التراجع الاقتصادي الكبير خلال العشر سنوات الماضية.

وكان الاتحاد قد أبرز وفي مرات عديدة رفضه لكل قرار بتجميد الزيادة في الاجور أو التقليص في عدد الموظفين في القطاع العام.

ويتخوف مراقبون سيما بعد اعلان الاتحاد اضرابا يوم 16 جوان الجاري يشمل 159 منشاة عمومية من أن تدخل البلاد في حرب كسر عظام بين الحكومة والاتحاد الذي يملك ورقة الإضرابات العامة وهو ما ستكون تبعاته مدمرة على الاقتصاد التونسي في ظل أزمة اقتصادية شديدة تشهدها البلاد غداة ارتفاع نسبة الدين إلى أكثر من 100 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وبلوغ نسبة التضخم 7.8 بالمائة والبطالة لأكثر من 17 بالمائة.

Leave a Comment

Recent Posts

الرّائد الرّسمي: تسمية عدد من المسؤولين الرّاجعين بالنّظر لوزارة الشّؤون الدّينية أعضاء بالمجالس الجهوية

أصدر وزير الشّؤون الدّينية قرارا مؤرخا في 2 ماي 2024، تمّ بمقتضاه تسمية مديري المصالح…

2024/05/11

تونس : تطورات جديدة بخصوص ملف مدافع النادي الإفريقي رامي البدوي و المصري البورسعيدي

كثف مسؤولو النادي المصري البورسعيدي مفاوضاتهم الساعات الأخيرة مع المدافع التونسي للنادي الإفريقي رامي البدوي،…

2024/05/11

بقلم مرشد السماوي: قريبا فتح ملفات كبيرة للفساد المالي والإداري في مجال الرياضة

حان الوقت لفتح ملفات خطيرة ومثيرة في عالم الرياضة، حيث سيُعلن قريبًا عن إجراءات وقرارات…

2024/05/11

النجم الساحلي يحتفل بعيد ميلاده 99

يحتفل النجم الساحلي اليوم السبت بمرور 99 سنة على تأسيسه ( 11ماي 1925 - 11…

2024/05/11

بقلم مرشد السماوي: حجب العلم المفدى في رادس: هزة وطنية ودموع زعيم تُعبّر عن إرادة شعب.. 

لا يمكن تبرير تغافل المعنيين بالأمر عن حجب العلم المفدى في المسبح الأولمبي برادس. دموع…

2024/05/11

عجز مالي بقيمة 5 مليارات للجامعة التونسية لكرة القدم

انقعدت اليوم السبت 11 ماس 2024، الجلسة العامة للجامعة التونسية لكرة القدم والتي تم خلالها…

2024/05/11