اقتصاد وأعمال

تقرير: الارتهان للهيئات الدائنة أحد أسباب هجرة الاطباء

أصدر المرصد التونسي للاقتصاد نهاية الأسبوع الفارط مذكرة اقتصادية نقل في سياقها ما أورده مقال صحفي تطرق الى الهجرة المكثفة للإطارات الطبية والشبه طبية التونسية نحو الخارج. وتضمن المقال، حسب المذكرة، حوارا مع الامين العام لعمادة الاطباء نزار العذاري الذي صرح ان أكثر من 970 طبيب تونسي هاجر خلال سنة 2021 مقابل 570 طبيبا سنة 2018. كما أكّد أن هذه الارقام تمثل عدد الاطباء الذين تعلم العمادة بمغادرتهم دون احتساب من غادروا تونس دون المرور عن طريق العمادة.

وتم ارجاع اسباب هذه الهجرة الى اسباب مادية اوّلا اضافة الى تراجع ظروف العمل في المستشفيات العمومية وخاصة استفحال ظاهرة العنف المسلط على الإطار الطبي والشبه طبي في اقسام الاستعجالي.

كما شدد المرصد على النداء الذي أطلقته جمعية الاطباء الشبان والتي دعت من خلاله وزارة الصحة الى تحمل مسؤوليتها وتوفير الحماية الامنية في المستشفيات خاصة اقسام الاستعجالي، اضافة الى توفير المعدات اللازمة في المستشفيات.

وتتواصل ظاهرة هجرة الاطارات نحو فرنسا والمانيا وكندا وبلدان الخليج منذ سنوات الا ان تفاقمها مؤخرا إضافة الى النقص التي تشهده المستشفيات العمومية خاصة في المناطق الداخلية يستدعي انتباه سلطة الاشراف.

وتنتهج الحكومات المتعاقبة، حسب ما ورد في مذكرة المرصد التونسي للاقتصاد، سياسة مزدوجة للانتداب في الوظيفة العمومية تتراوح بين تجميد الانتداب تارة والترفيع في الانتداب تارة اخرى. وهي سياسة تم وصفها بانها مرتهنة بتواجد اتفاق ساري المفعول مع صندوق النقد الدولي تمتنع خلاله الحكومة عن تعويض النقص الحاصل في الوظيفة العمومية وتشجع على التقاعد المبكر وحين ينتهي الاتفاق تتجه الحكومة نحو الانتداب بصفة مكثفة سعيا لتعويض النقص الحاصل وامتصاص جزء من البطالة المرتفعة.

إضافة الى ارتهان سياسة الانتداب في الوظيفة العمومية الى الاتفاقيات التي تمضيها الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي، فإن الانفاق الاجتماعي للدولة أيضا قد تأثر سلبا بهذه الاتفاقيات. فعقب امضاء تونس للاتفاقية التمويل مع صندوق النقد الدولي سنة 2016 التي أدت الى اتخاذ جملة من إجراءات التقشف، تراجع إنفاق الدولة على قطاع الصحة من 2.71 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2016 الى 2.49 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2019. وانعكس هذا التراجع سلبا على القطاع من خلال النقص الحاصل في المعدات والأدوية وغياب الصيانة والعزوف عن تعويض النقص الحاصل في الإطارات مما أدى الى تدهور البنية التحتية للمستشفيات العمومية خاصة في الجهات الداخلية وتدهور قطاع الصحة عموما.

وبينت مذكرة المرصد ان هذا التدهور أدى الى تعكر المناخ في قطاع الصحة بين مواطنين يطالبون بحقهم في الرعاية الصحية الذي يضمنه الفصل 38 من الدستور التونسي وإطار طبي وشبه طبي وجد نفسه عاجزا لمجابهة هذه الطلبات نظرا لتخلي الدولة على القطاع علاوة على الاجر الذي يعتبره الأطباء متدنيا، 1200 دينار شهريا، مما أدى بهم للبحث عن الهجرة نحو بلدان توفر أجرا اعلى وظروف عمل أفضل ومستوى عيش أفضل أيضا.

وحيث ينتظر العاملون في قطاع الصحة خصوصا والمواطنون عموما التفات سلطة الاشراف لقطاع الصحة، خاصة بعد الازمة التي مرّ بها القطاع خلال موجات فيروس كورونا، تواصل الحكومة اعتماد نفس السياسة من خلال التقليص في وزارة الصحة بـ 15 بالمائة سنة 2022 مقارنة بسنة 2021 إضافة الى عزوفها عن برمجة مشاريع تنموية للوزارة بسبب محدودية الموارد المالية وتتوجه الحكومة نحو التقشف في المال العام حسب موجز الميزانية الذي نشره المرصد التونسي للاقتصاد.

هجرة الكفاءات هي ظاهرة لا تقتصر فقط على قطاع الصحة، بل تشمل أيضا قطاع التعليم والهندسة وفقا لتقييم المرصد التونسي للاقتصاد. وقد انعكست هجرة الكفاءات التونسية على هذه القطاعات سلبا حيث أدى نقص الموارد البشرية في كل من قطاع الصحة والتربية الى تراجع جودة الخدمات المقدمة من قبل الدولة خاصة في الجهات الداخلية.

الحق في صحة هو حق مضمون بالدستور كما سبق ذكره، وعلى الدولة تحمل مسؤولياتها التي ينص عليها الفصل 38 من خلال الحرص على الصيانة الدورية للمستشفيات وتوفير المواد الطبية والمعدات اللازمة إضافة الى الموارد البشرية اللازمة.

يذكر انه وفقا لوزارة المالية فان ميزانية وزارة الصحة انخفضت من 3868.2 مليون دينار سنة 2021 الى 3250 مليون دينار العام الحالي مما يعني تسجيل نقص قيمته 618.2 مليون دينار ونسبته 16 بالمائة. وتمّ ضمن مشروع ميزانية وزارة الصحّة لسنة 2022 تخصيص اعتمادات دفع بقيمة 420 مليون دينار لفائدة المشاريع والبرامج المدرجة بقسم الاستثمار موزّعة بين 263.8 مليون دينار لمشاريع بصدد الإنجاز و156.2 م د للمشاريع الجديدة.

هذا وغابت على مستوى التقديرات برمجة احداث المدينة الصحية بالقيروان والتي أكد رئيس الجمهورية في 14 مارس الماضي ردا على المشككين في انجازها بان المشروع سيرى النور قريبا. ولئن ابرزت موجات انتشار فيروس كوفيد 19 الأهمية الاستراتيجية للقطاع العمومي بصفة عامة وقطاع الصحة بوجه خاص وكشفت التدهور الكارثي الذي يشهده هذا القطاع منذ عقود نتيجة للخيارات التقشفية اللااجتماعية المنتهجة من قبل الحكومات المتعاقبة، فان قانون المالية لهذا العام اوضح نية السلط العمومية المضي في نفس السياسات بتعميق نهج التقشف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى