اقتصاد وأعمال

تونس – منظومة إحصائية خارج المعايير تعمّق الأزمة

تتسم المنظومة الإحصائية في تونس بالتشتت اذ يفوق عدد الهياكل والمجامع المنتجة للمعلومة الإحصائية 40 هيكلا مقابل 15 هيكلا في فرنسا على سبيل المثال وذلك بالإضافة الى معاناة المنظومة من مشاكل مختلفة أبرزها غياب إستراتيجية وطنية لتطوير الإحصاءات وهجرة الكفاءات التونسية من المعهد الوطني للإحصاء إلى دول الخليج ونقص الموارد البشرية والمادية اللازمة لتطوير المنظومة الإحصائية لتستجيب للمعايير الدولية.

كما يشكل عدم سد شغورات المهندسين الاحصائيين المحالين على التقاعد نتيجة نقص الانتدابات في الوظيفة العمومية وعدم توازنها أحد اهم أسباب ضعف المنظومة الإحصائية. في جانب اخر، يعرف إنتاج الإحصاءات والمعطيات البيانية بالكمية اللازمة والجودة المطلوبة نقصا ملحوظا تفاقم خلال السنوات الأخيرة وذلك بالتوازي مع نقص الاعتمادات المخصصة لإنجاز المسوحات والبحوثات الإحصائية. واثرت مجمل هذه العوامل على نوعية المعطيات الإحصائية ووثوقيتها سيما انها لا تغطي الى اليوم العديد من المجالات والقطاعات الاقتصادية.

واكد نهاية الأسبوع، في هذا الإطار، المرصد التونسي للاقتصاد في مذكرة تحليلية صدرت تحت عنوان “بين تداعيات الأزمة الروسية -الاوكرانية وتداعيات اضراب المعهد الوطني للإحصاء عدم توفر المعطيات يعمّق الضبابية” ان أعوان المعهد الوطني للإحصاء اضربوا لأكثر من شهر للمطالبة بالمصادقة على النظام الأساسي الخاص بالأعوان مما أدى الى توقف نشر البيانات الرسمية المتعلقة بعدة مؤشرات اقتصادية واجتماعية على غرار مؤشرات النمو والبطالة والتضخم والتجارة الخارجية وتم تدارك نشر المؤشرات في 14 مارس2022  تاريخ استئناف الاعوان لعملهم بالمعهد.

وتتعلق المؤشرات التي تم نشرها المعهد بتاريخ 14 مارس 2022 بتطور النمو والبطالة بالنسبة للثلاثي الرابع لسنة 2021 والتضخم والميزان التجاري لشهر جانفي 2022  . وانجر عن التحرك الاحتجاجي الذي انطلق كإضراب في 18 جانفي ليتحول الى إضراب مفتوح في 28 جانفي، تعطل عملية جمع البيانات ميدانيا والعمل على المؤشرات ليتسبب ذلك في عدم تحيين البيانات اذ لا تتوفر حاليا الا بيانات أواخر 2021 وجانفي 2022 التي أصبحت تعدّ منتهية الصلاحية نظرا بالخصوص للتطورات السريعة التي شهدتها الاسواق العالمية والمحلية على حد سواء.

وأوضح المرصد ان المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي ينشرها المعهد الوطني للإحصاء تعتبر أداة لفهم وتحليل الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد لكل الفاعلين على غرار الباحثين والمستثمرين التونسيين والأجانب والجهات المانحة. ويؤدي بالتالي توقف او تأخر نشر هذه البيانات الى ضبابية الرؤية وعدم القدرة على تكوين صورة واضحة للاقتصاد التونسي وهو ما يتجسم في الظرف الراهن في عدم القدرة على تحديد مدى عمق تأثير الازمة الروسية-الاوكرانية التي اندلعت في 24 فيفري 2022 نظرا لعدم توفر معلومات حول المؤشرات الاقتصادية لتونس لشهر فيفري.

ومع غياب هذه المؤشرات التي تساعد في تحديد سياسات وتوجهات المستثمرين وسلطة الاشراف على حد سواء يصبح اتخاذ القرار وتحديد التوجهات والاصلاحات امرا في غاية التعقيد نظرا لضبابية الرؤية وغياب المعلومة سيما ان وضعية التوتر التي تعيشها الاسواق العالمية منذ 24 فيفري ادت الى تغييرات جذرية في أسعار الحبوب ففي غضون ساعات ارتفعت كل من أسعار القمح والشعير والذرة بـ 30 بالمائة مقارنة بما قبل الأزمة وفي تعليقه على تداعيات الأزمة على بلدان المنطقة، صرّح نائب مجموعة البنك الدولي فريد بالحاج أن منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ستعيش تبعات سلبية مضاعفة على مستويات الامن الغذائي خاصة البلدان الغير مصدرة للمحروقات وهو ما يشمل تونس.

هذا وتشير المعطيات التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء أنّ مؤشر التضخم الغذائي قد ارتفع بـ 7.8 بالمائة بين جانفي 2021 وجانفي 2022 اي قبل انطلاق الأزمة ولا يمكن حاليا تحديد عمق تداعياتها في انتظار تحيين المؤشرات من قبل المعهد الوطني للإحصاء.

يذكر أن نسبة رضا المستعملين على نتائج الإحصاءات الوطنية خصوصا من قبل الجامعيين والباحثين والخبراء وغيرهم جد ضعيفة، بشكل عام، كما أن الإحصاءات المتاحة من قبل المعهد الوطني للإحصاء وسائر الهياكل الإحصائية لا تشمل حاليا عديد المجالات كالاقتصاد التضامني، والاقتصاد الأخضر، والاقتصاد الرقمي، ومنظومة التصرف حسب الأهداف المعتمدة في قانون الميزانية ويؤثر ذلك سلبا على صناعة القرار.

وتطالب عدة جهات مستخدمة للمعلومة الاحصائية بإعادة النظر في المنظومة الإحصائية والعمل على لامركزيتها لدعم التنمية الجهوية ومزيد تطويرها لتكون متطابقة مع المعايير الدولية، مع التأكيد على ضرورة إعادة هيكلة المجلس الوطني للإحصاء وتمتيعه بالاستقلالية المالية والإدارية ودعم موارده بالاعتمادات الكافية للقيام بدور ناجع في تطوير منظومة الإحصاء.

ومنذ تأسيسه عام 1999 لا يتمتع المجلس الوطني للإحصاء بالاستقلالية المالية والإدارية وبقي يتلقى تمويلاته من قبل المعهد الوطني للإحصاء وذلك بالتوازي مع غياب قانون المنظومة الوطنية للإحصاء الذي تم اعداد مشروع له ولم يصادق عليهم مجلس نواب الشعب.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى