اقتصاد وأعمال

دراسة: الحفاظ على الماء يقتضي تقليص زراعة المنتوجات الموجهة للتصدير

بينت دراسة أصدرها يوم الخميس 5 جانفي 2022 المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت عنوان “أزمة المياه في تونس: سوء التصرّف في الموارد المائيّة يهدّد البلاد بالشحّ المائي” انه يبدو أن هناك إجماعا حول الإقرار بتصنيف تونس ضمن الدّول التي باتت تشهد أزمة مرتبطة بالماء أصبحت تهدّد السلم وتدفع بالمجتمع المحلّي نحو الاحتجاج وتكثيف المطالبة بتوفير المياه وتحسين جودتها وعدم تواصل انقطاعها.

ولكن الدراسة طرحت عدة أسئلة تتعلق بوجاهة اعتبار تونس بلدا فقيرا مائيّا بشكل فعلي أم أنّ الاحتياجات المائيّة الاقتصادية والبشريّة أكثر بكثير من الإمكانيات الموجودة والبلاد غير قادرة على تعبئتها، أم أنّ هناك خللا في التصرّف في المياه ومعالجة هذا الخلل ستمكننا من تحقيق توازن بين العرض والطلب واكتفاء ذاتيّا يجعل حاجيات الفرد والمجموعة من المياه تصبح هدفا ممكن التحقّق؟ انطلاقا من هذه الأسئلة بحثت الدراسة في حقيقة الإمكانيات المائيّة للبلاد التونسيّة وحجم الموارد المائيّة اللازم توفيرها حتى يخرج الفرد من دائرة الفقر المائي (400 متر مكعّب حاليّا) ويحقّق المستوى الذي تقرّه المعايير الدوليّة (900 متر مكعّب سنويّا على الأقل).

سيطرة الفلاحة السقوية على قطاع المياه

أوضحت الدراسة انه بالاعتماد على تقارير وزارة الفلاحة، فقد بلغت نسبة المياه المستعملة من قبل مختلف القطاعات الاقتصاديةّ حوالي 2.528 مليار متر مكعّب سنة 1996 وتنامى الطلب على المياه ليصل إلى قرابة 2.688 مليار متر مكعّب سنة 2010 ومن المتوقّع أن يتنامى الطلب على المياه سنة 2030 إلى حدود 2.770 مليار متر مكعّب لتبلغ بذلك نسبة النموّ بين 1996 و2030 قرابة 9 بالمائة، لكنّ هذا التطوّر في الطلب على الماء يختلف بين القطاعات الاقتصاديةّ والاستهلاك البشري.

وتسيطر الفلاحة على قرابة 84 بالمائة من حجم كميّات المياه المعبأة، وهي كميّات موجّهة للزراعات السقويةّ وبالرغم من توقّعات وزارة الفلاحة بتراجع الطلب ألفلاحي في الفترة الممتدّة بين 1996 و2030 فإنّ الفلاحة تبقى المستهلك الأوّل للمياه بالبلاد التونسيّة.

وتفيد معطيات والأرقام تواضع كميّات المياه التي يحتاجها الاستهلاك البشري مقارنة بالكمية الاجماليّة التي يمكن للبلاد تعبئتها وبالاستنزاف الذي يشكّله القطاع ألفلاحي على الموارد المائيّة اذ يمثل الاستهلاك البشري حسب معطيات سنة 1996 290 مليون متر مكعبّ وهو ما يمثّل نسبة 11.5 بالمائة من مجموع الطلب على المياه وتوفّر الجمعيّات المائيّة خاصة في المجالات الريفيّة 256 مليون متر مكعّب.

وإجمالا تقدّر حاجيات الاستهلاك البشري بـ 2528 مليون متر مكعّب وهي أقلّ من الكميّات القابلة للاستغلال والتي تبلغ 2767 مليون متر مكعّب من مجموع ثروة مائيّة تقدّر بحوالي 4920 مليون متر مكعّب.

تصنيف تونس في خانة الفقر المائي غير موضوعيّ

تؤكد المعطيات المتوفّرة، وفقا للدراسة، أن البلاد التونسيّة لا تشكو نقصا في الماء رغم محدوديةّ الموارد المعبّأة وأن مقولة تصنيف تونس في خانة الفقر المائي تبدو غير موضوعيّة اذ يمكن حسب المعطيات والدراسات توفير 24 مليون متر مكعّب من المياه عبر صيانة السدود، ويمكن تلافي ضياع 40 بالمائة من المياه المستهلكة بشرياّ في حالة صيانة شبكات التوزيع التي تعاني التقادم وقلّة الصيانة، كما أنّ هناك قرابة 30 بالمائة من مياه الصرف الصحي لا يتمّ تطهيرها، وهو ما يشكّل ضياعا لكميّات كبيرة من المياه وتهديدا بيئيّا بسبب تصريف هذه المياه في المجاري المائيّة وعلى السواحل القريبة من المدن.

وأوضح المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وجود الخلل الكبير للتوجهات العامة في الميدان ألفلاحي إذ يعكس التعامل مع الموارد المخصصة له سوءا للتصرف وغيابا للحوكمة والترشيد وذلك في ظل الآثار المدمّرة لمنوال سياسة الأمن الغذائي في تونس على الموارد المائيّة، الذي خلق فلاحة أحاديةّ مستنزفة للتربة والموارد المائيّة وموجّهة للتصدير على حساب الاحتياجات الداخليّة الوطنيّة وعلى حساب المنتوجات التي تحتاجها السوق الداّخليّة. ومن الزراعات الواجب التقليص في حجمها تم ذكر القوارص والتمور وزيت الزيتون.

وتؤكد البيانات ان إنتاج القوارص والذي بلغ سنة 2019 زهاء 440 ألف طن احتاج قرابة 320 مليون متر مكعّب من المياه، نفس هذه الكميّة قادرة على تغطية 20 بالمائة من حاجيات البلاد من الحبوب.

وأشارت الدراسة الى ان تواصل التشبث بهذه السياسة يدعو للريبة، حيث تحصل الحكومة من حين الى اخر على قروض كبرى لتكثيف المناطق السقوية ذات الإنتاج الموجّهة للتصدير والمستنزف للماء في الولايات التي تعاني شح هذه الثروة واستمرار القحط فيها منذ سنوات.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى