اقتصاد وأعمال

دراسة: فشل السياسات يدفع إلى تهميش اجتماعي شامل (1/3)

على عكس ما يروج في تونس منذ عقود، فان السياسات العامة الاقتصادية والاجتماعية كانت نموذجا للفشل على غرار واقع جل بلدان المنطقة الشرق الأوسط وشمال وافريقيا. وأثر اعتماد برنامج الإصلاح الهيكلي في منتصف الثمانينيات، وما ترتب عليه من سقوط المرفق العام وانهيار النفقات الاجتماعية في تعميق التفاوت الاجتماعي وتضخّم الاقتصاد الموازي واختلال التوازنات الاقتصادية والجهوية.

ولم يمنع غياب دور الدولة في التعديل الاقتصادي الحكومات المتعاقبة منذ سنوات من جعل الخطاب حول دعم الطبقات الضعيفة والوسطى حجر زاوية في بناء مشروعيّتها عبر السعي للترويج الزائف لأهمية المزج بين النموّ الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. ويمكّن اليوم مع الأسف تركيز فئات من الساسة والاقتصاديين على النموّ الاقتصادي من تجاهل مسألة توزيع الثروة وتنامي أعداد المهمّشين الذين يتم إقصاؤهم اليا من ثمار هذا النموّ الغائب. وفي غياب إحصاءات نزيهة عن التفاوت الاجتماعي والجهوي، تعمل السلط باستمرار على انكار وجوده الى حد ما عبر التلاعب بالأرقام كما حصل ذلك عدة مرات في بحوث ومسوحات إحصائية رسمية.

وأصدر، في هذا الإطار، يوم أمس الثلاثاء 22 مارس 2022 المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة بعنوان “انعدام المساواة في تونس” ابرزت انه ولئن انخفضت أوجه عدم المساواة والفقر، فان التفاوتات الجهوية لا تزال قائمة كما أن التفاوتات البينية داخل الجهات قد ازدادت خاصة في المدن الكبرى. أما التفاوت في مداخيل العمل فقد شهد تزايدا كبيرا في القطاع الخاص. وإذ لا يزال تركيز الممتلكات الزراعية قائما، فإن الأسر المعيشية الفقيرة والمتوسطة تواجه صعوبات كبيرة في الحصول على سكن لائق وفي تكوين رصيد عقاري.

كما تم التأكيد على تمركز إسناد القروض المصرفية بأيدي أقلية من المنشآت بما يشير إلى الطابع الريعي للاقتصاد التونسي. ومن المفارقات الحقيقية أن تونس تحتل المرتبة 20عالميا، (من بين الدول التي يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة) في ترتيب متوسط الثروة للفرد الواحد الذي يبلغ 8823 دولارا مما يجعل منها بلد غني بالثروة، غير أنه فقير من حيث الدخل.

وعلى مستوى الجباية والتحويلات الاجتماعية بيّنت الدراسة ان تأثير الجباية على التفاوت في الدخل، في تونس، ولئن كان إيجابيا إجمالا فإنه أقل وقعا مقارنة بعدد من البلدان الصاعدة الأخرى. أما المساهمات الاجتماعية فإنها تسهم في الحد من عدم المساواة غير أنها تمثل عبئا ثقيلا على الفئات الضعيفة. وتساعد التحويلات الاجتماعية على الحد من عدم المساواة في الدخل، وتستفيد منها إلى حد كبير الأسر المعيشية الأفقر.

وعلى الرغم من الغش والتهرب الضريبي، فإن النظام الضريبي في تونس، يشارك في الحد من عدم المساواة في الدخل. ولكن الأداء على القيمة المضافة لا يؤثر عنى إعادة التوزيع، بل إنه يسهم، على العكس من ذلك، في زيادة التفاوت في الدخل. في جانب اخر يساهم الإنفاق العام، ولا سيما في مجالي التعليم والصحة، بشكل كبير في الحد من أوجه عدم المساواة.

وأوضحت دراسة المنتدى على مستوى الشغل، تواصل أوجه عدم المساواة سيما بين الجنسين من حيث بسب المشاركة بحكم ان نسبة النشاط العامة في سوق الشغل والتي تعادل 47.5 بالمائة تعتبر منخفضة (72.2 بالمائة في الاتحاد الأوروبي). وهي تقدر لدى النساء بنحو 26.8 بالمائة مقابل 68.8 بالمائة لدى الرجال.

وبلغت نسبة البطالة في الربع الثالث من العام الفارط 18.4 بالمائة وهي نسبة مرتفعة جدا مع تفاوتات إقليمية وجندرية صارخة: 24.1 بالمائة لدى النساء، مقابل 15.9 بالمائة لدى الرجال. كما أصبحت البطالة لدى الشباب وخريجي التعليم العالي وجها جديدا لعدم المساواة اذ تصل النسبة بين الشباب (15 و24 سنة) الى 40.8 بالمائة. وتقدر نسبة بطالة خريجي التعليم العالي بحوالي 30.1 بالمائة في عام 2020 (لدى الرجال: 17.6 بالمائة مقابل 40.7 بالمائة لدى النساء)

اما من حيث الأجور الدنيا، فان منحى الاتجاه نحو الانخفاض في القيمة الحقيقية للأجر الأدنى يتصاعد. وما زالت أوجه عدم المساواة في الأجور مستمرة وتظهر على مستوى الأجر المتوسط للنساء الذي يبقى دون المتوسط للرجال. ومن حيث الفوارق بين الأجور وعوائد رأس المال، هناك اختلال هيكلي حيث تتجاوز حصة الأرباح في الناتج المحلى الإجمالي حصة الأجور بـ 13.7 نقطة.

هذا وجرت الإشارة الى ان الفترات الأخيرة عرفت تهميش الإنفاق على التنمية والاستثمار في التعليم العام تهميشا شديدا، وشهد التعليم الخاص تطورا كبيرا، مما يزيد من الفجوات في التعليم خاصة من حيث الأداء والجودة.

ويتسبب ذلك في خلل صارخ في نسبة النجاح في البكالوريا على حساب أقل الولايات حظا (الشمال والوسط الغربيين). كما أن 5 من جملة 7 جهات تحقق معدلات إتمام الدراسة الثانوية تقل عن 50 بالمائة. ويمس التفاوت التعليمي الأفراد الأكثر فقرا (بعد الدخل) خاصة في المناطق الغربية الشمالية والوسطى. وتعاني النساء الفقيرات اللاتي يعشن في هاتين المنطقتين انعدام المساواة التعليمية بصفة أكبر. وتسهم بدورها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إسهاما كبيرا في الحد من عدم المساواة، ولكن في جهتي تونس الكبرى والشمال الشرقي فقط.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى