اقتصاد وأعمال

دراسة: ميزانية 2022 تؤكد استمرار هيمنة اللوبيات والمافيات و”الكناطرية” وتكرّس التداين (2/5)

أصدر يوم أمس الأربعاء 9 مارس 2022 المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة بعنوان “ميزانية 2022 رهينة صندوق النقد الدولي: حول أسباب تخوف الراي العام التونسي من اللجوء مجددا الى صندوق النقد الدولي”.

وخصصت الدراسة محورها الاول لإبراز العمق الهيكلي لازمات المالية العمومية المتكررة أثناء كامل العشرية لفارطة التي قامت من جهة عل التمسك بمنوال تنمية أصبح يمثل المصدر الأساسي لكل الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية منذ بداية القرن الحالي ومن جهة أخرى على اعتماد سياسات قائمة عل الاستهلاك كمحرك أساسي لتحقيق الانتعاش الاقتصادي.

وفي هذا الإطار، جرى التأكيد على ان مرحلة الانتقال الديمقراطي اتسمت بحكم البلاد من طرف أنظمة يمينية قائمة على تحالف بين الجناح المحافظ الممثل من طرف حركة النهضة واتباعها والجناح الليبرالي الممثل من طرف عدة أطياف سياسية (من أبرزها حسب الفترات حزب المؤتمر، التكتل، النداء، تحيا تونس، قلب تونس…) مع هيمنة مطلقة للجناح المحافظ مباشرة في فترة 2011-2013 أو عن طريق المناولة السياسية في الفترات الأخرى أثناء العشرية الماضية. ولفرض هيمنته كان الجناح المحافظ يحرص دائما في المجال السياسي اولا عل اختراق وفرقعة حلفائه وثانيا عل تحسين تموقعه وتمكنه من دواليب الدولة. أما في المجال الاقتصادي فقد حرص الجناح المحافظ من جهة على التشبث بنفس منوال التنمية واختياراته النيوليبرالية والاكتفاء بمحاولة اطعام هذا المنوال بمسحة دينية عبر عديد الإجراءات ومن جهة أخرى العمل على تحقيق الانتعاش الاقتصادي عبر التركيز عل تدعيم الاستهلاك عل حساب الاستثمار العمومي والصادرات.

وهذا النوع من الاختيارات الاقتصادية غير بريء، وفق تقدير دراسة المنتدى ويهدف من جهة الى مغازلة وكسب رضى وثقة القوى الخارجية من خلال التشبث بنفس الاختيارات النيوليبرالية رغم ما أدت اليه من تفاقم أزمة التنمية في البلاد ومن جهة أخرى اختيار التركيز على الاستهلاك علاوة على تناغمه مع عقلية الغنيمة السائدة آنذاك تحت عنوان التعويضات فإن هذا التركيز يساعد عل كسب الأنصار وتوسيع التحالفات قصد دخول الانتخابات المتتالية بأكثر حظوظ النجاح لتدعيم التموقع والتمكن من دواليب الدولة قصد توظيفها في تحقيق مشاريع لها علاقة بالتنمية.

وفي هذا السياق، أوضحت الدراسة ان فترة الانتقال الديمقراطي عرفت في إطار تدعيم الاستهلاك ارتفاعا مفرطا غير مسبوق لحجم التشغيل في الوظيفة والمؤسسات العمومية في فترة زمنية وجيزة. ذلك أنه حسب تصريح وزير الشؤون الاجتماعية السابق قد وقع انتداب 97 ألف من طرف القطاع العام (وظيفة عمومية ومؤسسات عمو مية) أغلبهم في الوظيفة العمومية في اطار العفو التشريع العام والولاءات الحزبية في فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة مقابل انتداب 55 ألف سنة 2011 بالخصوص في اطار تسوية الأوضاع المهنية لعمال المناولة وانتداب 63.7 ألف في سنوات 2014 و2015 مع إيقاف العمل بالانتداب في القطاع العام (إلا في حالات معينة يقع تحديدها في قوانين المالية) بعد أن وقع توخي تمشي تقشفي اثر امضاء اتفاق قرض سنة 2016 مع صندوق النقد الدولي. إجمالا فقد وقع انتداب إضافي لـ 197 ألف موظف في الوظيفة العمومية في فترة 2011-2017 منهم 155.7 ألف اثناء الفترة المتراوحة بين 2011-2014.

ولم يقتصر توزيع الغنائم على الانتدابات العشوائية وإسناد الخطط الوظيفية وتقديم الامتيازات العينية بل شمل كذلك إسناد الامتيازات الجبائية والمالية وتخفيض الضرائب تحت عنوان تحفيز الاستثمار الخاص. وحسب تقرير النفقات الجبائية والامتيازات المالية الملحق بمشروع قانون المالية لسنة 2021 قد فرطت الدولة في 5644 مليون دينار أي  4.96 بالمائة من قيمة الناتج المحلي الاجمالي سنة 2019 في شكل امتيازات جبائية ومالية. علما أن هذا التقرير وقع نشره لأول مرة كملحق لمشروع قانون المالية لكن ;رغم أهميته لم يحظ باي اهتمام من طرف نواب الشعب.

ورغم تسجيل نمو الاقتصاد الوطني انكماشا حادا بـ 9.2  بالمائة سنة 2020 (وهو أدني مستوى يسجله النمو منذ استقال البالد التونسية في 1956 ) فقد بلغ حجم الامتيازات الجبائية والمالية الممنوحة خلال هذه السنة 4927 مليون دينار أي حوالى 4.21 بالمائة من قيمة الناتج المحلي الخام و10.4 بالمائة من حجم ميزانية الدولة.

وقدرت الدراسة ان كل هذه الامتيازات الجبائية والتخفيضات الضريبية لم تحد من ظاهرة التهرب الجبائي ولم يكن لها اي مردود ايجابي حيث تراجعت نسبة الادخار من 22 بالمائة سنة 2010 الى 6 بالمائة سنة 2020 ونسبة الاستثمار من الناتج المحلي الخام من 24 بالمائة سنة 2010 الى 13 بالمائة سنة 2020 ونسبة النمو من 4.4 بالمائة كمعدل سنوي في الفترة 2001 -2010 الى حوالي 1.6 بالمائة في الفترة 2011 – 2019.

وأوضح المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ان كل ما نتج عن توزيع الغنائم هو ضعف الموارد الذاتية العمومية وتنامي الفوارق الجبائية وارتفاع نسق تهريب الاموال وعجز الميزانية العمومية وارتفاع المديونية العمومية خاصة منها الخارجية.

كل هذه الاختيارات والسياسات مثلت العمق المهيكل للازمة الاقتصادية الشاملة المتميزة بهشاشة كبيرة للنسيج الاقتصادي والاجتماعي وبتراجع خطير لأداء كل المؤسسات في ظل تقزيم وتفكيك ممنهج للدولة منذ بداية مرحلة الانتقال الليبرالي والذي زاد حدة أثناء فترة الانتقال الديمقراطي. وظهور جائحة كورونا في هذه الأوضاع ساهم بقسط وافر في احتداد أزمة المالية العمومية سنة 2020 والمستمرة الى حد الآن في غياب آفاق واضحة لإنجاز ميزانية 2022 . كما ساهم في الكشف عن الاختلالات الهيكلية وضعف الدولة أمام تغول القوى الطفيلية.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى