اقتصاد وأعمال

دراسة: ميزانية 2022 تؤكد استمرار هيمنة اللوبيات والمافيات و”الكناطرية” وتكرّس التداين (3/5)

أصدر الأربعاء 9 مارس 2022 المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة بعنوان “ميزانية 2022 رهينة صندوق النقد الدولي: حول أسباب تخوف الراي العام التونسي من اللجوء مجددا الى صندوق النقد الدولي”.

خصصت الدراسة محورها الثاني لتقييم ميزانية 2022 التي وصفتها بانها لا تتضمن تجديدا سواء على مستوى المنهجية او المحتوى.  

وفي هذا الإطار، جرى التأكيد في مستوى المنهجية على انه وعلى غرار ما يقع العمل به منذ 2011 فقد وقع ضبط قانون المالية والميزانية العمومية لسنة 2022 بدون مرجعية اقتصادية اطارية في غياب مخطط يضبط الأهداف الاقتصادية على المدى المتوسط (5 سنوات) ووثيقة تضبط الأهداف المستقبلية عل مدى 10 سنوات وما فوق.

وتعتبر دراسة المنتدى ان مثل هذه المرجعيات الإطارية ضرورية حيث تمثل البوصلة الضامنة لتحقيق البعد التنموي للميزانيات السنوية وعدم الاقتصار عل المنطق المحاسبي كما تضمن استمرارية وتراكمية العمل التنموي مع الاخذ بعين الاعتبار للتطورات الهامة التي يمكن أن تحدث في الأثناء والتي قد تحتم ادراج بعض التعديلات عل الأهداف أو مراحل أو نسق المسار التنموي. وهذا الخلل الجوهري ميز كامل العشرية الفارطة رغم وجود المخطط 2016-2020 الذي وقع التصويت عليه بعد أكثر من سنة من انطلاقه وبدون اعتماده كمرجعية من طرف مختلف الميزانيات التي وقع ضبطتها أثناء الفترة المذكورة.

اما على مستوى محتوى الميزانية، فقد قدرت الدراسة أن كل الإجراءات والأهداف المرسومة تعكس التمشي السائد لدى صندوق النقد الدولي فيما يخص إملاءاته في مجال معالجة أزمة المالية العمومية التي أدت الى ارتفاع غير مسبوق على مستوى حجم العجز ونسبته من الناتج المحلي الخام. ووقع التشديد، في هذا السياق، على ان التمشي المنطقي للحد من حجم ونسبة عجز الميزانية العمومية يفترض في المدى القصير العمل بالتوازي على الضغط عل النفقات العمومية من جهة والرفع من الموارد العمومية الذاتية من جهة أخرى.

كما يفترض لتحقيق استمرار تحسن التوازنات المالية العمل على توفير الظروف الملائمة للانتعاش الاقتصادي الذي يبقى العنصر الأساسي الذي من شانه أن يمكن من ارتفاع حجم الثروة والإنتاج ومن توسيع القاعدة الجبائية للخروج من أزمة المالية العمومية عل المدى المتوسط بحكم ان تحقيق الانتعاش الاقتصادي وقت الأزمات الاقتصادية يمر بالضرورة عبر الرفع من الطلب الداخل في ظل أزمة عالمية شاملة حادة لا تسمح بالمراهنة الكبيرة عل التصدير. كما ان الرفع من الطلب الداخلي يجب أن يركز خاصة عل الرفع من الاستثمار العمومي ليلعب دور القاطرة الدافعة للاستثمار الخاص.

على هذا الأساس، ركز المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على انه وفي ظل وتغول الأطراف المهيمنة خارجيا وداخليا والرافضة لكل إجراءات استثنائية تمكن من تعبئة أقصى ما يمكن من موارد عمومية اضافية وتوزيع عادل للأعباء والحد من اللجوء الى التداين فقد وقع اعتماد سياسة تقشفية جرى كشفها انطلاقا من وثيقة أعدتها السلط التونسية لصندوق النقد قائمة على الضغط عل النفقات العمومية عبر تجميد الزيادة في الأجور في القطاع العام بين سنتي 2022/2024 الى جانب تجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية والقطاع العام.

وتتضمن هذه السياسة أيضا التراجع التدريجي عن دعم المحروقات الى أن تبلغ سعرها الحقيقي موفي سنة 2026، كما تتضمن الترفيع في معاليم استغلال الكهرباء والغاز ووضع منظومة الكترونية تسمح بالتسجيل والتصرف في التحويلات المالية للفئات المعنية بتلقي التعويض عن التخلي التدريجي عن دعم المواد الغذائية الأساسية بداية من سنة 2023.

كما تنص السياسة التقشفية الواردة في وثيقة برنامج “الإصلاحات” المقدمة لصندوق النقد الدولي عل التخلي عن الديون العمومية المتخلدة بذمة المؤسسات العمومية ومراجعة سياسة الدولة فيما يخص مساهماتها في رؤوس أموال المؤسسات العمومية “غير الاستراتيجية” وصولا الى العمل عل التفويت فيها بداية من 2022.

وبالتالي يبقى الحل الأمثل لتحقيق الانتعاش الاقتصادي – وفق المنتدى – هو الرفع بصفة هامة من الاستثمار العمومي لتجاوز الأزمة المالية والاقتصادية عل المدى المتوسط. هذا التمشي المنطقي لا يلتقي مع التمشي المعتمد من طرف صندوق النقد الدوى والمكرس من طرف الميزانية التونسية لسنة 2022 ومن قبلنها الميزانيات السابقة. ذلك أن التمشي الراهن للسلطة التونسية يركز بالأساس على جانب الضغط عل النفقات خاصة نفقات التأجير والدعم والتحويلات الاجتماعية ضعيفة المردود الإنتاجي الآني. كما أنه يتجنب الحث عل الرفع من الموارد الجبائية خاصة تلك التي تخص مرابيح الشركات والقطاع الخاص مع غض الطرف عن زيادات الضرائب غير المباشرة. هذا التمشي لا يساعد على النهوض بالاستثمار العمومي ويعكس اختيارات تهدف الى تقزيم حجم الدولة والحد من دورها التنموي والتعديل للدورة الاقتصادية ولتحقيق ذلك يعمل صندوق النقد الدولي على تجنب الإجراءات التي تزيد من موارد الدولة قصد فتح المجال أوسع لانتشار المنطق السلعي.

كما يستنكر في ذات الوقت المنتدى تمشي السلط المالية المكرس لأفكار التقليص من الضرائب والزيادة من الإعفاءات والامتيازات الضريبية لفائدة الشركات من شأنها أن تخلق ما يسمى بـ “اقتصاد الجريان” القائم عل اعتبار ان الامتيازات والتخفيضات الجبائية ستقود آليا الى تحفيز الاستثمار الخاص وخلق أكثر ثروة ومواطن شغل وتوزيع أكثر مداخيل وبالتالي تحقيق الرفاه وفرحة الحياة لكل المواطنين عل المدى البعيد. لكن الدراسات المقارنة تفيد أغلبها بأن تقليص نسبة الضرائب عل الشركات وارتفاع الامتيازات الجبائية لم تقد بصفة آلية الى ارتفاع الاستثمارات ونسق خلق الثروة، بل قادت بالعكس الى ارتفاع الفوارق الجبائية والاجتماعية ومزيد احتكار السلطة والثروة لفائدة أقلية ضئيلة.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى