دراسة: ميزانية 2022 تؤكد استمرار هيمنة اللوبيات والمافيات و”الكناطرية” وتكرّس التداين (4/5)

أصدر الأربعاء 9 مارس 2022 المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة بعنوان “ميزانية 2022 رهينة صندوق النقد الدولي: حول أسباب تخوف الراي العام التونسي من اللجوء مجددا الى صندوق النقد الدولي”.

خصصت الدراسة محورها الثالث والأخير لتحليل اهم مقترحات صندوق النقد الدولي المتواصلة منذ 2016 والتي تخص معالجة ازمة المالية العمومية المزمنة.

وفي هذا الإطار، جرى التذكير بان علاقات تونس مع صندوق النقد الدولي هي علاقات قديمة على أساس ان تونس هي عضو بهذا الصندوق من جملة 190 عضوا حاليا. وأكبر اتفاق وقع بين تونس وصندوق النقد الدولي كان سنة 1986 بعد الأزمة الاقتصادية الحادة التي مرت بها البلاد في النصف الأول من ثمانيات القرن الماضي. وفي إطار هذا الاتفاق وقع التزام تونس بتطبيق برنامج الاصلاح الهيكلي الذي أسس لبداية مرحلة انتقال ليبرالي شاملة لكل المجالات، والقطاعات، والسياسات الاقتصادية، والاجتماعية.

وقد وقع هذا الاتفاق بعد ان وقع ضرب الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1985 وسجن قياداته الشرعية وتنصيب قيادة موالية للسلطة القائمة التي كانت تمهد من جهة لإبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سنة 1986 ومن جهة أخرى لإنجاز الانقلاب على بورقيبة سنة1987  قصد ضمان التطبيق الفعل لهذا الاتفاق من طرف سلطة جديدة ماسكة بكل الأجهزة الأمنية ومتابعة باستمرار لكل مؤسسات ودواليب الدولة. وقد أدى هذا الانتقال الليبرالي الى نتائج اقتصادية واجتماعية فادحة في ظل وبفضل نظام سياسي استبدادي تمكن من مضايقة كل الحريات وتدجين كل السلط والتنظيمات قصد تحقيق انجاز البرنامج والاتفاق مع الصندوق من جهة وتمكين احتكار السلطة والثروة من طرف لوبيات ومافيات جديدة ترعرعت في ظل الاستبداد وانتشار الفساد وانتهى دورها مع تراجع أداء منوال التنمية التوسع وتنامي الغضب الشعبي الذي أدى الى وضع حد للنظام القديم بدون ان يضع حد لتراجع أداء منوال تنمية متأزم وعاجز عل ان يحقق طموحات الشعب المنتفض المنادي بالتشغيل والحرية والكرامة الوطنية.

وابرزت دراسة المنتدى ان اللجوء مرة أخرى الى صندوق النقد الدولي بدون القيام بكل الإجراءات التي تمكن من تعبئة اقصى موارد عمومية إضافية قصد الحد من اللجوء الى التداين العمومي خاصة منه الخارج سيجعل تونس ضعيفة القدرة التفاوضية وعرضة لابتزاز والالتزام بتطبيق شروط مجحفة ستزيد من قساوة السياسات التقشفية وانعكاساتها المأساوية عل الطبقات الضعيفة والمتوسطة. خاصة ان هذه الطبقات تعاني منذ بداية جائحة الكورونا من ارتفاع البطالة التي بلغت نسبتها 18.4 بالمائة اثناء الثلاثي الثالث من سنة 2021 نتيجة اقفال عديد المؤسسات وتنامي الصعوبات المالية لدى أغلبية المؤسسات المتبقية، بجانب ارتفاع نسبة الفقر الذي أصبح يفوق 950 ألف عائلة أي حوالي 4 ملايين مواطن كما صار يشمل حتى المتحصلين عل شغل في إطار تنامي تهميش التشغيل الذي لا يمكن من دخل كافي وقار ومن حماية اجتماعية تساهم ي تغطية مصاريف العلاج.

كما ان الفترة الأخيرة تميزت – وفق الدراسة – بوجود موجة خطيرة وواسعة النطاق لارتفاع الأسعار نتيجة تراجع نسق خلق الثروة واللجوء المتنامي الى توريد عديد السلع الأساسية التي تشهد ارتفاعا لأسعارها في الأسواق العالمية (مثل النفط والحبوب وعلف الحيوان والأدوية الخ…) ولتكاليفها نتيجة انهيار قيمة الدينار وتغول فئة “الكناطرية” التي أصبحت تلجأ بأكثر حدة الى المضاربة والاحتكار والتهريب.

ويبقى السؤال المطروح الآن هل ستستمر القوى المهيمنة داخليا وخارجيا في استغلال كل تحول سياسي في تونس لمزيد احكام قبضتها وتمرير اختياراتها وتجذير هيمنتها؟ ذلك أنه منذ استقال البلاد قد تمكنت هذه القوى إجمالا من استغلال الازمات والتوترات الاجتماعية والنضالات الشعبية وما يليها من انتقال السلطة السياسية من فريق او نظام سياسي الى آخر وتوظيف الشعبية التي يحظى بها كل نظام سياسي جديد في البداية لإعادة تجديد هيمنتها تحت غطاء تمرير الاصلاحات “الضرورية والحتمية” التي يروج لنها بأنها قادرة عل انقاذ البلاد في العاجل وتدعيم مسارها التنموي في الآجل. وتاريخيا قد حصل ذلك بعد التخلي عن تجربة التعاضد في آخر الستينات لتمرير قانون افريل 1972 الذي مثل الخطوة الاولى في مسار التخلي عن التمشي الارادي في مجال التنمية الشاملة عبر الانخراط في تقسيم دوري للعمل من نوع تقليدي.

كما ان انقلاب 1987 الذي أعتبر كذلك حدثا تصحيحيا لانحرافات نظام عجوز أصبح باستمرار غائب عن الوعي وقع توظيفه لتطبيق برنامج الاصلاح الهيكلي الممضى مع صندوق النقد الدولي سنة 1986 والذي كان يتطلب نظاما سياسيا فتيا ومتجددا عل مستوى الشرعية السياسية. كما ان انتقال السلطة سنة 2011 ادى لأسباب عديدة الى التشبث بنفس الاختيارات النيوليبرالية الفاشلة التي ساهمت ي خلق الظروف الملائمة للإطاحة بالنظام السابق. واليوم بعد 25 جويلية 2021 تسجل مرة اخرى بداية تطبيق الاصلاحات المطلوبة من طرف الصندوق في ظل فريق سياسي كسابقيه يحظى الى حد اليوم بسند شعبي سيتآكل حتما إذا استمر التناقض بين الخطاب الشعبوي والسياسات التقشفية.

Leave a Comment

Recent Posts

مانشستر سيتي يتصدر البروميار ليغ مؤقتا

تجنب مانشستر سيتي السيناريوهات المفاجئة بفوزه خارج أرضه على فولهام (4-0)، اليوم السبت، ضمن منافسات…

2024/05/11

الاحتفاظ بـ”انستغراموز” معروفة

أذنت النّيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس لأعوان الفرقة المركزية لمكافحة جرائم الاتصال وتكنولوجيا المعلومات للحرس…

2024/05/11

70 % من المودعين السّجون من الموقوفين و ليسوا من المحكومين بأحكام باتّة

كشف رئيس الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب، فتحي جرّاي، أنّ الهيئة أدّت منذ بداية السّنة…

2024/05/11

المكتب الجامعي يحسم مصير الناخب الوطني منتصر الوحيشي مع المنتخب

أكد واصف جليل رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم بالنيابة أن المكتب الجامعي قرر مواصلة التجربة…

2024/05/11

الحرس الوطني: تسجيل عودة قرابة 2500 أجنبيا من أفارقة جنوب الصّحراء إلى بلدانهم منذ بداية السنة

أفادت الإدارة العامة للحرس الوطني، اليوم السّبت، بأنّه تمّ وفي إطار العودة الطوعية للأفارقة جنوب…

2024/05/11

إدارة الحرس تحيي ذكرى استشهاد أبطالها في عمليّة إرهابية بتطاوين

تحيي الإدارة العامة للحرس الوطني اليوم السّبت 11 ماي 2024، بكلّ اعتزاز الذكرى السنوية الثامنة…

2024/05/11