اقتصاد وأعمال

دراسة: ميزانية 2022 تؤكد استمرار هيمنة اللوبيات والمافيات و”الكناطرية” وتكرّس التداين (1/5)

أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية اليوم الأربعاء 9 مارس 2022، دراسة بعنوان “ميزانية 2022 رهينة صندوق النقد الدولي: حول أسباب تخوف الرأي العام التونسي من اللجوء مجددا إلى صندوق النقد الدولي”.

وابرزت الدراسة انه بعد 2010، ورغم انتشار الحريات واسترجاع استقلالية جل المنظمات والجمعيات، وقع تهميش الملفات الاقتصادية الكبرى ي ظل استفحال الصراعات والتخمة السياسية التي كانت تهدف بالأساس الى التموقع والتمكن واقتسام الغنيمة عل حساب القضايا التنموية والابعاد الاستراتيجية والحرص على ضمان سيادة القرارات الوطنية. وفي هذا الإطار أصبحت الاختيارات الاقتصادية خاضعة لمنطق الغنيمة ولهيمنة الاستحقاقات الانتخابية والسياسية والحزبية الفئوية وذلك بدعم مالي وبتواطؤ من جهات تترصد وتترقب مزيد انهيار الأوضاع المالية والاقتصادية حتى تتمكن من فرض إملاءاتها وشروطها بسهولة عل المنظومة الحاكمة والفاقدة لكل مصداقية وقدرة تفاوضية، وفق تقييم المنتدى.

وجرى التأكيد، في ذات السياق، انه وانطلاقا من هذه الأوضاع المزرية والمنهارة عل كل المستويات وقع اعتبار القرارات الاستثنائية التي أعلن عنها يوم 25 جويلية 2021 جريئة وشجاعة وحتمية ومثلت حدثا هاما وفرصة من شأنها ان تفتح المجال لاتخاذ اجراءات تصحيحية للانحرافات السابقة.

ومن هذا المنطلق، حظيت – حسب الدراسة – القرارات الاستثنائية بتأييد شعبي كبير خاصة وأن هذه القرارات ارتكزت عل خطاب شعبوي ساهم في تحقيق التفاف شعبي واضح حولها. ذلك أن الخطاب الشعبوي هو خطاب يقوم على نقد النظام القائم وكل من يمثله، كما أنه يتوجه بالأساس للطبقات الشعبية التي يعتبرها ضحية النظام القائم ويعدها بالخلاص من الخصاصة والاحتياج والفقر والحرمان والاستغلال عبر الإطاحة والتخلص من المنظومة الحاكمة وقواها واختياراتها وممارساتها الفاسدة.

 لكن دراسة المنتدى قدرت انه على إثر الإعلان عن ميزانية 2022 أصبح هذا الخطاب يمر بأزمة حادة نظرا للتناقض الصارخ بين الشعبوية السائدة والسياسات التقشفية اللاشعبية الواردة في ميزانية العام الحالي. هذا التناقض بين السياسي والاقتصادي أصبح يمثل العنصر المشترك بين مختلف المراحل التي مرت بها البلاد منذ الانطلاق الرسمي لمرحلة الانتقال الليبرالي إثر اعتماد برنامج الاصلاح الهيكلي لسنة 1986.

والان بعد 25 جويلية جرى التشديد على تسجيل نفس التناقض بين الخطاب السياسي الشعبوي والسياسات الاقتصادية التقشفية التي ستزيد حدتها في إطار الاتفاق المرتقب مع صندوق النقد الدولي.

وهذا التناقض جعل رئيس الجمهورية نفسه يعلن بصراحة بعد التوقيع عل ميزانية 2022 عن عدم رضاه عل محتواها حسب ما أورده المنتدى في دراسته. وبالتالي بينت الدراسة انه بعد ستة أشهر فقط من بداية المرحلة التصحيحية أصبحت هذه المرحلة تشهد تراجعا من تأييد ومساندة عارمة لقرارات 25 جويلية باعتبار أن الحدث يمثل بداية تصحيح مسار، الى الاحتراز من الامر عدد 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 على أساس انه احتكار لكل السلط يهدد الانتقال الديمقراطي، وزاد الاستياء وخيبة أمل إثر صدور ميزانية 2022 التي حافظت عل نفس الاختيارات الفاقدة لكل بعد تنموي واجتماعي كما كرست هيمنة اللوبيات والمافيات والكناطرية التي ستقود الى مزيد اللجوء الى التداين من الخارج والقبول بشروط صندوق النقد الدولي.

كل هذه القضايا تمت معالجتها وفق ما جاء في توطئة الدراسة في عدة محاور حيث تشكل المحور الاول منها حول ابراز العمق الهيكلي لازمات المالية العمومية المتكررة أثناء كامل العشرية لفارطة التي قامت من جهة عل التمسك بمنوال تنمية أصبح يمثل المصدر الأساسي لكل الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية منذ بداية القرن الحالي ومن جهة أخرى على اعتماد سياسات قائمة عل الاستهلاك كمحرك أساسي لتحقيق الانتعاش الاقتصادي.

أما المحور الثاني فتعرض بالتحليل الى محتوى ميزانية الدولة لسنة 2022 الذي يؤكد عل استمرار هيمنة اللوبيات والمافيات والكناطرية وفقا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تمكنت من الدفع نحو مزيد اللجوء الى التداين العمومي خاصة من الخارج وتفادي اعتماد إجراءات استثنائية من شأنها أن تخضعها الى المساهمة بقسط وافر لتعبئة أقصى ما أمكن من الموارد العمومية الذاتية.

وخصص في المقابل المحور الثالث، للأسباب الرئيسية التي تجعل الرأي العام التونسي يتخوف من اللجوء مجددا الى صندوق النقد الدوى طمعا في تجاوز الأزمة المالية والاقتصادية الحالية وفتح أفاق تنموية واعدة رغم فشل تجربة برنامج الاصلاح الهيكلي .ولمعرفة الاسباب العميقة لهذا التخوف الحالي تناولت الدراسة بالتحليل منهجية الإصلاحات المقترحة من طرف صندوق النقد الدولي فيم يخص أهم الإشكاليات (كتلة الأجور، الدعم، المنشآت العمومية) قصد ابراز اهمالها الكامل للمشاغل التنموية والاجتماعية والبيئية التي يفترضنها اعتماد منوال تنمية مستدام وعادل وديمقراطي و الذي يقع الحديث عنه بإطناب في كل المحافل الدولية وفي عديد البرامج الحزبية التونسية لكن بدون العمل والحرص عل تكريسه عل أرض الواقع عبر البحث عن بديل تنموي قادر عل تحقيق ذلك.

واعتبر المنتدى ان وصفة صندوق النقد الدولي بعيدة كل البعد عن طموحات الشعب التونس في تحقيق مثل هذه التنمية المستدامة والعادلة والديمقراطية وان الهاجس الوحيد لهذا الصندوق هو تغيير التوازنات المالية الكلية في إطار التشبث باختيارات معينة والحرص عل مصالح الأطراف الاقتصادية والمالية المقيمة بالتراب التونسي وضمان تسديد الديون الخارجية المتحصل عليها من الأسواق المالية العالمية بضمان أو بدون ضمان ومن المؤسسات المالية العالمية بما فيها الصندوق ومن الدول المقرضة الغنية المختلفة التي تدعي مناصرتها للتجربة الديمقراطية التونسية لكن مقابل وفي إطار التشبث باختيارات اقتصادية محددة تضمن مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى