اقتصاد وأعمال

فيما يحقق المغرب والجزائر نتائج باهرة في انتاج الفساط وتصديره، تونس تتدهور

تشكل صناعة الأسمدة العالمية، بشكل مباشر وغير مباشر، قسما مهما من ملف الإنتاج العالمي الغذائي ومستويات الأسعار ومعدلات الإنتاج، وتؤثر الأسعار المرتفعة للأسمدة في الأعباء التي يتحملها الفلاحين، خاصة في الاقتصادات النامية، فمع ارتفاع تكلفة المدخلات الفلاحية تتأثر القدرة الإنتاجية للفلاحين سلبا، والمتوقع حاليا أن تزداد الفاتورة الغذائية في الارتفاع هذا العام، أخذا في الحسبان أن أسعار المواد الغذائية العالمية ارتفعت منذ العام الماضي ومع بداية الحرب في اوكرانيا إلى أعلى مستوى لها خلال عقد من الزمان.

ووفقا للبيانات الإحصائية، فان سوق الأسمدة العالمية بلغ نحو 171 مليار دولار في 2020، وسينمو بمعدل سنوي 2.4 بالمائة من 2021 إلى 2027، ويتوقع أن يبلغ سوق الأسمدة العالمية بحلول 2027 نحو 210 مليارات دولار.

وتبرز المعطيات، ان الزيادات في أسعار الأسمدة ترجع جزئيا الى تكلفة الضغوط الدولية على أسواق الطاقة العالمية، حيث بلغ متوسط سعر الغاز الطبيعي في أوروبا في الربع الأخير من العام الماضي عشرة أضعاف ما كان عليه 2020، وتشير بيانات البنك الدولي، إلى أن مرافق إنتاج النيتروجين تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي لتحويل المواد الخام الكيمائية إلى منتجات نهائية. واثرت بصفة مهمة الزيادات في أسعار الغاز الطبيعي في تكاليف الأسمدة، وقد أدى ذلك إلى تقليص المنتجين الرئيسين مثل الصين وتركيا ومصر وروسيا الصادرات في النصف الثاني من العام الماضي، ما أدى إلى زيادة الأسعار العالمية.

في جانب اخر، تستفيد عدة بلدان من ارتفاع أسعار الأسمدة وتسعى بالتالي لتطوير قدراتها الإنتاجية والتصديرية، في هذا المجال، حيث نشر مجمع سوناطراك الجزائري بتاريخ 15 مارس 2022 بيانا أعلن فيه عن إمضاء اتفاقية شراكة مع شركات صينية تم بمقتضاها انشاء “الشركة الجزائرية الصينية للأسمدة” حيث يمتلك الطرف الجزائري 56 بالمائة من مجموع الأسهم بينما يمتلك الطرف الصيني 44 منها، وذلك وفقا لمعطيات أوردها المرصد التونسي للاقتصاد.

ويعتبر قطاع الفوسفاط في الجزائر غير متطور، حسب المعطيات المصرح بها، مقارنة بتونس والمغرب اللذان يحتلان مراتب متقدمة عالميا في انتاج وتصدير الفوسفاط، ومشتقاته من الأسمدة حيث لم يتجاوز انتاج الفوسفاط في الجزائر 1.3 مليون طن سنويا في 2016 وهو رقم محتشم مقارنة بمخزون الجزائر من الفوسفاط الذي يقدر بـ 3000 مليون طن. هذا وتشير احصائيات سنة 2021 إلى أن المغرب تحتل المرتبة الثانية عالميا وتحتل تونس المرتبة العاشرة عالميا. غير ان الجزائر تسعى عن طريق هذه الشراكة الى النهوض بقطاع انتاج وتحويل الفوسفاط في أربع ولايات في شرق الجزائر بقدرة انتاجية تقارب 6 مليون طن سنويا مما سيضع الجزائر في مقدمة البلدان المصدرة للفوسفاط وسيمكنها من مزاحمة البرازيل المصنفة السابعة عالميا بقدرة انتاج 5.5 مليون طن سنويا حسب إحصائيات 2021.

وتعتبر بذلك هذه الاتفاقية إطارا واعدا للنهوض بقطاع الفوسفاط في الجزائر خاصة مع الاستثمارات الضخمة التي تم رصدها وشمولية المشروع الذي سينهض أيضا بالبنية التحتية لأربعة ولايات جزائرية إضافة الى خلق مواطن الشغل.

كما يذكر في هذا الإطار أن الجزائر تعمل على تنفيذ الأجندة الافريقية 2063 التي اعتمدها مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الافريقي سنة 2009. تشمل هذه الأجندة رؤية التعدين الافريقية “Africa Mining Vision ” التي تسعى الى الاستغلال الشفاف والمنصف والأمثل للموارد المعدنية لدعم النمو المستدام والتنمية الاجتماعية الاقتصادية على نطاق واسع. وهو ما يغيب في معظم الأحيان عن القطاعات الاستخراجية في المنطقة حيث لم يتم بعد تبني هذه الرؤية في شمال افريقيا على عكس التطورات التي تشهدها بلدان افريقيا جنوب الصحراء التي تسعى من خلال تبني رؤية التعدين الافريقي الى الاعتماد على مواردها المعدنية من اجل خلق نمو مستدام.

مع الطفرة التي تشهدها أسعار الفوسفاط والأسمدة في الأسواق العالمية منذ بداية سنة 2021 بسبب ارتفاع أسعار الشحن خلال الجائحة الصحية من جهة وتضاعف الطلب بسبب الازمة الروسية الأوكرانية من جهة أخرى تضاعفت عائدات الفسفاط في المغرب بنسبة 100 بالمائة بين جانفي 2021 وجانفي 2022. ويتواصل هذا الارتفاع خلال السنة الحالية حيث سجلت اسعار الأسمدة ارتفاعا بنحو 30 بالمائة خلال الثلاثية الأولى من سنة 2022 بسبب التخوف من تراجع صادرات روسيا التي تناهز 10 بالمائة من الاستهلاك العالمي.

ويعد المغرب ثالث منتج للفسفاط في العالم إذ يختزن 75 بالمائة من الاحتياطي العالمي من صخور الفسفاط المستخدم في صناعة الأسمدة إذ بلغت الاحتياطات في المغرب والصحراء الغربية المتنازع عليها والتي يسيطر المغرب على 80 بالمائة من مساحتها، قرابة 50 مليار طن.

ومنذ عقود، قرر المغرب بدلا من الاكتفاء بتصدير المواد الخام من الفوسفات أن يصبح أحد أكبر منتجي الأسمدة في العالم فيما قررت مجموعة الفسفاط المغربية المملوكة للدولة عام 2020 الاستحواذ على 54 بالمائة من الحصة السوقية من صادرات الأسمدة إلى أفريقيا.

اما في تونس وبسبب اضطراب انتاج الفسفاط ومشتقاته من الأسمدة فقد تحول البلد الى مستورد لهذه المادة في ظل موجات احتكار وندرة شديدة على مستوى توزيعها تنفيها سلط الاشراف. وتشهد البلاد منذ سنوات نقصاً في الأسمدة اللازمة لنمو المحاصيل الفلاحية المختلفة، لا سيما الحبوب. ويحتاج هكتار الحبوب إلى ما بين 3.5 و4 قناطير من الأمونيتر، علما أن سعر القنطار المدعوم يبلغ نحو 50 ديناراً، بينما يباع في السوق السوداء بـ 60 ديناراً، بزيادة تبلغ نسبتها 20 بالمائة، كما يباع قنطار مادة “دي أي بي” بنحو 75 ديناراً بدلاً من السعر الرسمي البالغ 62 ديناراً.

ويدفع القطاع الفلاحي ثمناً باهظاً لتهاوي منظومة صناعة الأسمدة ومشتقات الفسفاط التي يوفرها المجمع الكيميائي التونسي من مستخرجات هذه المادة الحيوية، حيث يؤمن المجمع منذ عقود ماضية الكميات اللازمة للسوق المحلية والتصدير، غير أن تراجع الإنتاج اضطر المجمع إلى الاستيراد من الجزائر وتركيا. وبسبب الاحتجاجات والإضرابات المتواصلة منذ عام 2011 وتعطل الإنتاج خرجت تونس تدريجياً من نادي كبار مصدري الفسفاط ومشتقاته لتتحول من بلد مصدر إلى بلد مستورد منذ عام 2020، إذ شهدت البلاد رسو أول باخرة من الفوسفات المستورد في افريل من ذلك العام.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى