قطاع الصحة بين “مستشفى الهامش” والفشل في الاصلاح (3/3)

تطرقت دراسة انجزها حديثا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعنوان “الحق في الصحة زمن جائحة كوفيد-19″، الى ما يعانيه القطاع الصحي في تونس من صعوبات هيكلية حيث خصصت اقساما مهمة من محاورها لتحليل ظاهرة استشراء الفساد، بكافة اشكاله، في هذا القطاع مما جعله من أكثر القطاعات تضررا من هذه الافة بما انعكس على جودة الخدمات المقدمة للمرضى والمتعاملين مع هياكله علاوة على تسبب الامر في انهيار بنيته التحتية مقابل بروز قطاع خاص يعاني بدوره من الظاهرة ويسعى لتطويع القطاع الصحي العالم لخدمة مصالحه.

لكن ونظرا لتعقّد أشكال الفساد وتنوعها في ميدان الصحة، ركزت الدراسة بالأساس على الفساد في القطاع العمومي مع بعض الإشارات للفساد في القطاع الخاص الذي أصبح هو أيضا مرتعا لأشكال غير معهودة من الفساد.

18 بالمائة من مداخيل التونسي مخصصة للصحة، دون اعتبار الرشاوي

بين المنتدى ان الاختلاف في تحديد أسباب الفساد في المجال الصحي يقابله إجماع في تحديد آثاره فللفساد تكلفة مالية تتحملها ميزانية الدولة والمستشفيات العمومية. وسرقة المعدات الطبية أو الأدوية أو عدم خلاص الخدمات الصحية داخل المستشفيات المثقلة أصلا بالديون أو التغيب غير المشروع عن العمل أو استغلال تجهيزات المستشفى بشكل غير قانوني أو شراء معدات وتجهيزات أو أدوية لا يتم استخدامها بسبب إساءة تقدير الحاجيات، أو بناء وحدات صحية لا تستجيب للمعايير أو لا حاجة فعلية لها غير خدمة مصالح شخصية لمزودين ومقاولين مقابل رشاوي، كلها أشكال من الفساد ذات كلفة مرتفعة تؤدي إلى تقليص قدرة الدولة على تمويل الصحة العامة وتلبية الاحتياجات إلى خدمات بجودة مقبولة.

وتم التشديد، في ذات السياق، على ان الفساد في المجال الصحي لا يؤدي فقط إلى إهدار الموارد المالية الشحيحة، بل يؤثر سلبا على حق الإنسان في الرعاية الصحية، فالفساد يرفع كلفة هذه الرعاية ويؤدي إلى تضخم تكاليف الخدمات الصحية التي يتحملها المريض، ويمنع الفئات الأكثر فقرا وهشاشة من الانتفاع بحقهم في الصحة اذ ان هذه الفئات باعتبارها الأكثر تعاملا مع المستشفى العمومي تجد نفسها مجبرة على دفع رشاوي أو تمتنع عن العلاج لعدم قدرتها على تحمل تكاليفه. فبالإضافة إلى ارتفاع نسب الإنفاق من الجيب على الصحة، وهو مؤشر يقيس نسبة الأموال التي يدفعها شخص ما بصفة مباشرة للحصول على خدمات صحية، والتي تبلغ في تونس حسب أرقام منظمة الصحة العالمية 38 بالمائة سنة 2018 مقابل معدل عالمي يناهز 18 بالمائة.

ويساهم هذا الوضع، وفق الدراسة، في تعميق الفجوة بين الفئات الاجتماعية القادرة على تحمّل تكلفة العلاج حتى في القطاع الخاص وبين تلك التي تجد نفسها مجبرة على التعامل مع المستشفى العمومي كملاذ أخير، كما ويتسبب الفساد الصحي في تراجع جودة الرعاية وفي مخاطر صحية كبرى قد تؤدي إلى انتشار الأمراض وتراجع مختلف المؤشرات الصحية كأمل الحياة عند الولادة أو نسبة وفيات الرضع..

تواصل سياسات التقشف ينهك القطاع

اعلنت مجموعة من المنظمات غير الحكومية (انترناشونال الرت، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، منظمة الأطباء الشبان…) في بيان أصدرته أواخر نوفمبر 2020 انه في ظل التطورات الخطيرة التي يشهدها الوضع الوبائي في تونس عن اطلاقها حملة تحت شعار “الكورونا تقتل والتقشف يقتل أكثر” انتصارا لسياسات عمومية تضمن الحق في الولوج للصحة لكل المواطنات والمواطنين دفاعا عن حق لطالما نصت عليه المواثيق الدولية على غرار الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

فلئن أبرز، وفقا للبيان، انتشار فيروس كوفيد 19 الأهمية الاستراتيجية للقطاع العمومي بصفة عامة وقطاع الصحة بوجه خاص وابرزت التدهور الكارثي الذي يشهده هذا القطاع منذ ثلاث عقود نتيجة للخيارات التقشفية اللااجتماعية المنتهجة من قبل الحكومات المتعاقبة، فان قوانين المالية تكشف عن نية السلط العمومية في المضي في نفس السياسات بتعميق نهج التقشف وهو ما كرسه قانون المالية 2022 الذي خفض في ميزانية الصحة العمومية بنسبة 16 بالمائة ولم يدرج اعتمادات لمجابهة الجائحة الصحية رغم توقع انتشارها من جديد.

وتم التنديد بان القطاعات الاجتماعية الحيوية لا تزال، وعلى راسها قطاع الصحة، خاضعة في تونس إلى منطق السوق الربحي وتعاني من تراجع دور الدولة نتيجة التدني الفادح للاستثمار العمومي فيها. فميزانية وزارة الصحة التي لم تكن تتجاوز 6.6 بالمائة من الميزانية العامة للدولة سنة 2011 انحدرت إلى 5 بالمائة سنة 2019. وهو ما يعني ان الاستثمار العمومي في تونس لا يغطي إلا 57 بالمائة من الكلفة الاجمالية لخدمات الصحة مقابل 74 بالمائة كمعدل عالمي.

يذكر ان العاملون بقطاع الصحة، ينفذون غدا الخميس 30 جوان 2022، يوم غضب، وفق تصريح اعلامي ادلى به بداية الاسبوع كاتب عام الجامعة العامة للصحة حسن المازني بين الذي أن من أهم مطالبهم ترسيم المتعاقدين والوقتيين، مبرزا أن عدد الأعوان المعنيين بالترسيم يصل إلى 3000 عون من مختلف الاختصاصات وبينهم عدد من الأطباء. وشدد على أنه تم سابقا تهديد هؤلاء الأعوان بقطع الأجور خلال شهر أفريل الماضي وتم الضغط عليهم للإمضاء على عقود غير قانونية. كما لفت إلى أن عددا من الأعوان المتعاقدين تم طردهم وهناك من بينهم من توفي جراء فيروس كورونا منتقدا تعامل سلطة الإشراف معهم التي لم تتفاوض معهم ورفضت الحوار وكأنها تدفعهم للقيام بتحركات احتجاجية، وفق تقديره.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Leave a Comment

Recent Posts

والي زغوان يستقبل مخرج مسلسل رقوج الذي تم تصويره بالجهة

إستقبل صباح اليوم الثلاثاء 30 أفريل 2024 والي زغوان السيد محمد العش المخرج السينمائي عبد…

2024/04/30

سوق باجة اليوم : أسعار الخضر والغلال واللحوم والأسماك (فيديو+صور)

سوق باجة اليوم : أسعار الخضر والغلال واللحوم والأسماك (فيديو+صور)

2024/04/30

جدل كبير بسبب تكريم أستاذ لتلميذته بمناسبة ارتدائها الحجاب

أثار مقطع فيديو يظهر حفلة تكريم داخل إحدى المدارس التونسية لتلميذة من طرف أحد أساتذتها،…

2024/04/30

بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و ماديسون كييز

ستُلاقي لاعبة كرة المضرب التونسية أنس جابر المصنفة تاسعة عالميا نظيرتها الأمريكية كييز ماديسون المصنفة…

2024/04/30

يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس

سيكون زوار مدينة العلوم بتونس على موعد مع سهرة فلكية حول وضعية الكواكب خلال دورانها…

2024/04/30

إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدّفاع الوطني

تمّ بمقتضى أمر عدد 213 لسنة 2024 صادر بالرّائد الرّسمي (عدد 55) إحداث مخبر المترولوجيا…

2024/04/30