اقتصاد وأعمال

مذكرة: نصيب الأثرياء من الدعم يعادل ثلاثة أضعاف حصة الأسر الأشد فقراً

أبرز كل من فيديريكا ألفاني وماريا يوجينيا جينوني ويوهانز هوجفين، الخبراء في البنك الدولي مذكرة صادرة بمدونة المؤسسة الدولية في 19 سبتمبر الحالي ان بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتميز بالتركيز الشديد على دعم السلع الاستهلاكية، لاسيما المياه والغذاء والطاقة.

وغالباً ما يكون القصد من تطبيق أنظمة الدعم، وفق الخبراء، هو حماية الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً، لكن فعاليتها في الحد من الفقر محدودة اذ عادة ما تعود إعانات الدعم التي تهدف إلى حماية الفقراء بالنفع على الطبقات المتوسطة والأغنى أكثر من غيرهم ويتأكَّد الامر بالنسبة لإعانات دعم الطاقة.

الدعم عبئ ثقيل على المالية العامة

ولكن يبدو حسب المذكرة انه حتى بالنسبة لدعم المواد الغذائية، فان تسرب إعانات الدعم إلى غير الفقراء شائع على نطاق واسع التي استدلت على ذلك بما يجري في تونس حيث يبلغ متوسط نصيب الفرد من إعانات دعم المواد الغذائية والطاقة الذي تحصل عليه الأسر الأكثر ثراء ثلاثة أمثال ما تحصل عليه الأسر الأشد فقراً.

وبذلك تؤدي إعانات الدعم إلى تخفيض الأسعار بشكل مصطنع، الأمر الذي يخلق تشوهات اقتصادية كبيرة، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب على سبيل المثال، فإن الأسعار المنخفضة بشكل مصطنع للخبز تؤدي إلى الإفراط في الاستهلاك، إذ يزداد الطلب عليه عمَّا لو كان الحال بخلاف ذلك، حسب المذكرة.

وتفرض إعانات الدعم عبئاً ثقيلاً على المالية العامة يزداد مع ارتفاع الأسعار العالمية، وتوجه الموارد العامة الشحيحة بعيداً عن أولويات مثل الاستثمارات في الرعاية الصحية والتعليم حيث انفقت الحكومة التونسية في عام 2021، نحو 1.7 بالمائة من إجمالي ناتجها المحلي على دعم السلع الغذائية و2.5 بالمائة على دعم منتجات الطاقة بناء على معطيات وزارة المالية للعام الجاري.

ويبرز الخبراء انه على الرغم من العيوب التي تنطوي عليها إعانات الدعم، فإن إصلاح أنظمة الدعم قلَّما يَلقى تأييداً لدى متخذي القرار، لأسباب عدة ليس أقلها الإخفاق في شرح مبررات الإصلاح للمواطنين، والحجة التي طالما تتردد على الأسماع هي أن إلغاء الدعم قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات وأعمال شغب. ولأن الأشخاص الموسرين هم الأكثر استفادةً من إعانات الدعم، ولهم صوت مسموع ولديهم القدرة على تنظيم احتجاجات، فإن هذا مبعث قلق مفهوم للقادة السياسيين.

بيد أنه توجد وفقا للمذكرة الصادرة بموقع البنك الدولي سُبُلٌ تجعل من إصلاح أنظمة الدعم أمراً مقبولاً حتى لدى الطبقة المتوسطة. وإحدى هذه السبل هي الاستعاضة عن الدعم بتحويلات نقدية إلى جميع المواطنين تقريباً. فالتحويلات المُوحَّدة إلى الجميع بدلاً من إعانات الدعم يسهل تبريرها، ويسهل نسبياً تطبيقها، وتتسم بأنها تصاعدية (فالفقراء يستفيدون أكثر نسبياً، لأن دخولهم أقل، وهي -على النقيض من التحويلات المُوجَّهة حصراً إلى الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً- تراعي هموم الطبقة المتوسطة).

اشكالات مكلفة 

أعلنت الحكومة بداية العام عن حزمة “إصلاحات” تعتزم تنفيذها في وثيقة بعنوان “الفرضيات والتوجهات الرئيسية للفترة 2022/2024” تم الكشف عنها والتي يمكن أن تكون موضوع نقاش مع صندوق النقد الدولي.

ووفقاً للوثيقة، سيتم تنفيذ إصلاح منظومة الدعم كبير في مختلف المجالات من خلال الانتقال من دعم الأسعار إلى الدعم المباشر، مما سيمكن من الوصول إلى مستوى أسعار المحروقات الحقيقية، في مرحلة أولى، مع وضع إجراءات موازية لحماية الفئات الهشة والاستمرار في تطبيق التعديل الآلي لأسعار الوقود.

وتعتزم الحكومة، في مرحلة ثانية، ضمان الرفع التدريجي للدعم عن المنتجات الحساسة من خلال تعديل جزئي للأسعار ثم الرفع الكامل للدعم من خلال توفير تحويلات مباشرة لمن يحتاجون إليها وتحديد السعر التلقائي وتعديل دوري حسب استهلاك الكهرباء والغاز.

وتخطط السلطات التونسية وفق الوثيقة الرسمية، للتطبيق التدريجي لنظام دعم السلع الجديد خلال الفترة 2023-2026، من خلال وضع آلية استهداف قادرة على ضمان “الإنصاف”.

هذا وكان المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكنية قد أكد في دراسة أصدرها في فيفري الفارط أنه من الضروري النظر في تأثير الإصلاحات على الأداء الاقتصادي للبلاد، وهو ما يمثل شرطًا لا غنى عنه للقدرة على الحفاظ على المكاسب الاجتماعية المستهدفة على المدى الطويل. وبالتالي، وبالإضافة إلى ضمان وصول الفئات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض إلى المواد الغذائية الأساسية، يمكن أيضًا اعتبار الإعانات الغذائية وسيلة لخفض التكاليف في العديد من قطاعات الصناعات الغذائية أو حتى كدعم مباشر لأسعار المنتجين سيما في قطاع إنتاج القمح.

وبالإضافة إلى الإطار التحليلي الموصى به، بين المعهد أن الاستهداف في مستوى الدعم من خلال التوزيع المباشر للدخل على الفئات المحتاجة يمكن أن يؤدي إلى آثار تعويضية تتلاشى بمرور الوقت وإذا لم يكن الوصول السهل والرخيص إلى الخدمات الأساسية متاحًا، فإن المراجعة التصاعدية للدعم ستكون حتمية. وبالتالي، توجد طريقة أخرى لاستمرار إصلاح الاستهداف وهي اختيار الاستهداف بالاستثمارات بدلاً من توزيع الدخل. ويتعلق ذلك بشكل أساسي بالاستثمارات الهادفة إلى تحسين جودة وكفاءة الخدمات العامة الأساسية مثل النقل العمومي؛ الصحة؛ التعليم، إلخ.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى