اقتصاد وأعمال

مرسوم الشيكات: مصالح البنوك فوق كل اعتبار

صدر بالرائد الرسمي مرسوم عدد 10 لسنة 2022، مؤرّخ في 10 فيفري 2022، يتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد. وينتفع بالعفو العام، وفق المرسوم، كلّ من أصدر شيكا دون رصيد حرّرت في شأنه، شهادة عدم خلاص أو محضر احتجاج في عدم الدفع بمقر بنك المستفيد من الشيك، شرط توفير الرصيد بالمصرف ودفع مصاريف الإعلام للمصرف أو مصاريف الاحتجاج المحرّر بمقر المصرف.

ويعني ذلك ان اول شرط للانتفاع بمرسوم العفو الذي لم يلغي بصريح العبارة العقوبة السجنية ولا الخطايا المتحملة على اصدار الشيك، يتمثل في تسوية الوضعية لدى المصرف وهو ما يحمي مصالحه ويكرس روح قانون الشيكات سيئ الذكر المبني على احكام الفصل 411 من المجلة التجارية والقاضي بان يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على أن لا تقل عن عشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل من أصدر شيكاً ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه لدى المسحوب عليه.

وينتفع أيضا، بالعفو العام كلّ من كان محلّ تتبع قضائي لدى المحاكم على اختلاف درجاتها أو صدر ضدّه حكم من أجل شيك دون رصيد قبل تاريخ نشر هذا المرسوم، وقام بتطبيق مقتضيات الفقرتين 1 و2 من الفصل الأوّل من المرسوم وذلك قبل يوم 31 ديسمبر 2022. ولا يمسّ هذا العفو بحقوق الغير وخاصّة بالحق الشخصي. ولا يشمل العفو المصاريف القضائية ولو التي لم تستخلص، ولا الاستصفاء الذي تمّ تنفيذه ولا الخطية التي تمّ استخلاصها.

وتعليقا على قرار رئيس الجمهورية قيس سعيد في خصوص إصدار المرسوم الخاص بالعفو العام في الشيكات دون رصيد، اعتبر عبد الرزاق حواص، الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، ان رئيس الدولة “قام بتحرير العبيد”. واعتبر حواص في تصريح لدى إذاعة خاصة، ان الدورة الاقتصادية توقفت بسبب عاملين رئيسيين هما جائحة كورونا، والعقوبات الجزائية ضد إصدار الشيكات دون رصيد.

وقال حواص ان العفو العام يحفظ حق الدائن والمدين، خاصة مع إرساء التتبعات المدنية فقط دو اللجوء للعقوبات الجزائية، حيث سيمكن المدين من خلاص مسستحقاته وتسوية وضعيته المالية مع المدان والبنك المركزي واستئناف نشاطه الاقتصادي. غير ان تقييم حواص يبقى قاصرا في خصوص الجانب القانوني اذ ان العقوبة السجنية لم تلغ، من ناحية كما ان الاندماج من جديد في الدورة المالية يتطلب توفير مبالغ الخطايا المتراكمة وتضمينها لدى المصارف وهي التي تصل قيمتها الى مليارات الدينار، من ناحية أخرى.

هذا ويعتبر قانون الشيكات بدون رصيد السالب للحرية مخالفا للمعايير الدولية وقد وجهت منظمة الأمم المتحدة تنبيهات عديدة للسلط التونسية منذ 2006 للتخلي على العقوبة السالبة للحرية باعتبار ان اصدار الشيك بدون رصيد لا يقابل اعتداء بدنيا او اخلال بالأمن العام كما ان عدم ضم العقوبات أحال الاف التونسيين على عقوبات قروسطية تصل الى السجن مئات السنين.

ويندرج تجريم اصدار الشيك في إطار منظومة متكاملة تقصي بالأساس أصحاب المؤسسات من الحصول على التمويل من البنوك ليقعوا تحت طائلة اصدار الشيكات لتمويل انشطتهم التجارية والصناعية مما “يسهل” وضعهم في السجون واخراجهم من منافسة اباطرة اقتصاد الريع في تونس.

وشهدت السنوات الماضية دعوات متكررة لتغيير قانون الشيكات الذي يفرض عقوبة سجنية بـ 5 سنوات على من أصدر شيك دون رصيد. وفي سبتمبر الماضي، كشف المرصد التونسي للخدمات المالية عن وجود أكثر من مليوني قضية شيك دون رصيد منشورة بالمحاكم.

ويُطالب قطاع واسع من رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات الاقتصادية بتغيير هذا القانون خاصة في ظل تدهور الأوضاع المالية بسبب جائحة كورونا. كما تؤكد عدة مصادر على وجود نحو 8 آلاف صاحب شركة موقوف على ذمة هذه القضايا.

وسبق لمجلس نواب الشعب المجمد أن تداول مشروع قانون جديد للشيكات، غير أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد في جويلية الفارط حالت دون إتمام المصادقة عليه.

كما تساهم قضية الشيكات في تعميق أزمة الاكتظاظ داخل السجون التونسية خاصة مع تفشي فيروس كورونا.

وتعاني السجون التونسية من اكتظاظ كبير، إذ قدّر تقرير سابق للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان نسبة الاكتظاظ داخل السجون بـ150 بالمئة، وقد تصل في بعض الأحيان إلى نسبة 200 بالمائة.  

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى