مثّل رهان تعريب التعليم بتونس منذ الاستقلال باعتباره هدفا استراتيجيا يضمن ابراز الشخصية التونسية والهوية الوطنية، نقطة اختلاف بارزة بين الاطراف المؤثرة على الشأن التربوي بسبب وجود تباين حول المنهجية الواجب اعتمادها لتحقيق هذا الهدف خاصة فيما يتعلق بتطور نسب استعمال اللغتين العربية والفرنسية في مختلف مراحل التعليم لتدريس جملة من المواد الأساسية ولتلقين العلوم.
وانطلق هذا اختلاف مع إرساء النواة الأولى للمدرسة التونسية وكانت هناك رؤيتان للإصلاح التربوي فيما يتعلق بنسق التعريب واحدة يتزعمها وزير التربية القومية في الفترة الممتدة بين 1956 و1958 امين الشابي والذي نادى بتعريب التعليم من السنة الأولى بما في ذلك الحساب. والثانية يقودها محمود المسعدي وتدفع الى الانطلاق بتدريس مواد الحساب والعلوم الطبيعية والجغرافيا والتاريخ باللغة الفرنسية. وهو توجه دعمه الرئيس الحبيب بورقيبة من خلال تعيين محمود المسعدي على راس وزارة التربية طيلة العشرية 1958 -1968 وإصدار
وتواصل الجدل بخصوص منهجية التعريب مع العديد من الفاعلين السياسيين واهمهم محد المزالي الذي أشرف بدوره على وزارة التربية في ثلاث مناسبات متتالية – سنوات 69 و71 و76- وكان من دعاة تعريب التعليم بتونس إلى ان اتى اصلاح اليساري محمد الشرفي بعد تعينه على راس وزارة التربية والتعليم العالي خلال الفترة 1989-1994 وأصدر القانون عدد 65 لسنة 1991 المؤرخ في 29 جويلية 1991 والمتعلق بالنظام التربوي. ونص هذا القانون في فصليه السابع والثامن على اعتماد التعليم الأساسي على مرحلتين متتاليتين تمتد الأولى على ست سنوات والثانية على ثلاث سنوات وتدرس خلاله كل المواد الإنسانية والعلمية والتقنية باللغة العربية. وهي مقتضيات تقطع تماما مع خيارات اصلاح 1958 خاصة فيما يتعلق بالمواد العلمية حيث تم اختصار تدريسها باللغة الفرنسية طيلة مرحلة التعليم الثانوي والتي تمتد على اربع سنوات عوضا عن سبع سنوات كما كانت عليه قبل اصلاح 1991. خيارات تم تأكيدها بالفصلين 22 و24 من القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي الصادر في 23 جويلية 2002 والذي تم إصداره في عهد المنصر رويسي لما كان وزير التربية ثمّ التكوين في الفترة الممتدة من 2001 إلى 2003.
خيارات كانت دوافعها المعلنة تأصيل الحضارة العربية الإسلامية وترسيخ السيادة الوطنية وتحمل في باطنها زعامة فكرية ورهانات ايديولوجية وسياسية ولا علاقة لها قطعا بمصلحة التلميذ التونسي والذي كان أكبر ضحاياها وذلك على امتداد أكثر من 3 عقود. موضوع احتد الجدال بخصوصه بعد 2011 وبعد بعد دخول اللغة الإنجليزية على الخط ومناداة مناصريها باعتمادها كلغة اجنبية أولى بوصفها لغة العصر والحضارة.
وكخلاصة لما سبق اعتبر شخصيا انّ المقتضيات الواردة بإصلاح 1991 والمتمثلة في تدريس المواد العلمية بالمرحلة الإعدادية قبل المرور إلى تدريسها بالفرنسية خلال المرحلة الثانوية والإبقاء على هذه الوضعية إلى اليوم “جريمة بيداغوجية ” في حق أبنائنا وبناتنا في التربية والتعليم والثقافة أيضا. جريمة لما تتسبب فيه من اضطراب عند المتعلمين وحرمانهم مع أساتذتهم من زمن مدرسي هم في اشد الحاجة إليه بسبب إعادة تناول المرحلة الثانوية لجزء هام من البرامج التي تم تدريسها في المرحلة الإعدادية. وجريمة بسبب حرمان المتعلم من إمكانيات فعلية لحذق المواد العلمية ومن خلالها حذق الفرنسية وما يتسبب فيه من تقليص حظوظه في النجاح إلى ادني المستويات. فمن الخطأ الجسيم تجاهل درجة تفاعل حذق المواد العلمية مع حذق لغة التدريس. وارى من هذا المنطلق ضرورة قصوى في الإسراع في إصلاح هذا الخطاء بإقرار تعليم المواد العلمية بنفس اللغة في المرحلتين الاعدادية والثانوية. على ان يتم:
– تفادي الخلط بين تدريس اللغات – العربية والفرنسية والانجليزية أو أي لغة أخرى – كغاية واستعمال لغة لتدريس مواد بعينها طيلة المسار الدراسي للمتعلم. فالارتقاء بحذق اللغات لا يطرح أي إشكال إذا ما وضعنا الإمكانيات الضرورية للغرض من زمن مدرسي ومن مراجع ووسائل بيداغوجية ووفرنا إطار كفؤ لتدريسها وهو ما يجب العمل على تحقيقه كهدف من اهداف الإصلاح التربوي.
– الأخذ بعين الاعتبار عند اختيار لغة لتدريس المواد العلمية المصلحة البيداغوجية للمتعلم وكامل مساره الدراسي من التحضيري إلى التعليم العالي والتكوين المهني بما في ذلك التخصّصات، وذلك بتونس وبالخارج.
-الأخذ بعين الاعتبار كلفة المرور إلى اللغة الانجليزية كلغة ثانية بعد اللغة العربية وقيمة الموارد الواجب استثمارها. وهي استثمارات مالية وثقافية وسياسية وما سيتطلبه هذا التوجه من مدة انجاز ومن تكوين معلمين وأساتذة تعليم ابتدائي وتعليم عالي ومن ترجمة مراجع وحظوظ نجاح هذا التوجه وقيمته المضافة.
– تفادي الايهام بان تعريب التعليم شرط من شروط السيادة الوطنية والهوية العربية والإسلامية. فلا تقاس وطنية أبنائنا الذين يقيمون بالخارج من الأجيال الحاضرة وعروبيتهم واسلامهم بدرجة تمكنهم من اتقان العربية. ومن وجهة نظري لا يمكن وصف هذا التفكير عندما يوجد إلّا بكونه إقصائي ومخالف لحقوق الإنسان. وتبقى الدولة مطالبة بوضع السياسات الضرورية للنهوض باللغة العربية كمادة ثقافية محورية وكعنصر من عناصر هويتنا التونسية.
أفادت الإدارة العامة للأمن الوطني بأن الوحدات الأمنية التابعة لفرقة الشرطة العدلية بقفصة تمكنت من…
انعقدت الجلسة العامة العادية للبنك التونسي للتضامن المتعلقة بالسنة المالية 2024 يوم الإثنين 28 أفريل…
صفاقس تحتضن صالون الفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة (فيديو)
إدارة حماية البيانات الإيرلندية (DPC) تفرض غرامة قدرها 530 مليون يورو على تيك توك وتطلب…
أشرف السيد عماد بوخريص، والي تونس، صباح اليوم الجمعة 2 ماي 2025، على جلسة عمل…
نظم إقليم الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بسليانة، اليوم الجمعة، تظاهرات تحسيسية وتوعوية حول المحافظة…
Leave a Comment