بقلم رضا الزهروني: إصلاح المنظومة التربوية ومقاومة الغشّ

أصبحت ظاهرة الغشّ مَشْغلا محوريّا وسنويا للرأي العام على امتداد فترة اجراء امتحانات الباكالوريا ولم تكن بالطبع دورة السنة الحالية استثناء لهذه القاعدة. موضوع تناولته وسائل الاعلام بإطناب مع كلّ الأطراف المعنية، سلطة واولياء ومختصين ومهتمين بالشأن التربوي.

والغرابة لا تكمن في التعرُّض إلى الموضوع بل في تركيز التعامل خلال السنوات الأخيرة مع امتحان الباكالوريا في دورته الرئيسية مع هذه الظاهرة وتجاهل كل الجوانب الأخرى ولها من وجهة نظري نفس الأهمية إن لم أقل أكثر مقارنة بالغش مثال توزيع المترشحين على الشعب ونسبة الحضور ومحتوى الاختبارات وظروف التهيؤ وإجراء الامتحانات ومعنويات المترشحين ونسب المشاركة والنجاح في نفس الفئة العمرية.

قمت شخصيّا ببحث على موقع (Google)باستعمال العبارات “باكالوريا-تونس- 2024” واختصرت في البحث على الأسبوع الأخير. ولم افاجأ عندما وجدت أغلبية العناوين تحمل تفاصيلها عبارة غش على غرار تسجيل 231 حالة غش وايقاف تلميذة لارتكابها الغش وضبط حالات غش. وأكثر عناوين الصحافة المكتوبة التي تم تداولها منذ انطلاق الامتحانات ولها علاقة بالباكالوريا والمواضيع التي تم تناولها في الشأن من طرف الاذاعات والقنوات التلفزية والحوارات التي تم اجراؤها كان موضوعها الأساسي الغش.

من البديهي أن نقر بأن الغش كالسّرقة هو من الظواهر المرفوضة والمقرفة عندما نتحدث على أنبل الرّهانات في مسار الافراد المجتمعات لعلاقته بالبناء القيمي والعلمي والفكري والمهني والمحدد لمحور أساسي من محاور تامين مستقبل الأجيال والشعوب ولانعكاساته المباشرة على مصداقية الدّولة والنظام وأعني امتحان الباكالوريا. مهمتنا نحن كأطراف مسؤولة مقاومة الغش كل في مجاله وفي مختلف مراحل المسار الدراسي للتلميذ وخاصة الامتحانات الوطنية وعلى رأسها امتحان الباكالوريا.

ونستعمل لتحقيق هذه الغاية العديد من الآليات التنظيمية والتوعوية والإلكترونية والجزرية والتأديبية. ونجد في المقابل أصحاب النوايا والمقاصد السيئة وهم اشخاص وشبكات من مختلف الاختصاصات والمواقع تبحث عن أنجع الحيل واضمن السبل لاختراق الحاجز الوقائي بما في ذلك التلاعب بعواطف التلاميذ وحتى الاولياء وبيع الأوهام وفيهم من يعتقد بالفعل في قدراته على انجاح مشروعه الاجرامي كلفهم ذلك ما كلّفهم. وتتطور بالتّالي مع السنوات آليات الوقاية والتصدّي مع تطور ابتكار الحيل واساليب المغالطة ووسائلها.

والارقام حول عدد حالات الغش التي تم اكتشافها هذه السنة في حدود 300 حالة هي في مستوى المعدلات المعتادة واقل من عدد الحالات التي تم التفطن إليها خلال السنة الماضية وهو 600 حالة. في حين انه تم تسجيل أكثر من 1000 حالة خلال دورة جوان 2022.

والاهم من وجهة نظري ليس في عدد الحالات التي تمّ اكتشافها بل في التدقيق في الأسباب الفعلية للأقدام على هذه الظاهرة ومخاطرة المترشح بمستقبله الدراسي وحتى الاجتماعي والمقامرة برهان من المفروض انه يدرك ان نسب اكتسابه تبقى ضئيلة جدا ويبقى وصمة عار في مستقبل حياته مهما كانت النتيجة.

ونتجاهل في السياق رقما اعتبره أكثر خطورة من عدد حالات الغش والتي يتم التفطن إليها ويتعلق بعدد المسجلين الذين يقاطعون امتحان الباكالوريا. فعلى سبيل المثال وحسب احصائيات وزارة التربية المتعلقة بدورة جوان 2023 امتنع 7000 مترشح عن الحضور يوم الامتحان وهو ما يمثل نسبة 5 بالمائة من عدد المسجلين.

وأرى انه من الضروري عندما نكون في هرم قيادة المشروع التربوي ان نتساءل لو كان عند التلميذ امل فعلي وحظوظ مؤكدة للنجاح في امتحان الباكالوريا بقدراته الشخصية هل يلجأ إلى الغش او يتعمد الغياب يوم إجراء الاختبارات؟

 الاستثناءات تبقى لتأكيد القاعدة وفي اعتقادي أنّ الإجابة على التساؤل ستكون بلا لأنّ ظاهرتي الغش ومقاطعة الامتحان هما وجهان لنفس العملة أي فشل المنظومة وعدم قدرتها على تمكين المتعلم من التحصيل المعرفي الذي يجعله يتدرّج طبيعيا طيلة مساره الدّراسي. وهما عنوانان لشعور الأغلبية من أبنائنا وبناتنا التلاميذ بالعجز والإحباط واليأس ولتعبيرهم على عنف داخلي وعلى رفض الواقع بغض النظر عن الاضرار الّتي يتكبّدها.

والحل للوقاية من هاتين الظاهرتين ومن العديد من الظواهر السلبة الاخرى قبل المرور إلى معالجتها يكمن في اصلاح منظومتنا التربوية وخاصة مدرستنا العمومية لتستجيب الى شروط الجودة والمجانية والعدالة الاجتماعية ولتكون بالفعل مصعدا اجتماعيا لكل أطفالنا اين وجدوا ومتى وجدوا مع الانطلاق الفوري في تأهيل المرحلة الابتدائية.