الفئات: تعليمملفات

بقلم رضا الزهروني: انهيار منظومتنا التربوية والتعليمية.. هؤلاء هم المذنبون

حمّل الفصل 47 من الدستور الأولياء مسؤولية المشاركة مع الدولة في ضمان حق أبنائنا وبناتنا في التربية والتعليم بالإضافة إلى حقوقهم في الرعاية والصحة والكرامة. ومن جهة أخرى منح القانون المنظم للجمعيات المدنية ومن ضمنهم الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ حق تقييم دور مؤسسات الدّولة وتقديم مقترحات لتحسين أدائها ومن دون أن يستثني المؤسسات التربوية.

ومن هذا المنطلق ومن هذا الموقع يحقُّ للولي أن يتوجه إلى كلّ من يهمه الأمر بهذه الصرخة لعلّه يستيقظ من نومه العميق ويعْدل عن سكوته الآثم على انهيار المدرسة التونسية وعن عدم اكتراثه بما يتسبب فيه الوضع من خسارة لا يمكن تقديرها تتمثل في إهدار كبير للموارد العامة وفي بعثرة مكاسبنا البشرية وحتى الإنسانية. ويحقُّ للولي أن يتساءل أيضا عن مسؤولية الأطراف المعنية في هذه الواقع الكارثي للمنظومة التربوية التونسية ومن ضمنهم الدولة والسياسيين سواء كانوا في الحكم أو خارجه ومهنيي وزارة التربية والمختصين ومكونات المجتمع المدني بأوليائه ونخبه وحقوقييه ويتّهمهم بفقدان الكفاءة والأهلية وبالانتهازية وعدم تقديم المساعدة إلى طفولة في خطر وإلى شباب مهدد بالضياع.

اتهام مسؤولينا بانعدام الكفاءة والأهلية يرتكز بالأساس على عدم تمكنهم من قواعد الحوكمة الرشيدة ومن ثوابتها حتى المبدئية منها وخاصة ما هو متعلق بالتخطيط الجيد للمشاريع الكبرى. ويتجلى ذلك في عدم قدرتهم والى اليوم على وضع استراتجيات تكون أهدافها محددة ومشفوعة بخطط عملية وميدانية لإنقاذ المدرسة التونسية ليتم تنفيذها حسب الأوليات. فهم غير قادرين على التميز بين ما هو استراتيجي وما هو عملياتي وما هو تخطيط سنوي وعمل يومي وغير قادرين أيضا على التمييز بين الأهداف وآليات العمل وبين الأسباب والنتائج.

فأغلبهم يجهل أو يتجاهل مختلف وظائف المدرسة وهي التربية والتعليم والتأهيل والثقافة ويجهل العلاقة التفاعلية في ما بينها وفي ما هو متعلق بمراحل التعليم من التحضيري إلى التعليم العالي والتكوين المهني. ويجهل أو يتجاهل أن كلّ مرحلة تعليم لها خاصياتها ومتطلباتها بالإضافة إلى علاقاتها التفاعلية مع المرحلة التي قبلها والتي تليها.

فعندما يتعمد مثل هؤلاء المسؤولين ترويج صور جميلة للمدرسة التونسية ويواصلون في الوقت ذاته تنظيم الندوات تلو الندوات والأيام الدراسية تلو الأيام الدراسية لتشخيص أسباب الانقطاع المبكر عن الدراسة وأسباب تدني المستوى أو أسباب تنامي ظاهرة العنف المدرسي بهدف تقديم التوصيات بخصوص معالجة الوضع، فمن حق كل مواطن غيور ومسؤول أن يشعر بالخوف بخصوص مستقبل أبنائه وبناته وبلاده.

هل يوجد عمل واحد يبرئ الحكومات ونواب تداولوا على الحكم في الفترة الممتدة من جانفي 2011 إلى جويلية 2021 من تهمة تغليب مصالحهم الشخصية والحزبية وتكالبهم على الكراسي وعدم اكتراثهم بالحالة الكارثية التي أصبحت عليها مدرستنا. فربما لم يروا وجوبا للاهتمام بالملف لانّ إمكانياتهم المالية تسمح لهم باللجوء إلى الدروس الخصوصية والمدارس الخاص داخل تراب الوطن وحتى خارجه. ومن جهة أخرى تعمدت الهياكل المهنية طوال السنوات العشر الأخيرة استعمال أبنائنا وبناتنا التلاميذ كورقة ضغط في عديد المناسبات في كلّ صراع أصمّ مع سلطة الإشراف يتعلق بملفات مهنية بامتياز أو بتموقعات سياسوية وهي ملفات ليست أي علاقة لا من قريب ولا ن بعيد بالتلميذ وبتحسين أداء المنظومة.

كل هذه الأطراف وغيرها ومن ضمنهم نحن الأولياء تعمدنا التقاعس عن تقديم المساعدة لكلّ أطفال تونس الذين يتمّ تعريضهم إلى خطر الجهل والعنف وهم في اشدّ الحاجة إلى وقوفنا بجانبهم للدفاع على حقوقهم. فكيف يمكننا التبجح بالديمقراطية والحرية والتضامن والكرامة وبمستقبل زاهر لتونس ولشعبها وهم ومنذ سنوات عديدة يعتصمون بالصمت وبعدم المبالاة بمستقبل أجيال وأجيال من شبابنا محكوم عليهم بالعجز المعرفي والإقصاء الاقتصادي والاجتماعي ويدفع بهم المجتمع بكل مكوناته إلى منحدر الرداءة وإلى تعقيداتها بمعانيها المتعلقة بوهم المعرفة وتفوق الجهل؟

لكم الحق أن تطالبوا بالحجج التي تم الارتكاز عليها لتوجيه هذه الاتهامات. أجيبكم باني أتحمل مسؤولية كلّ كلمة كتبتها. فالتونسيين يعيشون كل يوم على واقع الإحباط والتهميش وانعدام الأمان والاطمئنان على مستقبل أطفالهم وهم شهود عيان على ما تعيشه منظومتنا التربوية من تدن في المستوى ومن تنامي نسب الأمية والانقطاع المبكر عن الدراسة وهم شهود عيان على ما أصبحت تمثله المدرسة كعنوان من عناوين التمييز والإقصاء. فهم فقدوا اليوم ثقتهم في المنظومة التربوية وفي إطاراتها وفي حكام البلاد وفي سياسييها. فمن حالفه الحظ ليولد في عائلة ميسورة نسبيا اجتماعيا أو ماديا يمكنه أن ينتظر شيئا من المستقبل وفي ما عدى ذلك لم يعد للتونسي أي قدرة للاعتقاد في شيء غير مجارات عجلة الزمان والتي لا يمكن له ان يتحكم حتى في ثانية منها.

ربما تجدون في هذا الوصف صورة قاتمة لفترة حكم أتت قبل 25 جويلية 2021 وبعد 14 جانفي 2011 وهي فترة عاشت فيها بلادنا نظاما حاكما اقل ما يمكن وصفه بكونه انتهازي وظالم ومستهتر بقيم الوطنية والمسؤولية. أملي ونحن على دراية بهذا الواقع المخيف والمخطر أن نعي بضرورة إنقاذ الوطن من خلال إنقاذ منظومتنا التربوية والذي أصبح اليوم امرا مستعجلا ويبقى إرساء المجلس الأعلى للتربية والتعليم مع إضافة التكوين المهني في التسمية وكمجال اختصاص قائم الذات وله علاقة بالتربية والتعليم حجر الزاوية للمضي قدما في تنفيذ هذا المشروع بخطى ثابتة ومسؤولة وسريعة.

* رضا الزهروني: رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ

 

 

 

 

Leave a Comment

Recent Posts

النظر في مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية تمويل بين الدولة وبنوك محلية لتمويل ميزانية الدولة

عقدت لجنة المالية والميزانية جلسة يوم الثلاثاء 25 جوان 2024 نظرت خلالها في مشروع قانون…

2024/06/26

نبيل عمار: التدفقات المالية غير الشرعية تكبّد تونس 1.2 مليار دولار سنويا 

 أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمار، اليوم الأربعاء 26 جوان 2024، أن…

2024/06/26

نشرة متابعة: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة خلال هذه الأيام بفارق يصل الـ 13 درجة

في نشرة متابعة لارتفاع درجات الحرارة و تجاوزها للمعدّلات المعتادة خلال شهر جوان الحالي، أفاد…

2024/06/26

في عملية نوعية: الإطاحة بأخطر العناصر الإجرامية في القصرين (فيديو)

في عملية نوعية: الإطاحة بأخطر العناصر الإجرامية في القصرين (فيديو)

2024/06/26

وزيرة الصناعة تعطي إشارة انطلاق نشاط القسط الثاني من مركز جرجيس الذكي 

تؤدي اليوم وزيرة الصناعة و المناجم والطاقة السيدة فاطمة الثابت شيبوب زيارة عمل إلى مدينة…

2024/06/26

تدشين دار الشّباب حمام الأنف بعد إعادة تهيئتها بكلفة 700 ألف دينار

تمّ أمس الثّلاثاء تدشين دار الشّباب حمام الأنف بعد إعادة تهيئتها وتجهيزها بكلفة جملية ناهزت…

2024/06/26