تعليم

بقلم رضا الزهروني: قراءة في نتائج الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا

يستنج من قراءة المعطيات المتعلقة بنتائج الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا لهذ السنة انّها لم تكن مغايرة مقارنة بسابقاتها حيث كانت نسبة النجاح العامة في حدود 42.2 بالمائة ونسبة النجاح في التعليم العمومي في حدود 47.2 بالمائة وهي نسب في مستوى المعدّلات المعتادة لمدرستنا وعرفنا في الحقيقة سنوات كانت أفضل في نتائجها.

نسبة ضعيفة جدّا وخطيرة عندما تنطلق مرجعيتها من مجمل التلاميذ من نفس الفئة العمرية وهي المرجعية التي من المفروض اعتمادها عندما نريد قراءة مسؤولة للأرقام. ونذكّر بنتائج المسح العنقودي الأخير الذي قام به المعهد الوطني للإحصاء خلال السنة المنقضية وعُرضت نتائجه في بداية السنة الحالية وخلُص إلى ان نسبة التلاميذ من نفس الفئة العمرية ممن يجتازون امتحان الباكالوريا هي في حدود 36 بالمائة. ونستنج من ذلك أنّ النسبة العامة للنجاح في الدورة الرئيسية لهذه السنة ستكون في حدود 15.2 بالمائة و17 بالمائة في التعليم العمومي.

وتجدر الإشارة في السياق على التفاعل السلبي بين نسب النجاح بمختلف جهات البلاد مع وضعيتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وهي علاقة هي بدورها ليست بالجديدة علينا. فالولايات المتواجدة على الشريط الساحلي الشرقي باستثناء ولاية قابس سجلت ارفع النسب تجاوزت 50 بالمائة. وتتصدّر ولاية صفاقس وكعادتها الترتيب بنسب نجاح في حدود 63 بالمائة تليها ولايات المهدية والمنستير وسوسة بنسب نجاح تجاوزت 55 بالمائة. وسجلت بقية الولايات نسب اقل من 50 بالمائة وخاصة منها الولايات الداخلية والمتاخمة للحدود التونسية الجزائرية والتي كانت نسبة النجاح بها اقل من 40 بالمائة على غرار سليانة والكاف وتوزر وقبلي والقيروان وسيدي بوزيد وجندوبة والقصرين وقفصة التي أتت في مؤخرة الترتيب بنسبة نجاح بـ 28.8 بالمائة.

ويجب علينا الإقرار من قراءة مسؤولة لهذه المؤشرات بان مدرستنا العمومية تعاني من عديد النقائص الهيكلية وهي اليوم مدرسة اقصائية وتقدم عروض تربوية مختلفة حسب قدرات العائلة والجهة ولم تعد مجانية ومصعد اجتماعي وفقدت بالتالي شروط الجودة والعدالة الاجتماعية وهي تتغذى في واقع الامر من ثمار تضحيات العائلات التونسية الميسورة واستثماراتها في الدروس الخصوصية.

هجرة شعبة الرياضيات تطرح عديد التساؤلات حيث تؤكد كل الدراسات ذات الصلة على أهمية الرياضيات وتندرج نسبة انتشارها ضمن اهمّ المؤشرات التي تحرص الانظمة المتقدمة عل متابعاتها لتوقُّع كيفية تطوُّر الشاب في حياته ولكيفية تعامله بالمجتمع لما تساهم به هذه المادة في تطوير الطاقات الفكرية للتلميذ والرفع في قدراته على الحساب الذهني. فعادة ما تكون أبواب الوظائف المؤهلة لمسؤوليات ورواتب عالية وامتيازات عينيّة كبيرة مغلقة في وجه المرشّح عندما يكون مستواه ضعيف في مادة الرياضيات.

ومن المؤسف ان يواصل أصحاب القرار صمتهم على هجرة هذه الشعبة والتي تسجل اقل نسب المسجلين بها حوالي 6.5 بالمائة هذه السنة في حين انها تبقى من الشعب الاعلى في نسب النجاح في امتحان الباكالوريا بأكثر من 78 بالمائة هذه السنة. أسباب هذه الوضعية معروفة وتتمثل في ضعف التمكن من اللغة الفرنسية وتعريب تدريس المواد العلمية خلال المرحلة الإعدادية. ونتساءل عن عدم زوال العجب ونحن نعرف السبب.

ومن جهة اخرى تمّ التركيز على مقارنة عدد الناجحات 35095 فتاة بعدد الناجحين 21360 شاب والاستخلاص إلى ان نسبة نجاح الاناث هذه السنة كانت في حدود 62.16 بالمائة مقابل 37.84 بالمائة للذكور. وهي قراءة خاطئة ان لا أقول مُغلّْطة. فالمقارنة السليمة تعتمد نسبة النجاح داخل فئة الفتيات وهي في حدود 40.5 بالمائة اعتبارا لعدد المترشحات وهو أكثر من 88.700 مترشحة وفي حدود 39.9 للذكور إذا ما علمنا ان عدد المترشحين كان في حدود 53400 مترشح.

ومن الضروري التعمق في معاني هذه الظاهرة واسبابها الفعلية حيث يستنتج من قراءة الاحصائيات أنّ نسب الانقطاع المبكر حسب مراحل التعليم اخذت منحى سلبي منذ انطلاق العمل بإصلاح 1991 بسبب اعتماد سياسة الارتقاء الآلي حيث تدحرجت الى مستويات منخفضة خلال مرحلة التعليم الابتدائي وحافظت على نسبها المرتفعة وغير المقبولة خلال مرحلتي التعليم الاعدادي والثانوي كما يظهره الرسم عدد1 وكانت اكثر حدة ضمن فئة الذكور.

ويمكن التأكد من ابعاد هذا الاستنتاج من خلال القيام بمقارنة نسب هذا الانقطاع بين الجنسين وحسب مراحل التعليم حيث يتبين انها متقارب جدا في مرحلتي التعليم الابتدائي والاعدادي لتتجسم فيما بعد بفوارق كبيرة وخطيرة في مرحلة التعليم الثانوي لتجاوز الضعف خلال العديد من السنوات. وهي ظاهرة انطلقت كما يؤكده الرسم عدد 2 المصاحب مع اصلاح 1991 وازدادت استفحالا بعد اصلاح 2002.

ونجد صدى هذه الظاهرة في تطور عدد التلاميذ حسب الجنس ومرحلة التعليم والتي كانت دائما متقاربة في مرحلتي التعليم الابتدائي والاعدادي ولفائدة الفتيات 60 بالمائة مقابل 40 بالمائة للفتيان (الرسم عدد 3). اختلال تفاقم عبر السنوات ومنذ أكثر من 30 سنة ونقف على حقيقته خلال السنة الدراسية الحالية حيث تمثل نسبة المترشحات ممن اجتزن امتحان الباكالوريا 62 بالمائة مقابل 38 بالمائة للمترشحين.

وكخلاصة لما سبق من الضروري الانطلاق الجدّي في اصلاح فعلي بأهداف واضحة وامكانيات مدروسة وأطراف واختصاصات مسؤولة ومرحلية انجاز طموحة تتمثل غايته في إعادة بناء المدرسة العمومية لتستجيب إلى شروط الجودة على أن تكون بالفعل مجانية وعادلة ومصعدا اجتماعيا لكل اطفالنا اين وجدوا ومتى وجدوا وهو الشرط الأساسي لإنقاذ منظومتنا التربوية. وتبقى المرحلة الابتدائية العمود الفقري لاستقامة المنظومة وام المعارك التي يجب ان تحظى بالأولوية القصوى. ولنقف من ترويج استثناءات من النجاحات على كونها إنجازات المدرسة العمومية واعتماد خطاب مطمئن للراي العام.

ملاحظة: تم الارتكاز في إعداد هذا المقال على المعطيات الواردة بالإحصاء المدرسي لوزارة التربية 2022-2023 وعلى المعطيات المصرح بها على مختلف وسائل الاعلام.

Leave a Comment

Recent Posts

باجة: حجز 90 قنطارا من الفارينة وكميات متفاوتة من المواد المدعمة الأخرى

حجزت فرق المراقبة الاقتصادية بباجة، إثر 1238 عملية للمراقبة خلال شهر جوان المنقضي، 90 قنطارا…

2024/07/03

إنتاج الفسفاط يسجل ارتفاعا بنسبة 8.4% خلال الثلاثي الأول من سنة 2024

أكدت معطيات أوردتها شركة فسفاط قفصة ان إنتاج المؤسسة من الفسفاط شهد ارتفاعا بنسبة 8.4%…

2024/07/03

يهم الترجي… تطورات بخصوص إقامة بطولة السوبر ليغ

ذكرت مصادر صحفية أن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، سينظم النسخة الثانية من بطولة الدوري الإفريقي…

2024/07/03

سليانة: اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بالروحية

اكتشفت المصالح الفلاحية بولاية سليانة، اليوم الأربعاء 3 جويلية 2024، أول بؤرة للحشرة القرمزية بمنطقة…

2024/07/03

سعر الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية بتاريخ 02/07/2024

يعتبر سعر صرف الدينار التونسي مؤشرًا رئيسيًا للشركات والمسافرين والمستثمرين العاملين في تونس أو الذين…

2024/07/03

الكاف: استرجاع عقار دولي يمسح 903 هكتارات بمنطقة الاربص

استرجعت مصالح الإدارة الجهوية لأملاك الدولة بالكاف، اليوم الاربعاء 3 جويلية 2024، عقارا دوليا يمسح…

2024/07/03