ثقافة

بقلم عبد العزيز الڨاطري: رسالة إلى الهادي بازينة و صلاح البرقـاوي أو قـراءتي لرواية يخاف الأفراس

يــا هــادي يــا هــادي، لقد فضحك صلاح البرقــاوي، عرّاك أمــام الجميــع، لم يترك ركنـــا من أنــاك ومن أناك الفوقية ومن أنــاك التحتية إلاّ وَوَلَجَهً وأخرج مــا فيه من أدران، فضح ممــارساتك صبيّــا وشـــابََّا وكهلاََ مع الأطفــال والبهـــائم والمـــومسات، نزع عنك قنــاع البطــولة المــزيّفة التــي استطعت كسبهــا بقوّة قبضتك ولكمــاتك، لكنّهــا خانتك عندمــا كنت في أمسّ الحــاجة لهــا لمبـــاشرة عروسك، حتّــى حكـــايتك مع بنت عمّك ســـالمة أخبرنــا بها بالتدقيـــق…

كل ذلك أثــار حفيــظتي إزاءك، وجعلنــي أزدريــك، بل وَجعلنــي أكرهك أحيــانا، غيـر أنّــه  بقي لــي دائمــا قليل من الأمــل فـي أن أراك ترتفع يومــا عن رذائلك إلــى حين أعلمنــي صلاح بحكــاية تلصّصك في الليل تحت العبــانة لتصيّــد لحظة مجـــامعة أبيــك لأمّك، فتأكّدت لي السقــوطية متــاعك، سقــوطيّـة ولا أرذل منهــا.

وباستمــرار الــوقت تعرّفت إليــك شيئــا فشيــئا، صرت أقــابل زلاّتك بشيء مــن الشفقة، بل أحيــانا تتقشّــع عني غمــامة الإزدراء تــاركة المجــال لقليــل من التفهّـــم. ولكــن لمّـا رأيتك تنكســر وتهــوي، تتـــألّم وتبكــي، تحبّ وتعــاني، تتعـــرّض للظلم والمــرض، تغــرق في لجّــة الشّك والعجــز، لمّــأ شاهدت كلّ ذلك أحببتك. أحببتك من أجل اللكمــات التي وجّهتهــا لذلك الشقيّ لمّــا كان يعتدي على طــالتيــن مستغلا الظلام وخلاء الشّــارع، ومن أجل نقــاشاتك مع حبيــب وعفيــف، أحببتك من أجل وقفتك في وجه ذلك البوليس القمــيء وتضــامنــت معك لمّــا أضمــر التنكيـــل بك.

وفي الأخيـــر التقيــتك، والتحمت بك، وتمــاهيت معك، فصــرتً أنت، وصرتَ أنــا، وأصبح عــالمك عــالمي، وحضرت معك أعــراس القرية ومــآتمهــا،  وجــالستك وصــاحبيك على طــاولات تلك الخمّــارات، وطوّحـت معك فـي شوارع وحــارات المديــنة وأنت ثملًً أو تــائه، وذهبت معك للمــاخور، واستمعنــا معــا لأغــاني أم كلثوم،  لحدّ غفرت لك فيه سقطــاتك، بل أنّي لم أعد أعلــم من منّــا الذي ارتكب كل تلك المــوبقات، أأنت أم أنا. وتذكّـرت بيت ذلك الشّّــاعر البربري القرطــاجي العظيــم تيــرانس والقــائل  »أنـــا إنســان، ولا شيء ممّــا هو إنســان بالغريــب عنّي « 

الآن أوصيــك خيــرا بي، وأوصــي نفسي بك خيــرا، لأنّنــا أبنــاء هذه الأرض الأم، وإن خذلنــا بعضنــا البعض نكون قد خذلنــاها وليس لهــا غيــرنا.

كمــا أوصيك أن تبلغ صلاحــا انبهــاري باكتشــاف الكــاتب فيه، بعد انبهــاري  بالإنســان، وأسفـي أنّــه بدأ الكتــابة بعد وقت كثيــر أزهقه في أروقة المحــاكم قــاضيا ومحــاميا، وتحت قبّة المجلــس نــائبا عن حزب ولد مشوهََــا ومــات رديــئا، وأنّ التّــاريخ لن يذكــر له حكمــا واحدا أتقن التأسيــس له قــاضيا، ولا مـرافعة واحدة جــادت بهــا قريــحته محــامياـ ولا إنجــازا قــام به نــائبا، لكنّه سيذكــر حتمــا ما أصبح يحبّــره من كتب وقصص تأخذ القــارئ من نــاصيته ومن عنقه ومن قلبه ومن أمعــائه ومن أشيــاء أخــرى، وتضلّ تخضّه خضّــا، وربّمـــا تًربّـِتً عليه، وقد تمسح قلبه شيئا، ولا تتـركه إلاّ وقد انتشــى وأًنهِكَ نشــوةََ.

يــا هــادي، قل له كمــا قــالت أخت Forrest Gump  له في الفيلم الذي يحمل نفس الإسم، وهو المصــاب بعجز جزئي عن الحركة ولا يكاد يمشي إلاّ بفضـل العكّــازات المربـوطة لركبتيه لإسنــاده، وقد هــاجمته عصــابة من الأطفــال الأشرار، وهو عــاجز عن مــواجهتهم وحتّـى عن الهرب، فصــاحت به  »أركض يا فورّاست، أركض«   فإذا هو يحــاول شيئــا فشيئــا أن يجري، فيترنّح ويتعثّــر لكنّّه يتجلّـد ويثــابر، إلــى أن انكســرت العكّــازات من حول ركبتيــه وانطلق يجــري بـسرعة أذهلت الأوغــاد الذيــن كــانوا يلاحقــونه لإيـــذائه، ومن يــومهــا وهو يجــري مع ريــاح الحرّية، قل له إذن » أكتب يــا صلاح، أكتب «أكتب من أجلك، من أجل زوجتك وأبنــائك، من أجل تــونسِِ تقرأ، ومن أجلنــا نحن، من أجل أن تصــالحنــا مع الهــادي بازينة النّــائم فيـنا والذي أيقضته أنت بصخب حـروفك.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى