ثقافة

خاطرة بعنوان الحقيقة المرّة: بقلم عمارة الودرني

في لفتة نقد ذاتي، لاحظت إنّي أنتمي لجيل بين الخمسينات والسبعينات، هو جيل زُوّرت له كل الحقائق وطُمست أمامه كل القيم .. جيل نما في جهل للتاريخ والجغرافيا ، وتصحّر ديني ومعادات للهوية،، جيل تربى على سبّ الدين وأهله ،، ومتغنيا بالإلحاد والفلسفة والماركسية والقومية وكل ما من شأنه أن يُبعده عن كيانه الأصلي وماهية ثقافته العريقة المتجذرة في الحضارة الاسلامية التي عرف العالم بها الازدهار والعلم والتكنولوجيا الحديثة ..

كنّا تلاميذه وكان جلُّنا يستهتر بدرس التربية الدينية الأسبوعي ( ساعة واحدة ) ويسخر من أستاذ التربية الدينية الجاهل والمتخلف ( وهو غالبا زيتوني ) ولا نقوم حتى بأدنى واجباتنا من حفظ بعض الأسطر من القرءان الكريم، ولا حتى ذلك الأستاذ المسكين يُؤاخذنا أو يُعاقبنا .. وكيف يفعل ذلك وهو يرضخ الى ضغوطات لا يعلمها الا الله .. فخرّيجوا الزيتونة كانت تُمارس عليهم رقابة وتهديدات وإرهاب في فكرهم وأولادهم وسلامتهم .. فكانوا دوما بتلك النظرة الطيبة تجاه تلاميذ أقل ما يقال فيهم انهم متهوّرون حتى أنهم يجادلون أساتذتهم في وجود الله من عدمه لتذهب ساعة التربية الدينية اليتيمة في خبر كان !!

وطبعا دون أن يبوح الأستاذ بما يتعرض اليه ..

اذكر منهم الاستاذ محمد الكاسح رحمه الله، والأستاذ محمد الرجباني رحمه الله، والأستاذ الكرعود رحمه الله كلهم زياتنة، ودرسوا في صرح فيه تخرج المؤرخ ابن خلدون وابن عرفةوالتيجاني وأبو الحسن الشاذلي وإبراهيم الرياحي وسالم بوحاجب ومحمد النخلي ومحمد الطاهر بن عاشور صاحب التحرير والتنوير، ومحمد الخضر حسين شيخ جامع الأزهر ومحمد العزيز جعيط والمصلح الزعيم عبد العزيز الثعالبي وشاعر تونس أبو القاسم الشابي صاحب (ديوان أغاني الحياة) ومن حلقاته العلمية برز المصلح الجزائري عبد الحميد بن باديس والرئيس الجزائري السابق هواري بومدين وغيرهم كثير من النخب التونسية والمغاربية والعربية، كل ذلك اعتدى عليه لَقيط الاستخراب باسم الحداثة !!

لا بد من رد اعتبار لكل هؤلاء لما عانوه من تسلط وظلم فاحش من قبل ديكتاتور مستبد يدّعي الحداثة وأغلق منارة الزيتونة العلمية وشرَّد أهلها،، ويدّعي تحرير المرأة بِحُجَّة أن الاسلام هو سبب تخلفنا، متناسيا ان المرأة التونسية المسلمة هي عنصر فعال في مجتمعنا قبل مجيئه بقرون، منذ عميدة أول جامعة فوق وجه البسيطة فاطمة الفهرية وغيرها كثيرات ..

حربنا القادمة يجب أن تكون على الجهل أولا، ثم على إعادة كتابة التاريخ على وجهه الصحيح، ثم بعد ذلك نستطيع أن نقفز الى صف الامم المتقدمة والتي يكون جوهر وجودها الإنسان الذي من دون تكريمه ورفع قدره الى أعلى المستويات واعتباره محرك المجتمع الحرّ لا يستقيم الحال لأمّة.

 

 

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى