سياسة

التصرّف في الاحتياطي الاستراتيجي للدولة له قواعده في أوقات الشدّة فهل أصابت الحكومة في ذلك مع بداية أزمة الكورونا ؟ ‎

بقلم العميد المتقاعد من الجيش الوطني والأكاديمي المهتم بالتدوين كشاهد على العصر عمار الودرني 

قبل الكورونا فايروس وحتى في الأيام القليله الأولى لحلول الوباء ببلادنا كانت المواد الغذائية ومستلزمات العيش متوفرة وزيادة في كل المحلات كبيرها وصغيرها لكن سرعان ما تغيرت الأمور بسلوكين كارثيين واحد مناسباتي والآخر متأصل في البلاد وزاد عن حده، حيث انتقل المواطن من الاتزان في الشراءات إلى الجشع غير المبرر  والحال ان الشعوب المتحضرة في زمن الشدة تتكاتف وتتضامن وتنحوا للتضحيةالتي تصل إلى حد التقليل من وجبات الغذاء كما وكيفا وعددا حتى تصمد لأكثر وقت ممكن في إطار سلوك تضامن جماعي واعي ومتحضر لا يحرم فيه أحد ولا يربك حسن سير عمل الدولة في توفير الحاجة الضرورية للجميع..
والملفت للإنتباه والمحير في آن واحد أن بعض استطلاعات الرأي بينت أن مشتريات ومصاريف الأكل زادت حاليا في أغلب العائلات في المدن في فترة الحجر الصحي العام عوض أن تتقلص وهذا له دلالات سلبيه في السلوك المجتمعي.
أما السلوك الثاني وهو المتأصل افي البعض وزاد عن حده فهو التصرف اللاقانوني واللا إنساني واللا أخلاقي الذي ينتهجه المستثمرون في مآسي الغير وفي الكوارث لتحقيق أرباح مالية والذي يعد سلوكا إجراميا من طرف مجرمي الاحتكار..
هذين السلوكين غير مبررين وأحدثا خللا في عدة مواضع بأن تسببا في اختفاء جل الكميات المعروضة وفي اختلال التوزيع والتلاعب بالأسعار مع طرح تحديات أمام الدولة في كيفية التصدي ومواجهة هؤلاء  لتهدئة الشعور العام.
ومن هذا المنطلق تطرح عدة أسئله من قبيل كيف واجهت الحكومة هذه الوضعية والذي نجد كإجابة عليه أنها  سارعت حسب تصريح وزير التجارة إلى دفع كميات كبيره من مخازن الدولة لتعديل السوق لطمأنة  المواطنين.
لكن هذه الكميات أخذت من حساب الاحتياطي الاستراتيجي للدولة فهل وصل الوضع حد الاضطرار إلى اللجوء مباشرة إلى الاحتياطي الاستراتيجي للدولة؟ أهو سوء تقدير؟ ألا توجد حلول أخرى أكثر نفعا وصوابا؟
وهنا لنا ان تتساءل ايضا في نفس السياق هل هذا الإجراء صائب ام غير مدروس وستكون له تأثيرات مستقبلية سلبية؟
والإجابة في نظري أن الحكمة والتصرف السليم  يكون في حسن تقدير الموقف لأخذ القرار الصائب لأن بعض القرارات غير المدروسة تكون تداعياتها المستقبلية  أخطر من حلولها الوقتية الفورية لأن الحاضر والمستقبل مترابطان فقبل الأزمة كانت كل المواد متوفرة وبكثرة وهذا يعني أن وتيرة الإنتاج سالكة وآمنة ثم بعد دخول الوباء و إغلاق المطاعم وعدة نزل كان يفترض ان يتم تسجيل فائض في الإنتاج لكن ذلك لم يحصل بسبب السلوكين اللذين سبق وتحدثنا عنهما أعلاه حيث تسبب جشع المواطن وإجرام المحتكرين في فراغ السوق من المعروضات رغم عدم وجود خلل أو تقصير في وتيرة الإنتاج العادي.
وبناء عليه نستنتج إن قرار معاجة الخلل المصطنع في السوق على حساب الاحتياطي الاستراتيجي للدولة قرار ارتجالي لابد من تداركه ففي إدارة الأزمات وتحدياتها ومخاطرها تبنى القرارات على أسوء الفرضيات وما هو غيرمتوقع فماهو الحل الافضل والسليم؟

الحلول متوفرة وفي المتناول على شرط الحزم إذ يتوجب المحافظة على النسق المعتاد للإنتاج والكف عن اللجوء  إلى الاحتياطي الاستراتيجي للدولة لأننا وكل العالم مازلنا في بداية الأزمة التي قد تطول نسبيا لذا  يجب العمل على تقوية مخزون الاحتياطي الاستراتيجي لا استنزافه من الآن.
كنا يجب في هذه الفترة احكام المراقبة والسيطرة  على مسالك التوزيع حتى تصل المواد الأساسية لمستحقيها وهذا في المتناول، مع مزيد تكثيف توعية المواطن ليكون أكثر إيجابية وتعاونا وتضامنا، إلى جانب ضرورة اجتثاث المحتكرين بكل صرامة بمصادرة كل ممتلكاتهم مع تسليط أعلى عقوبة جينية عليهم والتشهير بهم بالاسم لتستوي الأمور..

وفي النهاية لنا ان نخلص إلى أنه في كل المجالات وفي كل الظروف فإن المس من الاحتياطات الاستراتيجية للدولة  بدون موجب ضروري يخل بكل التوازنات وتداعياته المستقبلية وخيمة.
ونخلص أيضا الى القول بان الحكومة الرشيدة في كل الظروف سبيل النجاح فليس الخطر في الأزمة في حد ذاتها بل كل الخطر يكمن في كيفية إدارتها لذلك لا يجب التهاون ولا التسامح في ما يضر البلاد والعباد بالنسبة لدولة محترمه عادلة وقوية ..لايفل ألحديد إلا ألحديد..

أخيرا  تحية تقدير لكل مواطن تاع ومتحضر ومتضامن  وخسئ كل فاسد آثم..
كل التقدير لجنود الصف الأول في مقاومة هذا الابتلاء وحمى ألله بلادنا وبلاد سائر المسلمين وكل الإنسانية من شر هذا الوباء.
ولا عاش في تونس من خانها.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى