سياسة

بقلم أحمد نجيب الشّابي: من أساء إلى مصالح تونس الدبلوماسية ليس السيد منصف المرزوقي وانما هو من أقدم على دوس الدستور وتعطيل مؤسسات الدولة..

صدر عن المحكمة الابتدائية بتونس حكم قضى بسجن السيد المنصف المرزوقي لمدة أربع سنوات بتهمة النيل من امن الدولة الخارجي.

لم تستغرق هذه القضية سوى أسابيع قليلة، من صدور الاذن بالتتبع من قبل رئيس الدولة الى تعهد القضاء بالتحقيق الى صدور بطاقة جلب دولية الى ختم التحقيق فالتصريح بالإدانة غيابيا مع التنفيذ العاجل!!!

لا يمكن القول ان القضاء كان متلكئا هذه المرة! بل يمكن الجزم انه جانب واجب التمحيص والتدقيق فجاء قضاء مستعجلا متسرعا.

المنطلق كان تصريحا اعلاميا على قناة اجنبية رحب من خلاله السيد المرزوق بتأجيل مؤتمر القمة الفرنكوفونية.

هل كلف القضاء نفسه عناء البحث عن الجهة الأجنبية التي يكون السيد المرزوقي قد تخابر معها، ام انها ضلت مبهمة يكتنفها الضن والتخمين؟

وهل ثبتت العلاقة السببية المباشرة بين هذا التخابر المزعوم وقرار التأجيل، وهي ركن من اركان الادانة؟

ولما كان القضاء الجزائي محمولا على البحث في ادلة الإدانة والبراءة على حد سواء، فهل نظر القضاء فيي تصريحات نائب رئيس منظمة الفرنكوفونية الذي أعلن في أكثر من مناسبة قبل تصريح المرزوقي وبعده ان بلده “كندا” تعترض على عقد هذه القمة في تونس بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها والتي باتت تثير المخاوف حول مستقبل الديمقراطية فيها؟

وهل نظر القضاء في البلاغات التي سبقت أو تلت تصريح السيد المرزوقي والصادرة عن الدول الصناعية السبعة او عن مفوضية الاتحاد الأوربي أوعن البرلمان الأوربي أوعن وزارة الخارجية للعديد من البلدان الشريكة والتي عبرت جميعها عن قلقها إزاء التطورات الجارية في تونس وذكرت بان مستقبل علاقاتها بالنظام التونسي متوقف على العودة بالبلاد، من خلال حوار وطني جامع، الى ديمقراطية تمثيلية تكفل الفصل بين السلطات وتضمن الحقوق والحريات.

هل اعتبرت المحكمة هذه الظروف والملابسات التي حفت بقرار التأجيل، ام ان تصريح السيد المرزوقي أغناها عن كل جهد لإثبات التهمة او نفيها؟

ومتى كان الاعتراف (هذا ان كان هناك اعتراف) يقوم حجة في المادة الجزائية ما لم تعززه عناصر خارجية؟ نعم، الإقرار سيد الحجة في المادة المدنية لكنه لا يقوم لوحده دليلا للنطق بالإدانة في المادة الجزائية.

ان كل هذه الأسئلة الانكارية تحيلنا الى حقيقة هذه القضية. انها قضية سياسية بامتياز، من حيث الجهة التي اذنت بالتتبع ومن حيث طبيعة التهمة ومن حيث المراد من ورائها.

إن من أساء الى مصالح تونس الدبلوماسية ليس السيد منصف المرزوق وانما هو من أقدم على دوس الدستور وتعطيل مؤسسات الدولة للاستئثار بالحكم المطلق فعرض البلاد الى العزلة الخارجية والى الحصار المالي وخطر العقوبات الاقتصادية.

والمستهدف من هذا الحكم ليس شخص السيد منصف المرزوقي وإنما كل صوت حر يرتفع للتشهير بمجريات الأمور في بلادنا، اما هدفه فبعث الرعب في قلوب المواطنين حتى يستسلموا للحاكم بأمره ويدينوا له الرقاب.

ولن يكون لهذا الحكم من أثر او تأثير سوى إقامة الدليل القاطع في الداخل والخارج على ان حرية الرأي والتعبير باتت مجرمة في بلادنا.

والتونسيون الذين عبدوا للحرية بتضحياتهم على مر العقود، وقدموا في سبيلها أجسادهم وارواحهم لن يعودوا فعلا الى الوراء بل سوف يثبتون مرة أخرى ان التاريخ لا يعيد نفسه وإن عاد ففي شكل مهزلة.

كلنا مستهدف من هذا الحكم ولقد آن الأوان كي ننفض عن أنفسنا غبار الاستكانة والتطبيع مع الردة وان نرفع رأسنا عاليا ونمد أيدينا الى بعضنا البعض لإنقاذ تونس من اخطر ازمة مالية واقتصادية ومن عزلة دولية غير مسبوقة والعودة بها الى طريق الازدهار والحرية.

وللسيد المرزوقي أقول له مرة أخرى ان بعد العسر ليسرا وان دوام الحال من المحال.

 

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى