سياسة

بقلم عبد العزيز القاطري : رســالة إلـى فخــامة الرئيــس دجو بــادن

فخـــامة الرئيـــس،

بعد إهدائـكم عبـارات التحية والاحتــرام، أودّ فــي البداية أن أستسمحكـم لمخــاطبة الشعب الأمـريكي العظيـــم في شخصكم لتبليــغه أصدق مشــاعر الودّ والتقديـــر، خــاصّة وأنــا أعلم أنّه يبــادل الشعب التّــونسي نفس المشــاعر، وقد كــانت له عدّة منـــاسبات للتّعبيـــر عنها علـى مرّ التّـــاريـخ المشتــرك للبلدين الصّديقيـن والذي لن أعرّج علــى تفــاصيله لأنّهــا مكتــوبة بدقّة في افتتــاحية المــوقع الرّسمــي الإلكترونـي لسفـــارتكم بتـــونس، ولكنّنــي لن أنســى وقــوف دولة الولايات المتّحدة الأمـريكية، بدفع من سعــادة هوكر دولطل القنصل العام بتونس من 1941 إلى 1943، الذي أصبح صديــقا شخصيــا للزعيم بورقيــبة ويحمل أحد شــوارع العــاصمة التّــونسية إسمه، وقــوفها مع قيــادة المقــاومة التّــونسية لدى الأمم المتّحـدة ومجلس الأمــن إبّـــان حــرب الإستقلال، ثم بعدها عندمــا تطلّب الوضع الجديــد بنــاء مقوّمــات الدولة الفتيّـة وبنيتهــا التحتيّــة، أو نجدتهــا بعد فيضــانات 1969 المدمّـرة. ولن أنســى الإستقبــال التّــاريخي الّـذي حفّ به الشعب الأمــريكي، وفــي طليــعته فخــامة الرّئيــس كينيدي، زعيــمنا بورقيــبة في مايو 1961، كــان كلّ ذلك بالــرغم من المنحــى الإقتصــادي اليساري الّذي انتهجتــه تــونس في الستّيــنات بتغييــر اسم الحزب الدّستــوري الحــر إلـى الحــزب الإشتــراكي الدّستــوري واعتمــاد نظـــام الملكيّـة المشتــركة لــوسـائل الإنتـــاج الّتـي سمّيـت التعـــاضد.

تحضــرني هذه الخــواطر وأنــا أفكّــر فـي تفــاعل إدارتكـم مع القــرارات التّصحيــحية الّتــي اتخذهــا فخــامة الرّئيــس قيس سعيّـد مســاء الأحـد 25 جويلية فــي ذكـرى عيــد الجمهــورية وذكــرى اغتيــال المنــاضل السيــاسي محمد البــراهمي، استجــابة لتطلّعــات الشّعـب التّــونسي الّتـي عبّـر عنهـا خـلال عديــد التّحــرّكـات الإجتمــاعية التـي خـاضها منذ عدّة أشهــر وتُوِّجـت بمظــاهرات 25 جويـلية الدّاعيـة للإطــاحة بمنظــومة الفســاد والإرهــاب الّتـي استولت علـى الدّولـة التّـونسية بعد الثّـورة، تحـرّكـات كنـت شخصيّــا دعوت إليهــا وشاركت فيـهـا.

وقد تـواترت تفـاعلات سلطــات بلدكـم مع الوضع الجديــد في تـونس، بدءا ببيــان الخــارجية الأمـريكية حول مكــالمة سعــادة الــوزيــر بلينكن مع فخــامة الرئيــس سعيد مســاء اليــوم الموالـي، الإثنيــن 26، والتــي حثه فيــها على الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحفاظ على حوار مفتوح مع جميع الفاعلين السياسيين، مــرورا باتصــال مستشارك للأمن القومي جيك سوليفان يـوم السبت 31 جويـلية الذي حث فيه الرئيس التونسي قيس سعيد على وضع خطة للعودة السريعة للمسار الديمقراطي، إضــافة إلـى زيــارة مساعد مستشارك للأمن القومي إلـى سعيد محمّلا برسالة خطية موجّهة له من قبلك تحثُّه فيها على عودة سريعة إلى مسار تونس كديمقراطيّة برلمانيّة، وانتهــاء بزيــارة وفد من الكونجرس بقيادة السيناتور كريس مورفي والسيناتور جون أوسوف تمّ خلالهـا حث الرئيــس على العودة إلى المسار الديمقراطي.

وإنّــي إذ أعبّــر لكم كمــواطن تــونسي حرّ وشريــف وحريــص علـى علاقــات الإحتــرام المتبــادل والمصــالح المشتــركة بين البلـديـن عن امتعــاضي من تكليــف موظّفَيْــنِ من الدّرجة الثــانية في إدارتكم، وهمــا مستشــارك للأمن القـومي ومســاعده، موظّفــان مع احتـرامنـا لهمـا لا وجــود لهمــا في السلّــم البـروتوكـولي الأمـريـكي، تكليــفهمـا بالإتّصــال برئيــس بلد مستقلّ ذي سيــادة وإملاء شــروطكم عليـه كـمــا لو كــان أحد منظــوريــهم، وبقطـع النّــظر عن رأيـي في وجــاهة تلك الإملاءات، فإنّــي أستنـكر بكلّ شدّة هذا التّدخــل غيـر المشـروع لإدارتكـم في شؤون تــونس كبلد مستقل ذي سيــادة.

هذا بخصــص الشّكل، أمّــا بخصــوص فحــوى المكــالمـات والرّســائل والزّيــارات التي دعت كلّهــا لـ»العـودة إلـى المســار الدّيـمقراطي«، فإنّــي أتســاءل، مع غــالبية أبنــاء شعبــي، عن المعنــى المقصــود من العبــارة المتكـرّرة علــى لسـان جمــيع المتدخّليــن وهي : » العودة إلى المسار الديمقراطي« والدّعــوة للحــوار مع »جميــع الأطـراف السيــاسية«؟ فهل تعنــي التّخلــي عن القــرارات المتخذة ذات مساء 25 جولية وعودة منظــومة الفســاد والإرهــاب التـي كانت تتصدّر المشهد السّيــاسي، وإلغــاء إرادة الشعب التّــونسي الذي وقف كرجل واحد ضدّهــا؟

وهل يعني ذلك عــودة البرلمــان فــاقد الشّــرعية، المنتخب بالمــال الفـاسد المتدفّق من قطــر، وبالقـنوات التّلفزية المــوالية، وبتسخيــر الإدارة، وبإرشــاء النّــاخبين، بشهــادة جميــع مؤسّســات المراقبة فــي تونس من الهيئة العليــا المستقلة للإنتخــابـات، إلـى الهيئة العليــا المستقلّة للإتصــال السّمعــي البصـري، مـرورا بمحمكمـة المحــاسبـات، عودته لحلقــات التّهريــج وتبــادل العنف والإعتداءات المتكرّرة علــى النــواب والتـي طــالت خــاصّة النّســاء؟ هل كــان ذلك المشهــد مســارا ديمقــراطيّـا حتّــى نعــود إليه؟

وإذا كــانت الولايــات المتّـحدة وأعضــاء الكــوغرس حريــصون علـى المســار الدّيــمقراطي فـي تــونس كلّ هـذا الحـرص بالتّدخـل في الشـأن الداخلـي التّــونسي أربـع مرّات علــى الأقـل في غضــون أربعيـن يـوما، بمعدّل تدخّــل كل عشــرة أيّــام، فلمــاذا صمتتــم طيــلة عقد كــامل علـى الإنتهــاكات الصّــارخة للمســار الدّيــمقراطي ولحقــوق الإنســان من طـرف حكــومات النهضة المتعــاقبة وشركــائها؟

لمــاذا لم يخــاطب كــاتب الدّولة رئيــس حكــومة النّهضة حمّــادي الجبــالي لمّــا أرسل كتــائب شرطته إلـى سليــانة لضرب المــواطنيــن بالـرّش كالحجــل مســاندة لـواليــه الفــاسد هنــاك؟

لمــاذا لم يتّصــل مستشــار الأمــن القــومي الأمريــكي بحمّــادي الجبــالي لحثّــه علـى الإلتـزام بالمســار الدّيــمقراطي عند اغتيــال شكـري بلعيــد ومحمّد البـراهمي بتحــريض من القيــادات العليــا في حزب النّهضة ومنهــا وزير الدّاخليّــة علي العــريض، وذلك النّــائب البــارز في الحــركة، الحبيـب اللــوز، الّـذي صرّح أنه سيخــرج أمعــاء بلعيــد؟

لمــاذا لم يــزر مســاعده تــونس ولم يستنكــر الإعتداءات الوحشية على المتظاهرين طيلة السنة والإيـقافـات التـي طــالتهم والإحتفــاظ بهم فـي ظروف لا إنســانية وخــارج إطــار القــانون، دون إعلام أهلهـم ودون حضــور محــامين، وتعذيــبهم، وقد كــان جــزء كبيــر منهم من الشّبــاب والقصّــر؟

وكيـف تكيّـفـون قتل مشجع لفريــق كرة قدم غــرقا من طرف شرطة النهضــة، أو قتل متظــاهر بالرّصــاص، أو نزع سروال شــاب الـ15 سنة وسحــله وتعنيــفه أثنــاء إيقــافه؟

ألمْ تكن كلّ هذه الجــرائم الّتـي ارتكبتهــا الدّولة بقيــادة حزب تــابع لتنظيــم إرهــابي عالمي كــافية لجعلكــم تتحـرّكــون من أجـل حمــاية المسار الديـمقراطي وحقــوق الإنســان؟

أمّــا أعضــاء الكـونغرس الموقّــرون وعلــى رأسهـم السينــاتور مكّيــن المحتــرم الّـذي زار تــونس ثلاث مرّات في غضــون سنـة منذ الثـــورة إلــى فبــراير 2012، وتعــانق طويــلا مع رئيــس حكــومة النّهــضة آنذاك حمّــادي الجبــالي، فلمــاذا لم يـزوروا تــونس عند الإعتــداء عـلى السّفــارة الأمــريكية واكتســـاحها من طــرف آلاف السلفيّيـــن برعــاية من حكــومة الجبــالي ووزيــره للدّاخليّــة علي العريّــض؟ لمــاذا اكتفت إدارة بلـدكم بمعــاقبة الشّعـب التّــونسي البــريء وذلك بمقــايضته بتعــويــض الخســائر النّــاجمة علـى ذلك الإعتداء بقطعة أرض ملك للشّعـب التّــونسي والإعتـداء علــى سيــادته، بدل محــاسبة الذيــن سمحــوا بذلك الإعتــداء رغـم التبليــغ عنه مسبــقا من طــرف المصــالح الأمنية.

ولســائل أن يســأل: لقد أبرم حـزب النّهضـة عقــود لــوبييـنق بملاييــن الديــنارات بتمــويلات أجنبية يمنعهــا القــانون التّــونسي، لمّــا كـانت حكــومـاتهــا المتعــاقبة تقــود فيــه الدّولة إلــى الإفلاس، وقد تــزامنت تلك العقــود مع المــواعيــد الإنتخــابية بمـا يثبت استثمــار أموال طــائلة في الخــارج فـي سبيــل تغييــر وجهة الــرأي العــام بطريــقة تؤثّــر علـى نتــائج الإنتخــابات، ألم يكن ذلك كــافيا لحثّ النهضـة علـى الإلتزام بقــواعد المســار الدّيمقراطي؟ ومــا سـرّ تـزامن آخــر تلك العقــود مع قرارات الرّئيــس التــونسي ومع تغــريدات السيــناتـور مـورفي التـي هدّد فيــها باستعمــال ملف المســاعدات الأمـريــكية كــوسيــلة ضغط علــى الرّئيــس قيس سعيـد، قبل أن يتحــول إلـى تــونس لتبليــغها بالصــوت المبــاشر؟

فخــامة الـرّئيــس، لم يكــن الـرّئيــس قيــس سعيّـد ولا الشعب التّــونسي شركــاء في الإعتداءات الّتــي طــالت البعثــات الدبلــوماسية الأمـريكية فــي القــاهرة وطرابـلس وتــونس مـا بين 11 إلـى 14 سبتمبــر 2012، بل كــان المتـورّطــون فيها محميّــون من طــرف حلفــائكم من أحــزاب وعصــابات تجّـــار الدّيـن في البلدان الثّــلاثة.

كمــا أن رئــاسة الجمهــورية التّــونسية وحكــومتهــا مكثــوا بمنأى عن التّجــاذبات السّيــاسية الأمريـكية الدّاخلية ولم يتدخّــلوا في الشّــأن السيــاسي الأمريــكي الدّاخلي، وخــاصّة بعد رفض ســابقك فـي البيت الأبيـض تسليــمك السلطة بعد الإنتخــابات، واستهتــاره بإرادة الشعب الأمـريكي، وتصرّفــات منــاصريه عندمــا اكتسحــوا بكلّ همجيّــة مقـر الكونغرس الأمـريـكي.

نحــن كوطنيّيــن تــونسيّيــن أحــرار نشــاركك ونشــارك إدارتك القلق علــى مستقبل تــونس، بل ونفــوقكم في حرصــنا على حثّ الـرّئيــس قيس سعيــد على تقديـــم خــارطة طريــق حــول تصـوّره للمشهد السّيــاسي للأشهــر القــادمة، ولكــنّ الفــرق بيننــا أنّنـــا نحــن أبنــاء هذا الــوطن ويحـقّ لنــا مطــالبة رئيــسنا ومحـــاسبته، بينمـــا لا نــرى مشـروعية لك ولإدارتـك فـي ذلك طبـق مــا تسمــح به الأعـــراف والمــواثيق الدّولية والإتّفــاقيات الثّنــائية والصّـداقة التي تربط بيـن البلـديـن.

أملــي، كلّ أملــي، ألّا تعتبــر مثل ســابقك فـي البيت الأبيــض ومثل السينــاتـور مــورفي أن المســاعدات التــي يمنحهــا بلدك إلـى تــونس تعطيــه الحــق لفرض طــرف سيــاسي لفظته جمــاهير الشعب التّــونسي لأنّ الإسم الحقيـقي الذي ينطبــق علــى تلك المســاعدات فـي هذه الحــالة هو المقــايضة.

إنّه لمِـــن المــؤسف حقّــا أن تظـلّ إدارة بلـدك صامتة طيــلة عقد كـــامل على التّجــاوزات الإنتخــابية من طــرف حــزب النّهضــة الإرهــابي وشـركــائه، وانتهــاكات الحقــوق والحرّيــات، ونهب مقدّرات الشعـب وارتهــان مستقبلـه ومستقبــل أبنــائه، وتـوفيــر الغطــاء السيــاسي والإعلامـي للإرهــابيين الذين يفجــرون ويذبحــون، ممــارسات لا علاقــة لهـا بالدّيــمقراطية، وعندمــا ينتفـض الشّعـب التّــونسي ليضـعَ حدّا لهــا ويستجيــب الرّئيــس لآلام شعبه وإرادته، تدعــون للعــودة للمســار الدّيــمقراطي؟

أملــي، كلّ أملــي، ألّا تعتبــر مثل ســابقك فـي البيت الأبيــض ومثل السينــاتـور مــورفي أن المســاعدات التــي يمنحهــا بلدك إلـى تــونس تعطيــه الحــق لفرض طــرف سيــاسي لفظته جمــاهير الشعب التّــونسي لأنّ الإسم الحقيـقي الذي ينطبــق علــى تلك المســاعدات فـي هذه الحــالة هو المقــايضة.

حفـظ الله تـــونس وأمــريــكا.

عــاشت الصّـداقة التّـــونسيّة الأمـريــكيّة

المجد للشّعبيــن التّـــونسي والأمريــكي.

عبدالعزيـــز القــــاطري

مــواطن ونـــاشط سيــاسي تــونسي

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى