سياسة

بقلم عبد العزيز الڨاطري: نـزاهة البُخَــاخ في دولة سعيّـد والغنّـوشي والطبيب والفخفــاخ

بعد أربع سنوات من استيلاء بن عـلي على السلطة، بادر بإنشاء وزارة للبيـئة بداعي الحفاظ على البيئة، وعيّـن المرحـوم صالح الجبالي على رأسها في 11 أكتوبر1991، وقد بذل هذا الأخيـر جهدا كبيرا لتأسيـسها وتنظيـمها وبعث هيـاكلها وضبط طرق عملهـا، وقد كـوفئ بعـزله بعد سبعة أشهـر من تعييـنه، وتعـويضه بمحمّد مهدي مليـكة إبن أخت بن علـي الذي مكث علـى رأسـها سبع سنوات، وكـان أول إنجــازاته جعل خدمــات التّطهيــر بمقـابل وإدمـاجها ضمن فــاتورة استهلاك المــاء. ورغم الخدمـات التي لا يمكن إنكـارها لفـائدة المحيـط، فإنّ التّطـور الهــام الذي شهدته الـوزارة وصلاحيـاتها ومجـال تدخّلهـا في الصّنـاعة والفلاحة والسيـاحة والنقل، بـرّا وبحـرا وجـوّا، أكسبهــا نفوذا متـزايدا ومنـاخا ملائما للفسـاد والإبتزاز.

وقد تدعّـمت الوزارة بإلحـاق مؤسّسـات الوكالة الوطنية لحماية البيئة  والمركز الدولي لتكنولوجيا البيئة بتونس  والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ووكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي والدّيــوان الوطنـي للتّطهيــر  والبنك الوطنـي للجيــنات بها، وهي مؤسّسـات يتجـاوز حجم بعضـها حجم الوزارة الأمّ ذاتها،كما شهدت ميـزانيتها تطـوّرا لم تشهد وزارة أخـرى مثله في السنوات الأخيــرة حيث مرّت من288.878 مليون دينار في 2016، إلـى 1. 160.979  في 2020، أيْ أنّـها تضـاعفت أكثر من أربع مـرّات.

وبالنّظـر لخطـورة هذه الـوزارة من حيث سِعَةِ نفـوذهـا ومن حيث الرّهـانات المـالية التـي تحـوم حولـها، فإنّه كـان من الطبيـعي أن تكـون محطّ أنظـار كـواسر الفسـاد والتّمعّـش قبـل الثّـورة وبعدهـا، سـواء كـانوا من داخـلها أو من المتعـامليـن معهـا، وأن يجعـلوا منـها غنيـمة سهلة ينهشـون أشلاءها من خلال الصّفقـات التـي تسند مقـابل عمـولات خـارج إطـار المنـافسة الشريـفة، بمـا ساهم فـي الإثـراء غيـر المشـروع للشركـات الفـاسدة ولزبـانيتهم داخل الوزارة الذيـن يتمّ تمتيعهم بالمنـاسبة بالتّـرقيات والتّعييـنات، مقـابل إقصـاء المؤسّسـات النّـزيهة وإحـالة الموظفيـن المستقيـمين إلى الثلّاجة.

وَمَن أقربُ من إليـاس الفخفـاخ لإدراك الرّهـانات المـالية في مجـال البيـئة وهو وزيـر المـالية السّـابق، حيث وحـال خروجه من الوزارة تمّ ربط الصّلة مع أحد أكبـر المجـامع المتعددة الإختصاصات في تـونس والمـالك للشركة “الأمان” (اسم وهمي) النّـاشطة في مجـال النفـايات منذ 2001 (سنة بعث الوزارة) والشركة الفرنسية SERPOL التي كلّفتـه صحبة إطـار تونسي سـابق بالبنك الإفـريقي للتّنمية بالقيـام بالإتّصـالات الّلازمة مع السلط المعنية قصد المشـاركة في طلبات العـروض المتعلقة باختصـاصات الشركة، وتم إنجـاز تركيـبة مـالية لتكويـن شركـة ثم شركة ساهمت في شركةشـاركت في طلب العروض مـوضوع فضيحة الحــال.

فـي الأثنـاء،وحـال استلام  المختار الهمامي لمهـامّه وزيرا للشّـئون المحلية والبيئة فـي حكـومة الشّـاهد، صُدِمَ بكيفية معالجة ملفات الفساد في الوزارة وخاصة تغوّل بعض الشركات ومنهـا شركة “الأمـان” في تعاملها مع الوكالات الراجعة للوزارةبالنظر فيما يتعلق بالصفقات العمومية وخاصة منها المتعلقة بالتّـصرف في النفايات وخروج مسيريـها عن سيطرة الوزارة، وباختراق الشركة لدواليب الادارة والوكالة في العمق وبتشغيـلها لجزء من اطارات الوزارة والوكالة لديها مباشرة او بصفة غير مباشرة،فبـادر بإعلام يوسف الشاهد ووزير المالية ومحكمة المحاسبات من خلال تقريـر أوّلـي ببعض الملفات الجدّية والحـارقة تمّ على إثـره إقـالة الرّئيـس المديـر العـام لإحـدى الوكـالات وتكليف فريق رقابة لإجراء تدقيق على الوكالة المذكورة، ولا أحد يعلم اليوم مـآل تلك المهمّة.

في الأثنـاء أيضـا فشلت حكـومة الجملي في الحصـول على تزكية مجلس نواب الشّعب، وبدل أن يقوم رئيس الجمهوريةبتكليف الشخصية التي يراها هو الأقدر من أجل تكوين حكومة بعد إجراء مشاورات مع الأحزاب والإئتلافات والكتل النيابية كما يقتضيه الدّستـور، تولّـى مراسلتهم كتـابيا ليقترحـوا عليه الأسمـاء التي يرونهـا هم الأقدر، مهدرا بذلك فرصة تـاريخية ليكتب اسمه بحروف من ذهب في تـاريخ تـونس بإجبار المجلس سيّء الإنتخـاب على المصـادقة على حكـومة الرّئيـس إذا أراد تجنيب نفسه الحلّ وإعـادة الإنتخـابات، وقـام بتعييـن الفخفـاخ الذي يجرّ وراءه طنجرة تضـارب مصـالح من العيـار الثّقيـل، مرتكبـا بذلك خطأ مهنيـا جسيما، لأنّه محمـول علـى من يتولّـى تكليـف أيّ مسئول التحـرّي في خُلُوّه من كل الشبهـات.

في الأثنـاء أيضـا كـان الغنـوشي والتنظيـم عـلى علم أكيـد بتلك الطنجـرة ولم يعترضـوا علـى التكليـف بسببها، بالعكس، خرج البحيري على قناة حنبعل في خضم المفـاوضـات حول تركيبة الحكومة وتوزيـع المنـاصب داخلها مصرّحـا بعلمه بوجـود وضعية تضـارب المصـالح داخل الحكـومة المقترحة دون ذكـر المعنييـن بها رغم إلحـاح الصحفية عليه ليلتهـا، فـي غمزة واضحة للفخفـاخ بأن ينصـاع لرغبـات النهضة أو يتم فضحه، بل وصل بهم الأمر للتـغاضي على فصل وزارة البيـئة عن الشئـون المحلية حتّـى لا تقع تحت سلطة لطفي زيتون، كل ذلك ليسهـل ابتزازه، مبرهنيـن بذلك مرّة أخرى أنهم جمـاعة لا يسـودون إلّا في منـاخ فسـاد يتقـاسمونه مع شركـائهم في الحكم، وقد جـاراهم الفخفـاخ في ذلك وهو العـالم بالتّأكيـد بمـا يجرّونه من طنـاجر كفيلة بتجهيـز أكبر المطـاعم، وفي اليـوم الموعـود منحـوه أصـواتهم.

وفي الأثناء كذلك، كان شوقي الطبيب، ولا أقـول الهيئة، على علم هو الآخر بوضعية تضـارب المصـالح بموجب تصريح الشـاهد ولم يحرك سـاكنـا إلّا بعد إفشـاء الأمـر من طرف النّـائب يـاسين العيّـاري الذي أخرج لنا الفضيـحة كمـا يُخرِج السّـاحر الأرنب من طربـوشه، رغم أنّنـا نعلم أنه لم ينزل عليه الوحي بها، وتواطأ الطبيب مع الفخفـاخ باعتراف هذا الأخيـر على إصدار مرسوم يتم بموجبه فسخ وضعية تضـارب المصالح وذلك بتقديم تفسيـر على المقاس للفصل 20 من قانون التصريح بالمكاسب والمصالح ملائم لذلك. كيف لا وقد هدّد الفخفـاخ سـابقا بإصدار مرسـوم يشرّع لفسـاد وزيره للصّنـاعة الذي أسند صفقة الكمّـامات لنائب شعب بالهـاتف؟

وفي الأثنـاء أيضـا صوّتت حركة الشعب عضو الإئتلاف الحكـومي بنعم للّلائحة التي تقدم بهـا الحزب الدستـوري الحر لإدانة التدخل التركي في ليبيا ما اعتبرته النهضة خيـانة تستوجب الطّـرد والتعـويض بقلب تونس الذي كـان الغنـوشي صنّفه كحزب فـاسد، ولم يكن من الممكن حمل الفخفـاخ على هذا الطرد عدا بابتزازه بهذا الملف مجددا.

ومـا حدث يوم الأربعاء في المجلس خلال جلسة سمـاعه بمنـاسبة مـرور مائة يوم على تولّـي حكـومته من لغط وشطحـات ليس إلّا مسرحية سيّئة الإخـراج يعلم أغلبية الفـاعلين فيـها فصـولها ولا تنطـلي إلّا علـى الشعب المسكين المغـلوب على أمره، وفـي هذا الإطـار يتنزّل صلف الفخفـاخ وغروره خلال مسـاءلته من طرف النّواب، وقوله لهم تلك العبـارة الوضيـعة التـي يندى لها جبيـن أي منحر ف حق عـام: يبطى شوية. لكن يبدو أن الهبطة ستكـون سريـعة بالنسبة له، أما البقية فهـابطون بطبعهم.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى