سياسة

لمحة عن أبرز الأحداث التّي عاشت على وقعها تونس خلال هذه السنة

صيف هذه السنة وتحديدا شهر جويلية سيبقى خالدا في أذهان التونسيين، فقد سجّل مشاهدا الأكيد أنّ عقودا طويلة ستمرّ حتّى تُعيد البلاد العيش على وقعها، نتحدّث هنا عن وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في يوم رمزي توافق مع تاريخ عيد الجمهورية التونسية في الخامس والعشرين من الشّهر، هذا الرّحيل وما تبعه من مشاهد خاصّة بالجنازة المهيبة التّي انطلقت من قصر قرطاج في اتّجاه مقبرة الجلاّز والتي كان التونسيون فيها طيلة مسلك الموكب واقفين لتوديع رئيسهم حيث غزت هذه الصور مواقع التواصل الإجتماعي في تونس والعالم وتصدّرت العناوين الأكثر تداولا في وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية اتّفت جميعها على عنوان:”رحيل رجل دولة”.

إثر ذلك وطبقا لما ينصّ عليه الدستور التونسي تولّى رئيس مجلس نوّاب الشعب محمد الناصر رئاسة الجمهورية في مدّة اشترط أن لا تتجاوز الـ90 يوما، وكان له ما طلب، حيث انطلقت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات في التّحضير لإنتخابات سابقة لآوانها، انتظمت يوم الخامس عشر من شهر سبتمبر الفارط، سبقتها حملات انتخابية لـ26 مرشحا من أحزاب مختلفة ومستقلّين، جمعتهم مناظرة وطنية تابعها التونسييون بشغف في صور كانت بدورها فريدة من نوعها في العالم العربي على الأقلّ خاصّة وأنّ البلاد التونسية كانت السّباقة في تنظيم مثل هذه المُناظرات.

انتخابات انتهت بمرور كلّ من قيس سعيّد ونبيل القروي المرشّح الذّي غادر السّجن أيام قليلة قبل موعد تنظيم الدّور الثاني من الإنتخابات الرئاسية في الثالث عشر من شهر أكتوبر والذّي نتج عنه اختيار قيس سعيّد لهذا المنصب بأغلبية ساحقة ليتمّ انتخابه من قبل حوالي الثلاث ملايين تونسي وهي سابقة لم يتمّ تسجيلها في تاريخ الإنتخابات لا التونسية ولا العربية، وهو ما حوّله إلى ظاهرة تحدّثت عنها وسائل الإعلام الأجنبية قدر ما تناولت أخباره الوطنية والعربية، وقد انطلق في مُمارسة مهامه بعد تسلّم السلطة من قبل السيّد محمد النّاصر.

انتخابات تشريعية توسّطت هاذين الإستحقاقين سهرت هيئة الإنتخابات على تنظيمها في السادس من شهر أكتوبر وتمّت مواكبتها على غرار الإستحقاقين السابقين من قبل مئات الصحفيين وشارك فيها عدد من الأحزاب تصدّرت حركة النهضة قائمة الفائزين فيهم، وهو ما خلّف انتخاب رئيسها راشد الغنوشي على رأس البرلمان، في سابقة بدورها اعتبرها الكثيرون أبرز مظاهر التناقضات التّي من الممكن أن تشهدها السياسة عبر التاريخ، حيث تحوّل الغنوشي من سنوات المنفى إلى استلام أعلى سلطة تشريعية في البلاد.

هذا المنصب لم يتطلّب الكثير من الوقت حتّى ينطلق في ولادة جملة من الصراعات داخل المجلس خاصّة وهو المتكوّن من فسيفساء حزبية لم يشهدها من قبل ولعلّ أبرزها تلك المُناوشات التّي حصلت في العديد من المرّات بين نواب النّهضة ورئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي التّي قامت بما لم يقم به نائب تونسي سابقا من خلال اعتصامها لمدّة أيام داخل البرلمان نتيجة خلاف مع النائب عن الحركة جميلة الكسيكسي، وهو ما جعل من الأخبار التونسية تتصدّر مرّة أخرى وسائل الإعلام العربية والأجنبية.

هذا الإعتصام تمّ تجاوزه ورفع اعتصام موسي ونوّاب كتلتها حتّى يتمّ في العاشر من الشهر الجاري المُصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2020  بأغلبية 127 صوتا مقابل احتفاظ 4 ورفض 50 نائبا، وهو حدث اعتبره الغنوشي عبارة عن امتحان نجح النوّاب في تجاوزه رغم الخلافات التّي تجمعهم خاصّة دون تدخّل أي طرف أجنبي في هذا الشأن.

كلّ هاته الأحداث جاءت في نفس الوقت الذّي تمّ فيه اختيار شخصية الحبيب الجملي لتشكيل الحكومة، وتمّ تكليفه رسميا من قبل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان وفق ما ينص عليه الدستور، مهمّة لم ينجح في اتمامها في غضون الشّهر الذّي يضمنه له الدستور ليطلب تمديدا بشهر ثان، وهو تمديد دستوري أيضا، التقى فيهما الجملي بجلّ الشخصيات السياسية ورؤوساء الأحزاب وغيرهم وطالت المُشاورات واختلفت العروض، ليطلّ على الشعب التونسي في نهاية مطاف هذه المشاورات ويقرّ بفشله في تقريب وجهات النّظر بين مختلف الأطياف السياسية ويقرّر التوجّه نحو حكومة كفاءات، لا زلنا نترقّب توجّهه نحو باردو لعرضها على أنظار مجلس نوّاب الشّعب في كلّ لحظة، هذا إذا لم يقرّر الجملي ترك حكومته للسّنة المُقبلة.

أمّا عن الجانب الإجتماعي فكان شتاء هذه السنة ساخنا على البلاد التونسية ولعلّ أبرز الأحداث التّي من غير الممكن أن لا نذكرها هي فاجعة عمدون التّي راح ضحيتها 29 شابا من التونسيين إثر حادث مرور تمثّل في انقلاب شاحنة كانت تقلّهم من منطقة “واد الزين” التّي ذهبوا لزيارتها إلاّ أنّ القدر أبى أن لا يعودوا منها إلاّ إلى الطبيعة أيضا.

وبالعودة قليلا إلى الوراء فبداية ربيع هذه السنة كانت بدورها كارثية حيث عاشت تونس على وقع حادث أليم تمثّل في وفاة 15 رضيعا بمستشفى ”شارنيكول” بالعاصمة تونس، منتصف شهر مارس الماضي، ونتج عنها جدل كبير بخُصوص واقع الصّحة في تونس كما أدّت إلى استقالة العديد من المسؤولين على رأسهم وزير الصحة السابق، عبد الرؤوف الشريف، لتكشف التحقيقات فيما بعد أنّ هذه الكارثة حصلت بسبب وجود جرثومة في أكياس المستحضر الغذائي الذي يقدم للرضع، تسربت من خارج القسم خلال عملية التحضير.

هذه الفاجعة قد تكون مؤلمة بقدر ما حدث في منطقة السبالة بسيدي بوزيد حيث فاقت المنطقة ذات صباح على فاجعة تمثّلت في وفاة  12 عاملة  في المجال الفلاحي وإصابة حوالي 20 آخرين وذلك على خلفيّة تصادم شاحنتين إحداهما تنقل كمية من الدجاج والأخرى تنقل العاملين.

ومن بين الأحداث التّي يختلف البعض في اعتبارها هامّة أو لا هي وفاة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في منفاه في السعودية في التاسع عشر من شهر سبتمبر الفارط بعد صراع  مع المرض، وقد تمّ دفنه في المملكة العربية السعودية، بناءً على طلبه وفق ما تمّ تداوله في وسائل الإعلام.

ورغم أنّ هذه السنة ووفق ما رصدناه سابقا كانت مليئة بالأحداث الأليمة إلاّ أنّها تميّزت أيضا ببعض النجاحات التّي حققّتها البلاد التونسية لعلّ أبرزها يتمثّل في تحسّن المؤشرات السياحية حيث تميّز هذا الموسم السياحي بنجاحه على مختلف المستويات، هذا إلى جانب القمّة العربية التّي ترأّست العاصمة التونسية دورتها الـ30 في شهر مارس بإشراف الرئيس الراحل السبسي، حيث تمّ استقبال عدد كبير من الرؤساء وقادة الدول العربية.

 

 

 

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى