سياسة

مصير العالم يصنعه الأقوياء: ليبيا قطب رحى عاصفة التنافس الدولي (1)

بقلم : العميد المتقاعد من الجيش الوطني عمار الودرني

الغرب الاستعماري لا يخفي نوياه والعرب لا يستلمون الرسائل .. وما سأقدمه قراءة لأحداث تاريخية في مسار مترابط المراحل متدرج الأهداف.. أحداث وقعت مخرجاتها في حاضر معاش يرمي لمستقبل مرهون ..

مصير العالم صناعة الأقوياء :

يصنف الوطن العربي منطقة حيويه ومنطقة نفوذ أساسيه للسيطرة عليها لمن يريد أن يتحكم في العالم ويتزعمه فما جرى وما يجري في الوطن العربي هو صناعه من إنتاج القوى العظمى خارج إرادة شعوب هذا الوطن المغلوب على أمرهم..
ولفهم ما يجري حاليا في الوطن العربي لابد من قراءة التاريخ وما وقع من أحداث متسلسله ومترابطه ومتكاملة النتائج ومن تناول ما يجري في المنطقه العربيه كملف متكامل مترابط وكل الدول هي أوراق في هذا ألملف مقرر لها ما يخصها وفق أهميتها وموقعها في إعادة ترتيب ألمنطقه وإحكام ألسيطره عليها..

مصير العالم يصنعه ألأقوياء ويساس بإتفاقيات دوليه بداية من واست فالي 1645 / مؤتمر لندن 1907/ سايكس بيكو 1971/ وعد بلفور 1917/ فرصاي بعد العالميه الأولى/ يالطه بعد الحرب العالميه الثانيه الل جانب مخرجات المؤسسات والمنظمات الدوليه غير الحكوميه وأهمها للذكر لا للحصر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووكالة الطاقه الذرية ومنظمة التجارة العالمية وما يعقد سريا من إتفاقيات بين الدول الكبرى.
وقد غير خروج أمريكا من إعتزالها للتوسع في العالم القديم كل موازين ومفاهيم وثقل وتأثير ومصالح وأهداف العلاقات الدوليه ما زادها قوة وجبروتا وتطورت طموحاتها من حليف في الحربين العالميين إلى إلى تزعم وسيادة العالم.
وقد أصبحت الحروب والصراعات المحليه والإقليمية حاجه ضروريه لإقتصاد الدول العظمى لتنشيط نموها وضمان أمنها وإستقرارها وسلمها الاجتماعي، لكن الدول الكبرى المتنافسة لا ولن تدخل في حرب مباشرة بينها بل انهم يتواجهون في صراعات محليه وإقليمية بالوكاله ويتعايشون بالتراضي وفق مفاهامات سريه بينهم تحكمها مصالحهم.
وتعد المنطقه العربيه أكبر متضرر من الصراعات بين الدول الكبرى المتنافسة فهم من يصنعون مصيرها نظرا لأهميتها موقعا وثروة وسوقا ومن يسيطر عليها يسيطر على العالم…

وطن مسلوب السيادة والإرادة كتب له التشتت والتناحر والتبعية والاستغلال :

المصلحة هي سيدة المواقف في العلاقات الدوليه وعلى المسؤول العمومي والباحث والمحلل أن يفهم محتوى ومقاصد وأهداف المصطلحات المتداولة في العلاقات الدوليه كمفهوم الأمن ألقومي والتهديدات المتوقعة وتطور مفهوم السيادة الوطنيه والتحديات المستقبلية والعولمة والنظام العالمي الجديد والفوضى الخلاقة ومفهوم الشرق الأوسط الكبير وصفقة القرن والقوة الضاربة والقوة الناعمه والقوة الذكيه والحرب بالوكالة وكل ما يستنبطونه من مصطلحات ومفاهيم…
وهنا لسائل ان يسأل لماذا خرجت أمريكا للعالم القديم بكل قوه وثقل والتوسع وتسجيل حضورها في الأماكن الحيوية وبسط نفوذه وهيمنتها؟؟
الإجابة عن هذا السؤال وعلى سبيل الذكر لا الحصر أمريكا بعد ان أصبحت قوة ضاربه في جميع المجالاتوضاق بها الزمان والمكان ولم تعد حدودها الجغرافية تتسع لقوتها ونسق تطورها أصبحت في حاجة ماسة إلى التوسع والهيمنة في الأرض والسفر للفضاء والبحث في شأنه. كما أن متطلبات أمنها ألقومي
حيث أصبح ضعف أمريكا في قوتها التي هي في إزدياد وأصبح غير مسموح لها بأي خطأ أو أزمات مضرة ومعطلة لمنظومتها الإنتاجية في جميع المجالات والدليل أن أي أزمة عابرة في الاقتصاد الامريكي تمس كل دول العالم بدرجات وللحفاض على قوتها وتماسكها دفعت للتوسع والهيمنة والسيطرة على مناطق حيويه برا وبحرا في العالم القديم من أسيا إلى أروبا إلى إفريقيا بأي ثمن كان.
ثم إنها في ظل كل ما سبق أصبحت تحاول درء أي خطر قد يأتيها من بعيد وقد يهدد أراضيها في ظل التطور التكنولوجي والصناعي في المجال ألحربي.
هذا دون أن ننسى انها تعتبر نفسها صاحبة حق مكتسب في نيل حصتها من المناطق والثروات الحيوية في العالم القديم رغم بعدها لدورها الحاسم في الحربين العالميين مع حاجتها للتوسع وضمان أمنها ونسق تصاعد قوتها وتدرج تحولها من حليف للنجده في الحربين العالميين إلى شرطي يتواجد في كل مكان ليفرض السلام ويستفيد ويغنم إلى طموح في أن تكون سيدة العالم وهو طموح حققت منه الكثير وومازلت في طور إستكماله.
وقد خرجت أمريكا للتوسع في العالم القديم من منطلق تفكيرها في أن تهديد أمنها القومي أصبح يكمن في العالم القديم وبالتالي لابد من الخروج إليه وإحتوائه في مكامنه تحت شعار “مصلحة أمريكا فوق كل إعتبار” حيث قال الجنرال ماكرتر قائد الاسطول الأمريكي في المحيط الهادي في الحرب العالميه الثانيه وضارب اليابان بالنووي: “مصلحة أمريكا هي الحقيقة الوحيدة وما خالفها ليس بحقيقة لو تكون معادله رياضيه”.
كما قال كيسنجر الذي هو من أكبر منظري السياسه الخارجيه والأمنية الأمريكيه: “مصلحة أمريكا فوق كل إعتبار لسنا مسؤولين على حل مشاكل العالم, ليس لنا أصدقاء وأعداء دائمون, الجميع أعداء بدرجات متفاوته, نراقب الصراعات ونحركها وفق مصالحنا ولا مكان لمن إنتهت صلوحته عندنا”.
مصلحة جعلت أمريكا تتبنى فكرة ابتدعها الإنجليز بعد الحرب العالميه الأولى ولم يفلحوا في تنفيذها مفادها أن “العالم في حاجه لحكومة عالمية موحدة تسوسه” وها ان الأمريكان يعملون على تجسيد هذه الفكرة بالسعي إلى تزعم العالم والسيطرة على مصيره، وهو ما يتطلب وجوبا السيطره على “قلب ألأرض” أي المنطقه التي تضم ” أروبا ألشرقيه والمنطقة ألعربيه” وفق تصنيف السياسي الانجليزي ماكيندر ذلك أن أهمية المنطقه العربيه تكمن في موقعها وثرواتها وسهولة المتوقع فيها وإخضاعها وإستغلالها لتتشتتها وتخلف شعوبها.

إستراتجية أمريكا للسيطره على ألعالم :

هي إستراتيجيه أهدافها النهائيه بعيدة المدى من منطلق العمل بمبدأ “التخطيط عام والتنفيذ خاص” حيث ترسم هدفها في المجمل وتنفذه تدريجيا وفق أهداف مرحلية في مراحل مترابطة ومتكاملة حتى بلوغ الهدف النهائي. وهنا لنا أن نستعرض سيرورة الأحداث الهامة التي مضت وكيف يسيرون الجاري منها بالتدرج.
-بداية أمريكا لم تكن راضيه بحصتها من نتائج الحرب العالمية الثانية وترى أن الاتحاد السوفياتي سيكون حجر عثره أمام توسعها فقررت الفتك به وتفتيته وفي 1950 أمضى ألرئيس “ترومان” التوجيه الرئاسي 68/1950 “العمل على تحطيم إمبراطورية الشر الاتحاد السوفياتي”، وبدأ العمل على المشروع حتى تحقق في العام 1991 حيث تفتت الاتحاد السوفياتي وحلف “وارسو” واستعادت أمريكا سيطرتها على كل أروبا الشرقيه واقتربت قواعدها أكثر لروسيا.
وفي سنة 1980 بدأ التفكير في السيطره على كامل المنطقه العربيه حيث قال”بريجنسكي” وهو من أكبر منظري السياسه ألخارجيه والأمنية الأمريكية :”نحن في حاجه لسايكس بيكو جديدة على أساس عرقي وديني وطائفي” وأنطلق في العمل على المشروع والتخطيط لكيفية تنفيذه و هو مشروع نعيش اليوم أحداثه.
وبحلول سنة 2000 قال الرئيس “بوش” هذا قرن أمريكا ويعي ما يقول ولا يخفون نواياهم وإذا قالوا فعلوا.
وفي سنة 2003 كان العمل على تحطيم العراق وإرجاعها للعصر ألحجري، ثم يأتي في العام الموالي
2004 الرئيس بوش الإبن ليبشر بالشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط ألكبير، لتطل في العام 2006 كندليزا رايس مبشرة باقتراب موعد “الفوضى الخلاقة” لإعادة ترتيب المنطقه العربية في شرق أوسط جديد أفضل.
هذه الفوضى الخلاقة أوضحت ملامحها بداية من 17 ديسمبر 2010 تاريخ اندلاع شرارة ما يسمى بالربيع العربي بفوضته الخلاقة في تونس ثم باقي الدول الربيع الأخرى.. أحداث ألتهديم والتخريب والقتل والتهجير جارية بالوكالة حتى بلوغ الحصاد لإعادة الترتيب فتختفي دول وتظهر أخرى وحكام جدد وثقافة جديدة في كنف التبعية والولاء.

انهم لا يخفون نواياهم ولا يترددون في ألتنفيذ ونحن لا نستلم الرسائل والوطن يحترق وسائر للضياع والاندثار:

لنعدد بعضا من مظاهر قوة الولايات المتحدة حتى وننزل الدول في مقامها لأن معرفة العدو نصف الحل لمن يريد المقاومة والتحرر علما وأن إرادة الشعوب التواقة للتحرر لا تقهر بل تدفع الثمن وتنتصر..
امريكا هي الدولة الوحيدة القادرة على إدارة حربين إستراتجيتين في نفس الوقت وفي أماكن متباعده وهذا منذ الحرب العالميه الثانيه حيث قادت حربا في المحيط الهادي ضد اليابان وأخرى في شمال إفريقيا وأروبا وربحت الرهان وإنتصرت. كما انها الدوله الوحيدة التي أنتجت 54 حاملة طائرات منذ بداية القرن الماضي ولها الآن 12 حاملة طائرات عامة، وهي أيضا الدوله الوحيدة التي لها ما يزيد عن 50 شركة عابرة للحدود القارات، وهي الدوله الوحيدة القادرة على ضرب أي هدف في العالم وعن بعد والمتواجدة في كل مكان من العالم برا وبحرا وفضاءا إلى سيطرتها على مجال الاتصالات والانترنت وهي الوحيدة القادرة على التنصت على الجميع بما فيهم رؤساء الدول.
كما ان أمريكا هي الوحيدة التي تملك بنك معلومات متكامل عن كل البلدان في ما يخص مسؤوليها وكفآتها ونظامها ومجتمعاتها وثرواتها الظاهرة والباطنة وفلاحتها ومنتجاتها وجغرافيتها، وهي الوحيدة التي حققت اكتفاءها الذاتي في كل شيء تقريبا حتى من الطاقة وما تشبثها بالسيطره على الثروة الطاقية بالوطن العربي إلا هدف إستراتيجي كسبيل لاحكام سيطرتها على العالم حيث قال الرئيس ترامب أخيرا : “حاجتنا للثروه الطاقية الكامنة في المنطقة العربيه هو لخنق أروبا واليابان والصين والهند وبكستان لترويضهم لتبعيتنا وهذا يفرض علينا ومن حقنا إحتلال أرض العرب والتصرف في ثرواتهم والهيمنة حق تاريخي ليس بدعة ولا بالجديد”.
ثم إن أمريكا هي البلد الوحيد القادر على فرض عقوبات وحصار على أي دوله متى شاء وكيف ما شاء، وهي تمتاز بكونها تدار بتناسق وتكامل وتواصل بين مفكرين يستشرفون ومكاتب دراسات يخططون وسياسيين يتعهدون وأذرع طويله ينفذون وهي أذرع مالية وإعلامية ومخابرتية وعسكرية وفيالق من العملاء والحمقى المغفلين المشاركين في التنفيذ بالوكالة كما عنهم “رامس فيلد” : “يوجد في الوطن العربي الحمقى المغفلون لتنفيذ مهمنا بالوكالة وتوجد الذرائع لتفجير الصراعات ويوجد من يدفع الكلفة بسخاء دول الخليج الغنية”.
وكل ما سبق ليس تمجيد للولايات المتحدة وإنما حقائق وواقع والعاقل المتبصر يرى الأمور بكل موضوعية وعمق للتقدير الصحيح لموقفه ووضعه والتحديات المفروضة عليه لمواجهتها.
لا تستهينوا وتتندروا بقوة أمريكا تعنتا فمنافسوها الكبار جميعهم دون قوتها وقدراتها و هم في تناغم معها يتعايشون معها ويهادنونها ولن يدخلوا في مواجهة مباشره معها من أجلنا والدليل روسيا سلمتها على طبق من ذهب العراق وليبيا واليمن وتشاركها في تخريب سوريا الصامدة…

هذا جزء أول ضروري لفهم مايجري في العالم بصفة عامه وما يحدث في الوطن ألعربي بصفة خاصه وأن مصير العالم أصبح صناعة الأقوياء…
والتركيز على أمريكا كان باعتبارها الراعي والخصم والحكم لأغلب ما يجري في العالم وخاصة في المنطقه العربيه حتى أتخلص في الجزء ألثاني للأزمه الليبية وفهمها في إطارها الخاص والإقليمي والدولي…

يتبع..

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى