صحيح بشار الأسد دكتاتور. صحيح أن نظام الأسد إستبدادي و قمعي، لكن هذا ليس بجديد، و ليس بغريب على العالم العربي، فأغلب الأنظمة العربية هي أنظمة قمعية، و كل الشعوب العربية منسجمة و متعايشة مع أنظمتها المستبدة. هذا ما يجعلنا نطرح العديد من الأسئلة :
1) هل تمت الإطاحة بنظام الأسد بسبب ثورة شعبية عفوية و صادقة في نواياها قام بها الشعب السوري ؟؟ أم أنها كانت حركة تمرد محدودة، حولتها مؤامرة من القوى العالمية و الإقليمية إلى حرب أهلية و مواجهة مسلحة ؟
2) لماذا سقط نظام الأسد بالذات دونا عن بقية الأنظمة العربية المستبدة و الظالمة ؟
3) من هو المستفيد من هذا النظام السياسي الجديد بزعامة الجولاني ؟
هل هو الشعب السوري الذي سوف يسترد كرامته و حريته و حقوقه، و الذي سوف ينعم بالإزدهار الإقتصادي في ظل هذا النظام الجديد ؟ أم هي القوى العالمية و الدول الإقليمية المحيطة بسوريا ؟
4) ماهو مصير حلف الممانعة و المقاومة (حركة حماس و حزب الله) بعد الإطاحة بنظام الأسد، و إستبداله بنظام الجولاني ؟
هذه هي الأسئلة التي تختمر في ذهن المواطن العربي، و التي سوف نسعى من خلال هذا المقال للإجابة عنها بكل حياد.
بالنسبة للسؤال الأول :
1) هل تمت الإطاحة بنظام الأسد بسبب ثورة شعبية عفوية و صادقة في نواياها قام بها الشعب السوري ؟؟ أم أنها كانت حركة تمرد محدودة، حولتها مؤامرة من القوى العالمية و الإقليمية إلى حرب أهلية و مواجهة مسلحة ؟
جوابا عن هذا السؤال، فيكفي لمن تابع أحداث الثورة السورية أن يكتشف بكل سهولة أن هذه الثورة هي نتيجة حتمية لعاملين أساسيين :
أ) حالة الإحتقان الشديدة بين مختلف أطياف الشعب السوري، بسبب النظام القمعي للأسد، و التضييق على الحريات،
ب) المؤامرة التي كانت ورائها القوى العظمى، و التي إستغلت من خلالها هذا الحراك الشعبي، لتحوله إلى ما كان غير منتظر، وهو الحرب الأهلية، و المواجهة المسلحة بين جيش نظام الأسد و الثوار.
و الحقيقة أن العامل الثاني كان هو الأهم و الأكثر حسما للإطاحة بنظام الأسد، و في هذا الشأن، يمكن لكل عاقل أن يدرك وجود هذه المؤامرة من أجل إسقاط نظام الأسد، من خلال أدلة شديدة الوضوح وهي :
1) سياسة التضليل الممنهجة من أعداء نظام الأسد و هم بالأساس الأمريكان و الصهاينة و من ورائهم غلمانهم من دول الخليج، و الذين يعدون من أكبر خبراء العالم في التضليل الإعلامي و إختلاق الأكاذيب و الإفتراء. (و خير دليل على ذلك، كيفية تعاطي الإعلام الغربي مع القضية الفلسطينية، و سياسة التضليل الإعلامي الممنهج.)
هذه نقطة مهمة، يجب علينا إدراكها، حتى يكون حكمنا على الملف السوري معتدلا، و حتى لا ننساق بكل سذاجة وراء ما يسوقه هذا الإعلام المأجور من شيطنة و تشويه ممنهج لنظام الأسد، و ذلك من أجل إسقاطه سياسيا و أخلاقيا إلى الحضيض، مما يسهل تقديم هذا النظام السياسي الجديد كبديل أفضل، حتى ولو كان عميلا لأمريكا وإسرائيل و تركيا، و خائنا للقضية الفلسطينية، متنكرا لقوى المقاومة الفلسطينية و اللبنانية، و خادما لأجندة القوى العالمية، و التي تسعى إلى تأسيس شكل جديد للشرق الأوسط، مبني على تفتيت و إضعاف الدول العربية، و إنهاكها بحروب طائفية.
2) و حتى لا نقع في فخ ذلك التضليل الإعلامي الممنهج، لنا أن نسأل أنفسنا : من هم هؤلاء المسجونون المحررون من السجون السورية؟ (بما فيها سجن سيدنايا) ؟ هل هم مواطنون سوريون ثوار، أم مرتزقة غرباء دواعش و أبناء حركة القاعدة)
فلو كان السجناء خليط من الثوار السوريين السلميين و الإرهابيين، فالعقلانية تقتضي أن نتعاطف مع الثوار السلميين فقط، لا أن نتعاطف مع كل المعتقلين، بما فيهم الإرهابيين.
3) التجييش الإعلامي في قنوات الفتنة الخليجية ضد نظام بشار الأسد، و الإفتراءات و الأكاذيب المختلقة، (مثل مسرحية ذلك الجندي السوري الذي كان يصرخ في وجه الأسير قائلا مين ربك ؟ و الأسير من شدة رعبه أجاب : بشار الأسد !!)
أو العديد من الفيديوات المفبركة، و التي تتحدث عن سجناء تم تحريرهم من سجن سيدنايا، ثم تبين أنهم كذابون و محتالون، كما وثقته قناة سكاي نيوز.
4) حشد الشباب من كل العالم للجهاد في سوريا بإسم نصرة الدين، و فتح الحدود التركية لمرور هؤلاء المرتزقة، وهي سابقة لم يرى العالم لها مثيلا إلا عندما تكون الثورة ضد نظام مكروه من الأمريكان و الغرب، مثلما حدث في أفغانستان إبان الإجتياح السوفياتي.
5) مليارات الدولارات التي أنفقتها دول الخليج لقيادات الجيش السوري، حتى ينشقوا عنه، و لدفع رواتب المرتزقة الذين جاؤوا من كل العالم لمحاربة النظام السوري، و شراء الأسلحة التي سوف يقاتلون بها، و هذا ما يجعلك تقتنع أن هؤلاء المرتزقة لم يذهبوا للقتال دفاعا عن المبادئ، لكن طمعا في الأموال و في سبي النساء، فهم أناس متعطشون للدماء، ذبحوا الرجال و النساء، و أكلوا الاكباء و القلوب وهي نيئة، و لعبوا كرة القدم برؤوس ضحاياهم، و نشروا كل هذه المقاطع على الإنترنت بكل فخر و إعتزاز بهذه الإنجازات العظيمة !!! كيف يجب على أي دولة في العالم أن تتعامل مع وحوش من هذا النوع !!؟
إن النظام السوري كان يدرك جيدا أن الثورة السورية ليست عفوية تماما، بل زادتها تأجيجا و عنفا المؤامرة المدبرة من أمريكا و إسرائيل، بسبب تبني نظام الأسد لسياسة الممانعة و المقاومة بالوسائل الممكنة من مال و سلاح، حيث كان من خير المساندين لحماس و حزب الله، و أوفى الحلفاء للنظام الإيراني الذي يعاني بدوره من العزلة بسبب مساندته للقضية الفلسطينية.
تبعا لذلك، كان هذا النظام مكروها من طرف إسرائيل و أمريكا، و منبوذا من الكثير من دول العالم، و أولها الدول العربية الغارقة حتى النخاع في مستنقع العمالة و الخيانة للقضية الفلسطينية.
كل هذا جعل نظام الأسد يعتبر كل الثائرين عليه خونة للقضية
الفلسطينية، و متآمرين على وحدة الأراضي السورية، لذلك تم التعامل معهم بعنف شديد، على أساس أنهم خونة لأوطانهم خيانة عظمى، أو على أساس أنهم إرهابيون جاؤوا من بلاد بعيدة سعيا إلى تخريب سوريا، و تهديد أمنها القومي، و تمزيق وحدتها الوطنية. هذا التعامل الشرس من طرف نظام قمعي بطبيعته مثل نظام الأسد مع هؤلاء المتئامرين جعل الأمور تتعقد أكثر، حيث كانت وسائل الإعلام المتآمرة مثل الجزيرة و العربية تتصيد التعامل القمعي و الوحشي الذي ينتهجه نظام الأسد ضد معارضيه، لتنشره أمام العالم، مع الكثير من المبالغة و التهويل، و ذلك حتى تؤجج الوضع، و تزيد من نقمة السوريين ضد حاكمهم. و هذا ما تم بالفعل، حيث ما إنفكت وسائل الإعلام المتواطئة مع المشروع الصهيوني من نشر الأخبار التي تفيد بإرتكاب نظام الأسد مجازر وحشية، و جرائم ضد الإنسانية، حتى نجحت في تأجيج الوضع داخليا بصفة كبيرة، فإنضمت فئات كثيرة من الشعب السوري إلى الثورة.
ولو أضفنا إلى ذلك :
أ) دخول المقاتلين إلى سوريا من الحدود التركية، مزودين بالأموال و السلاح،
ب) عدم قدرة الجيش الروسي مساعدة سوريا، بسبب إنهاكه في الحرب ضد أكرانيا
ج) عدم قدرة حزب الله و إيران مساعدة نظام الأسد بالأموال و السلاح و الجنود، بسبب إنهاكهما في الحرب ضد إسرائيل.
فمن الطبيعي أن تؤدي كل هذه العوامل إلى سقوط نظام الأسد، بعد أن فقد كل أنصاره و حلفاءه، و وجد نفسه وحيدا في مواجهة أعدائه الكثيرين في العدد، و المدججين بالأموال و الأسلحة، و المدعومين من القوى العالمية.
لذلك، يمكننا الجزم أن سبب سقوط نظام الأسد هو إحتقان شعبي، سببه القمع و الظلم و القهر، غذته القوى العالمية و أججته بكل الوسائل الإعلامية و المالية و العسكرية، حتى وصلت إلى هدفها المنشود.
بعد أن أجبنا عن السؤال الأول، لننتقل إلى الجواب عن السؤال الثاني، وهو :
2) لماذا سقط نظام الأسد بالذات دونا عن بقية الأنظمة ؟
الجواب هو التالي :
حتى يكون حكمنا على الأشياء منصفا و موضوعيا، فلنسلم أن نظام الأسد تعامل بوحشية و قمع شديد مع الثوار، لكن المثير للإهتمام، أن الحكومة السعودية و الحكومة البحرينية قد تعاملتا أيضا بنفس العنف و نفس الوحشية مع الثوار في بلديهما، وتم قتل المئات و تعذيب الآلاف في السجون، فلماذا لم تسلط الجزيرة أو قناة العربية الضوء على هذه الأحداث ؟
لماذا لم تتدخل القوى العظمى لحماية الشعبين السعودي و البحريني من بطش السلطة السياسية ؟
لماذا لم يتم إرسال الآلاف من المجاهدين المسلمين من كافة بلدان العالم لنصرة إخوانهم المظلومين في السعودية و البحرين ؟
لماذا لم يتم إمداد الثوار بالأموال و الأسلحة للإطاحة بهذه الأنظمة المستبدة ؟
فعندما إندلعت الثورة في السعودية و البحرين، في ظل نظامين خانعين و خاضعين لأمريكا و لإسرائيل و خادمين لمصالحهما، واجهت هذه الثورات تعتيما إعلاميا في غاية الجبن و الخسة و التواطئ، بل و تخوينا لهؤلاء الثوار، حيث تم وصفهم بالخونة لأوطانهم و العملاء لقوى أجنبية، و ذلك حتى تفقد الثورة مصداقيتها و يتم التشكيك في أهدافها و نواياها، ففقدت بذلك الدعم الشعبي الداخلي، فخبت شعلتها، و إندثرت إلى غير رجعة.
أما عندما قامت الثورة في ظل نظام ينتمي إلى حلف الممانعة و المقاومة، يدعم حماس و حزب الله بالأموال و السلاح و يزعج إسرائيل، فالتعامل مختلف 180 درجة، بداية من التجييش الإعلامي ضد هذا النظام و شيطنته، و دعم الثوار بالأموال و السلاح، و فتح الحدود المتاخمة لهذا البلد لمرور المرتزقة حتى يعيثوا فيه فسادا.
بصيغة أخرى، لو كان الإحتمال الطبيعي و ممهدات نجاح الثورة في بلد يحكمه نظام خاضع لأمريكا و إسرائيل كبيرة، ( مثلا 70%)، فسوف يتجند العالم الموالي لأمريكا بكل إمكانياته لإفشال هذه الثورة، و تكون النتيجة فشلها فشلا مطلقا، و إستقواء النظام الداخلي المستبد أكثر و أكثر.
أما لو كان الإحتمال الطبيعي و ممهدات نجاح الثورة في بلد يحكمه نظام يعادي أمريكا و إسرائيل و حليف لمحور المقاومة ضئيلا (مثلا 30%)، فسوف تجد نفس هذا العالم الموالي لأمريكا يتجند بكل إمكانياته لإنجاح هذه الثورة، و تكون النتيجة في أغلب الأحيان نجاحها.
هنا تتجلى سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها أمريكا و من لف لفها، و تبرز المتاجرة الحقيرة بالديمقراطية و بحقوق الإنسان، و خرافة الدفاع عن المظلومين. فمن واجب كل إنسان سوي في أخلاقه و ملتزم بدينه الدفاع عن المظلومين مهما كانوا و التنديد بالظلمة مهما كانوا. لكن، عندما يتم إستعمال هذه القيم النبيلة بهذا الأسلوب الحقير، فهذا يكشف عن المخطط الحقيقي الذي رسمته أمريكا و إسرائيل لسوريا، وهو طبعا بعيد كل البعد عن التخلص من دكتاتور طاغية مثل بشار الأسد، أو الدفاع عن حقوق الشعب السوري و إرساء نظام ديمقراطي، لأن الذي يدافع بصدق عن حقوق الإنسان و عن الديمقراطية، فهو يدافع عنها مهما كان الشعب و مهما كان الوطن.
لذلك، بات واضحا أن سبب سقوط نظام الأسد، ليس هو القمع أو الظلم أو إنعدام حرية التعبير، لأن القمع و الظلم و إنعدام حرية التعبير موجودون في أغلب الدول العربية مثل السعودية او البحرين. السبب الحقيقي هو مساندة نظام الأسد للقضية الفلسطينية، و لحركات المقاومة حماس و حزب الله بالمال و السلاح.
نصل إلى السؤال الثالث الذي طرحناه في هذا المقال، وهو
3) من هو المستفيد من هذا النظام السياسي الجديد بزعامة الجولاني ؟
هل هو الشعب السوري الذي سوف يسترد كرامته و حريته و حقوقه، و الذي سوف ينعم بالإزدهار الإقتصادي في ظل هذا النظام الجديد ؟
أم هي القوى العالمية و الدول الإقليمية المحيطة بسوريا ؟
في الحقيقة، لقد تخلص الشعب السوري من نظام قمعي و إستبدادي و ظالم، لكن، هل تم إستبدال هذا النظام بنظام يؤمن بالديمقراطية و الإختلاف في الرأي و العقيدة ؟
الجواب : للأسف، لقد تم إستبدال نظام الأسد بأسوأ نظام يمكنك تخيله، وهو نظام الدولة الدينية المتطرفة الإرهابية، و التي يقودها عتاة الإرهاب من الدواعش و قيادات القاعدة. فعن أي ديمقراطية جديدة نتحدث و عن أي حقوق إنسان في ظل حكم الدواعش و أبناء القاعدة !!!!
كل هذه المعطيات تجعلنا ندرك أن ما يسمى بالثورة السورية هي في حقيقة الأمر مؤامرة على سوريا، تقودها أمريكا و إسرائيل و تركيا، من أجل تحقيق أهدافهم و التي تتمثل في :
1) تحييد الدور السوري في محور المقاومة، (و هذا ما صرح به ناتنياهو يوم الإطاحة بنظام الأسد، معبرا عن سعادته بسقوط هذا النظام المعادي لإسرائيل)،
2) مواصلة حصول أمريكا على النفط السوري بأبخس الأثمان، بعد أن سيطر الأكراد (قوات سوريا الديمقراطية) على مواقع الإنتاج منذ سنوات، و أمست تبيع هذا النفط لأمريكا بأزهد الأثمان.
3) سعي هذه القوى إلى تقسيم سوريا إلى عدة دويلات طائفية صغيرة ضعيفة، تكون موالية لأمريكا و إسرائيل أو لتركيا.
4) مواصلة الإحتلال التركي لشمال سوريا (8835 كم مربع : أكثر من ألف بلدة)، و الذي بدأ بعد إندلاع الثورة السورية، حيث إستغلت تركيا ضعف الجيش السوري، لكي تحتل أجزاء من شمال سوريا.
4) تمكن إسرائيل من السيطرة على الحدود بين سوريا و لبنان، حتى تمنع تهريب الأسلحة من سوريا إلى حزب الله اللبناني، و حتى يشتد الخناق على المقاومة، فلا تجد من يمولها بالذخيرة، و قد تم للأسف هذا الأمر منذ اليوم الأول الذي سقط فيه نظام الأسد.
5) إحكام سيطرة إسرائيل على مناطق جديدة في سوريا، تمكنها من التحكم في منابع المياه التي تتدفق إلى الأردن و لبنان و سوريا و فلسطين، وهذا ما تم للأسف منذ اليوم الأول الذي سقط فيه نظام الأسد.
6) تمدد الإحتلال الإسرائيلي لمناطق جديدة في الجنوب السوري متاخمة لهضبات الجولان، و تهجير المواطنين السوريين قسرا من بيوتهم.
قد يقول قائل أن هذه التدخلات الأجنبية، ليست جديدة، بل تمت منذ سنوات، بسبب الفوضى التي سببتها الثورة السورية، و دخول الجماعات الإرهابية إلى سوريا. لكن للأسف، عند متابعة كل التصريحات، تبين أن كل من أمريكا و تركيا و إسرائيل قد قرروا البقاء في سوريا، و مواصلة إحتلال أجزاء منها، ولن يخرجوا من سوريا نهائيا، و السبب الأصلي لهذا الإحتلال هو قيام الثورة السورية، التي أضعفت السلطة المركزية، و قدمت فرصة ذهبية لأعداء سوريا حتى يحتلوا أجزاء مهمة من الأراضي السورية، و ينهبوا خيرتها.
فكان الجنوب من نصيب إسرائيل
الشرق من نصيب الأكراد و أمريكا
الشمال من نصيب تركيا.
نصل إلى السؤال الأخير، وهو :
4) ماهو مصير حلف الممانعة و المقاومة (حركة حماس و حزب الله) بعد الإطاحة بنظام الأسد، و إستبداله بنظام الجولاني ؟
إجابة عن هذا السؤال، فأني أقول و بكل أسف أن الوضع بالنسبة للمقاومة الفلسطينية أصبح صعبا جدا، و السبب هو : ضعف أغلب داعميها، حيث :
1) سقط نظام الأسد الذي كان يدعمها بالمال و يهرب عبر أراضيه السلاح إلى مقاوميها،
2) إنهزم حزب الله اللبناني الذي كان قادرا على تخفيف الضغط على جبهة غزة، و ذلك بفضل الهجومات العسكرية التي كان يقوم بها ضد إسرائيل، و إنسحب من الجنوب إلى نهر الليطاني 3) إزدادت وضعية إيران الإقتصادية صعوبة، بسبب العقوبات الإقتصادية و تمويلها الغير محدود لحركة حماس و حزب الله و حركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) في حربهم ضد إسرائيل، و دعمها للنظام السوري بالبترول و الغاز، فأصبحت غير قادرة على مواصلة هذا الدعم، بذلك السخاء المعتاد. فالنظام الإيراني عاجز على مواصلة إنفاق مليارات الدولارات لتمويل كل أنصاره من حزب الله و أنصار الله و المقاومة الفلسطينية.
كل هذه العوامل جعلت حركة حماس تدرك أنها أصبحت شبه وحيدة في هذا الموقف العصيب، مما أجبرها على تقديم الكثير من التنازلات أثناء مفاوضاتها مع إسرائيل في الدوحة، لأنه لم يعد لها خيارات أخرى إلا التنازل تلو التنازل، حتى تخرج بأقل الأضرار من هذه الحرب.
ختاما، كم كنت أتمنى أن تقوم الثورات في البلدان العربية الخائنة للقضية الفلسطينية و التي ساعدت إسرائيل على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.
من ناحية أخرى، لست حزينا على سقوط نظام الأسد، فهو دكتاتور جبار، عانى منه شعبه الأمرين و له من الله ما يستحق، لكني :
1) حزين على المقاومة الفلسطينية و اللبنانية التي فقدتا دعما مهما من السلاح و الأموال، و هذا ما سوف يسهل على إسرائيل البطش بالفلسطينيين و سلب حقوقهم أكثر و أكثر دون مقاومة، و دون محاسبة.
2) حزين على الوعي السياسي البائس للشعوب العربية، التي فرحت بسقوط نظام بشار الأسد، في حين أن بديل ذلك النظام لن يكفل حرية التعبير، و لا حقوق الإنسان، و لا حرية المعتقد، ولا المشاركة في الحكم لكل الطوائف و لا ديمقراطية. بإختصار شديد، تخلصنا من دكتاتور لنضع مكانه مجموعة من الإرهابيين أشد قمعا و أكثر تعطشا للدماء.
3) حزين على وهننا و ضعفنا و خاصة غبائنا، مما سهل تلاعب القوى العالمية الكبرى بنا، و كأننا دمى مسلوبة الإرادة تحركها خيوط ممسوكة بأيدبهم، يفعلون بنا ما يشاؤون. حيث أوقعوا الشعب السوري في فخ التضليل الإعلامي الذي شيطن نظام الأسد كأبشع ما يكون (في حين أنه لا يختلف عن النظام السعودي أو البحريني في جانب القمع و الظلم)، حتى يؤججوا الأوضاع، و يدفعوا الشعب دفعا للخروج على النظام و إعلان الثورة، كما غسلوا أدمغة الشباب الأحمق من كل أرجاء العالم، و جعلوهم يتوهمون أنهم ذاهبون للجهاد في سوريا و الموت في سبيل الله، في حين أنهم ذاهبون بأرجلهم للموت، و لتخريب وطن بأسره، و بيعه مجانا للأعداء.
4) حزين على الشعب السوري، لأنه لم يدرك أنه بخروجه على الأسد، لن تتحسن أحواله، و لن يتخلص من الظلم، بل ساهم في إنجاح المؤامرة التي دبرتها القوى العالمية ضد وطنه، و ساهم في تدمير وطنه من دون أن يشعر، حيث جعله محتلا و مقسما لعدة دويلات ضعيفة، و جعل إقتصاد وطنه محطما و مدينا لعقود طويلة، وأفقد دولته سيادتها على قراراتها بسبب إفلاسها و إقتصادها المنهار.
5) حزين بسبب الغباء السياسي لأنظمتنا العربية المنتمية إلى حلف الممانعة، حيث توهمت أن إنتصارها و دعمها للقضية الفسطينية سوف يشفع لها عند شعوبها، لكي تكون أنظمة قمعية و ظالمة، في حين أنها نسيت أن دعمها للقضية الفلسطينية سوف يجلب لها متاعب كثيرة مع الأمريكان و الإسرائيليين، لذلك، كان الواجب على النظام السوري أن يحصن الجبهة الداخلية بالعدل و مقاومة الرشوة و الفساد، و ترسيخ مفهوم المواطنة، و نبذ الطائفية، و الإهتمام بالنمو الإقتصادي العادل، الذي يحسن من مستوى المعيشي للمواطن. لو فعل نظام الأسد ذلك، لما قامت الثورة للإطاحة به، و لما نجحت كل المحاولات الخارجية للإطاحة به، و لوجد الأسد شعبه ملتحما معه ضد كل المؤامرات الخارجية.
6) حزين لأن الشعوب العربية غالبا ما تسارع إلى تنفيذ أجندة أعدائها بكل سذاجة، متوهمة أنها حققت إنتصارات و إنجازات عظيمة…
Leave a Comment