عالمية

فرنسا والمظلة النووية الأوروبية.. طموح ماكرون بين الواقع والتحديات

مع تصاعد التوترات الدولية، فتح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باب النقاش حول إمكانية تحويل الترسانة النووية الفرنسية إلى مظلة تحمي أوروبا، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا بين الدول الأوروبية، خاصة ألمانيا وبولندا. لكن هل تستطيع فرنسا بالفعل أن تحل محل الولايات المتحدة في تأمين الحماية النووية لأوروبا؟  

الترسانة النووية الفرنسية بين الواقع والمقارنة  

تمتلك فرنسا، وفق تقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، نحو 280 رأسًا نوويًا جاهزًا للاستخدام، إضافة إلى 10 رؤوس احتياطية يمكن تفعيلها عند الحاجة. ورغم أن هذه الترسانة تبدو ضخمة، فإنها تبقى محدودة مقارنة بروسيا، التي تملك ما يقارب 5000 رأس نووي، مما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة فرنسا على توفير ردع نووي فعال يغطي القارة بأكملها.  

العقيدة النووية الفرنسية.. قيود تاريخية  

تعود العقيدة النووية الفرنسية إلى عهد الجنرال شارل ديغول، حيث تم تطويرها لحماية فرنسا فقط، وليس للدفاع عن الحلفاء. وعلى الرغم من بعض التعديلات التي أجريت خلال فترتي فرانسوا ميتران ونيكولا ساركوزي، فإن المبدأ الأساسي ظل كما هو: السلاح النووي الفرنسي مخصص لحماية المصالح الحيوية لفرنسا وحدها. وبالتالي، فإن تحول هذه العقيدة لتشمل الدفاع عن أوروبا يمثل قفزة استراتيجية ضخمة تتطلب تعديلات جذرية.  

التحديات أمام المشروع الفرنسي  

لكي تصبح فرنسا المظلة النووية لأوروبا، يجب عليها تجاوز عدة عقبات، منها:  

– الموارد العسكرية المحدودة: فرنسا تملك 4 غواصات نووية وسربين جويين فقط، وهو عدد بالكاد يكفي للدفاع عن أراضيها، فكيف يمكنه حماية قارة بأكملها؟  

– التكلفة الاقتصادية: تأمين حماية نووية لأوروبا يتطلب استثمارات ضخمة في الصواريخ، والطائرات، والغواصات، والأقمار الصناعية، مما يشكل ضغطًا هائلًا على الاقتصاد الفرنسي.  

– الموقف الأمريكي: رغم تصريحات ماكرون، فإن الأمر مرتبط بقرار الولايات المتحدة. فإذا قررت واشنطن سحب مظلتها النووية، حينها فقط ستصبح أوروبا بحاجة إلى بديل حقيقي.  

– الخلافات الأوروبية: بينما ترحب ألمانيا بالمقترح، فإن دولًا مثل بولندا تفكر في امتلاك أسلحة نووية خاصة بها، مما قد يؤدي إلى انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي.  

هل هي مناورة سياسية؟  

يرى بعض المحللين أن تصريحات ماكرون ليست أكثر من مناورة سياسية تهدف إلى الضغط على الولايات المتحدة، خاصة مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى الحكم. ففرنسا تدرك أن تأمين أوروبا نوويًا يتطلب إمكانيات تتجاوز قدراتها الحالية، كما أن الالتزام بحماية دول أخرى سيضعها في مواجهة مباشرة مع قوى نووية مثل روسيا.  

ختامًا.. الحلم يصطدم بالواقع  

رغم الطموحات الفرنسية، فإن تحول باريس إلى القوة النووية الحامية لأوروبا لا يزال حلمًا بعيد المنال. فالعقبات العسكرية، والاقتصادية، والسياسية تجعل من الصعب تنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع، مما يطرح تساؤلًا مهمًا: هل ستبقى المظلة النووية الأمريكية الخيار الوحيد لأوروبا، أم أن القارة العجوز ستبحث عن بدائل أخرى؟

Leave a Comment

Recent Posts

سيدي بوزيد: حجز أكثر من 10 أطنان من الأمونيتر الزراعي

تمكّنت وحدات الحرس الوطني بسيدي بوزيد، من ضبط سيارة محملة بـ 1.5 طن من الأمونيتر…

2025/03/12

مشروع برنامج جرد ورقمنة العقّارات الدولية خاصّة منها الفلاحية

انعقدت اليوم الأربعاء 12 مارس 2025 بمقرّ وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية جلسة عمل تحت…

2025/03/12

مدنين: رفع 158 مخالفة اقتصادية منذ بداية شهر رمضان المعظّم

رفعت فرق المراقبة المشتركة، منذ بداية شهر رمضان وإلى غاية يوم أمس الثلاثاء، 158 مخالفة…

2025/03/12

شبيبة العمران يقتنص تعادلا قاتلا أمام الترجي الرياضي

تمكن شبيبة العمران من خطف تعادل ثمين في الوقت الثاني خلال مواجهته امام الترجي الرياضي…

2025/03/12

منظّمة حماية أطفال المتوسّط تدق ناقوس الخطر بعد تكرر جرائم القتل في حق الأطفال

دقت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط ناقوس الخطر إثر تَتالي جرائم القتل في حق عدد…

2025/03/12

وزير الخارجية يتسلّم نسخة من أوراق اعتماد السّفير السوداني الجديد

تسلّم وزير الشّؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النّفطي، اليوم الأربعاء بمقرّ الوزارة، نسخة…

2025/03/12