بقلم العقيد المتقاعد من الجيش الوطني والأكاديمي المهتم بالتدوين كشاهد على العصر : عمار الودرني
من المحن والابتلاء أن نخوض في آن واحد ثلاثة حروب دفعة واحده، ثلاثة مخاطر تجتمع في الهدف المهدد لوجودنا رغم اختلاف طبيعها وخصائصها فلكل واحدة مجالها وأهدافها ومقاصدها وآثارها وتأثيراتها ومتطلبات مواجهتها وأسلوب مقاومتها لتستفذ مجتمعة المجهود الوطني وتشتته…
إنه حمل ثقيل وعبؤه مكلف وتحدياته مصيرية للدولة وللشعب بأكمله والقضية قضية أمن قومي وقضية تهديد وجود كيان بكل أركانه ومكوناته ومقوماته.
وهذه الحروب التي اجتمعت علينا أولها هي حرب ضد وباء الكورونا فيروس كوفيد 19 والتي تعد حربا عالمية وجائحه صحية تمددت وانتشرت في كل أنحاء العالم مهددة القوي والضعيف من الدول على حد السواء، وتحصد الأرواح وتعطل السير العادي لحياة البشرية جمعاء وكل في إبتلائه غارق ومنشغل.
وثاني هذه الحروب هي الحرب ضد الارهاب التي تعد حربا إقليمية صنعتها الإمبريالية الاستعمارية لتنفيذ أهدافها بالوكالة لإعادة ترتيب المنطقة العربية خدمة لنظام عالمي جديد لصالحها، ويشعلها المغفلون من أبناء البلد بدعم إقليمي ودولي وقد قالها “رامس فيلد” وزير دفاع أمريكا في عهد الرئيس بوش الأب:”ستنفذ مهامنا بالمنطقة ألعربيه بألوكاله لوجد ألذرائع لتفجير الصراعات والحمقى المغفلون للتنفيذ ومن يدفع الكلفة هي دول الخليج الغنية.
وقبل العام 2011 كان التهديد موجودا لكنه محدود لسيطرة الدولة وقوتها وتواجدها في كل شبر من البلاد أما بعد 2011 استوطن الإرهاب وفرخ وصال وجال وأجرم وصنع الأحداث ولأثبات قوته وعزمه حاول الشروع في تنصيب إمارة في أطراف البلاد للزحف تدريجيا نحو المركز لكنه مني بهزيمة نكراء في ملحمة بنقردان07 مارس 2016 في أول محاولة لكن الخطر الإرهابي مازال قائما كمن يترصد لذلك فإن الحذر واليقظة الدائمة أمر واجب.
أما الحرب الثالثة التي تواجهنا فهي الحرب ضد الفساد المتأصل فينا كحكام وكمجتمع مع عدة أمراض سلوكية أخرى نبنهنا إليها العلامة ابن خلدون من زمان .. فساد ونفاق وانتهازية، والطاعة والاعتدال كرها لا حياء حتى أصبحت عقلية “رزق البيليك وإغنم وبعدي الطوفان” عقلية سائدة وعامة ونتعايش معها.
فالشعب لا يتورع عن الاستثمار في المآسي وقت الأزمات ومن آخر الأفعال الانتهازية 4000 موضف يتحيلون ويغنمون من الإعانات النقدية الموزعة على المحتاجين ومسؤول دولة محلي يتحيل ويحتكر مؤونة المحتاجين أما عن محترفي الاحتكار والغش فحدث ولا حرج طبيعة وطرقا ومجالات وهوية وانتمآتوصفة وفكرا ومقاما.
ما يجب القيام به لإدارة هذه الأزمة ومجابهة الحروب الثلاث
اولا يجب توحيد القيادة عن طريق قائد حازم تدعمه هيئة أركان متبصرة كفاءة وخبرة.
ثانيا الرؤية الواضحة والفهم الصحيح لكل حرب في هذه الأزمة لضبط كيفية مجابهتها .
ثالثا اتباع الخيارات الصحيحة والصائبة فلكل حرب متطلباتها من رجال ووسائل وإجراءات .
رابعا القدرة على إدارة الأزمة من خلال توزبف الرجل المناسب في المكان المناسب فلا يجب ترك مكان للمقصر والمتهاون والخائن للأمانة.
– خامسا إرادة قويه وحازمه تتجلى في الفعل الجاد وتطبيق القانون بكل صرامة.
سادسا إدارة فعالة ونشيطة وناجعة تتسم بالتنظيم وسرعة الفعل والمرونة في التصويب والتعديل.
سابعا تضامن وطني صادق يكون فيه الولاء لتونس ولا عاش فيها من خانها والخيانات أنواع وحيلها متعددة ومجالاتها كثيرة.
ثامنا وعي مجتمعي راقي فالمواطن هو قطب رحى كل معارك هذه الأزمة وهو مطالب بكل جدية بالانضباط والاتزان والتعاون فمصيره بنسبة كبيرة بيده وسلوكه حاسم في الفلاح والنجاة أو الخيبة ومزيد التعثر والسقوط.
مبادئ أساسية في إدارة الحروب
لم يعد مفهوم الحرب مقتصرا على الصراعات المسلحة بل تفرع وتوسع ليشمل عدة مجالات أخرى، وتبقى الحرب المسلحة أقدمها وأكثرها شيوعا وممارسة وضجيجا وتأثيرا وتداعيات وصنعا للتاريخ والحضارات
وقد حضيت الصراعات المسلحة بالدراسات لاستخلاص المبادئ والقواعد الأساسية لإدارتها لتصبح من المبادئ المرجعية التي يستأنس بها في إدارة عدة صراعات أخرى.
قد أجمع الباحثون والدارسون على وجود مبادئ ثابتة “للفن العسكري أو ما يسمى بمبادئ الحرب أو مبادئ الصراع المسلح “وإن اختلفوا في عددها فقد أجمعوا على أغلبها.
ومن بين هذه المبادئ التي يجب أخذها بعين الاعتبار في إدارة حروبنا الثلاثة التي نخوضها دفعة واحدة ونظرا للفوارق في طبيعتها فلابد من ملائمة وتطويع تطبيق كل مبدا بما يتماشى وخصوصية كل حرب..
اول مبدأ هو وحدة القيادة عبر توحيد المجهود وتنظيم العمل في كنف التعاون والتكامل بعيدا عن الفوضى والتشتت.
وثاني هذه المبادئ هو وضوح الهدف ويتجلى في وضوح الرؤية وما يجب القيام به والإرادة الحازمة.
ثالث مبدإ هو تركيز الجهد وتحديد العمل الحاسم ومتطلباته على مركز الثقل والأعمال التكميلية له.
رابع مبدإ هو الاقتصاد في القوى بمعنى تقسيط الجهد واستخدام الوسائل المتوفرة كما وكيفا في المكان والزمان بحساب دون إفراط ولا مبالغة ولا إستنزاف.
خامس مبدإ هو الحشد وتنظيم وتجميع القوى فلكل مهمة متطلباتها من الرجال والوسائل فيسخر لها ما تستحق كما ونوعا وصنفا وإختصاصا وخصويات لضمان الجدوى من التكامل والتعاون بينها .
خامس مبدإ هو التعاون والتكامل عن طربق الاستخدام المشترك لمختلف الوسائل المسخرة للمهمة والتخطيط للتوضيف ألمشترك لخصوصيات ومزايا كل وسيلة حتى تكون متعاونة ومتكاملة في تحقيق التأثير المطلوب لنجاح المهمة.
سادس مبدإ هو المرونة وحرية العمل والمبادرة فوحدة القيادة لا تعني المركزية المكبلة بل يجب ان تكون القيادة مرنة وتسمح للقيادات المرؤوسة بالاجتهاد والإبداع في التنفيذ وتمنحها حرية المبادرة في إطار السياق العام للقيادة المركزية.
سابع مبدإ هو الحيطة والأمن وهي الإجراءات الضامنة للأمن الفردي والجماعي، وهي مجموع الإجراءات والتدابير المتخذة لتحقيق السلامة بمفهومها الشامل بتفادي المفاجئات، وهي تستدعي معرفة حقيقة الخطر وتقدير حجمه ومصادره وإتجاهاته للتحضير الجيد للوسائل والتدابير والإجراءات الوقائية العلمية والمادية لتحقيق الأمن وتفادي المفاجآت واذا وقعت مفاجأة لذلك دليل على وجود خلل وتقصير في إحتياطات الأمن والسلامة.
تاسع مبدإ هو المحافظة على القوة المعنوية حيث أجمع كل المنظرين والدارسين على مر التاريخ أن القوة المعنوية محدد أساسي للنصر في الصراعات حبث يقول كل من :
* كلاوز فيتس: الحرب صراع معنوي بين إرادتين متعارضتين تنتصر فيها بالتأكيد الإرادة الأقوى/ نابليون: ليست الطرق التكتيكية هي التي تقرر وإنما إرادة القتال هي الحاسمة/ المارشال فوش: الحرب هي مجال القوى المعنوية والنصر في جوهره تكريس للتفوق المعنوي/ أفلاطون: الرجال وليس الأحجار يصنعون صور المدينة/ الجنرال باطون قائد الجيش الثالث الأمريكي في الحرب العالمية الثانية: تخاض المعارك بالوسائل وتربح بالرجال..
وبناء عليه لنا القول أن الروح المعنوية تقوى بالثقة في النفس والقيادة والانضباط والإيمان بالقضية والتشبع بالمبادئ والقيم والمثل العليا مثل الشرف والوفاء والوطنية والتضحية ونكران الذات. يبقى الإنسان هو الفاعل الرئيسي في كل الصراعات إما الفلاح وإلا الخيبة والكبوة..
رأي في ما يجب فعله لمجابهة الأزمة المعاشة
ان محاربة وباء الكورونا فيروس كوفيد19 ياركز على حماية وإعانة جنود الصف الأول من سلك الصحة والمسخرين لتأمين المرافق والحاجيات الأساسية العامة.
-ولأنه في المحن الشعب يخدم نفسه بنفسه وجب تفعيل عمل المجتمع المدني بتكوين لجان الأحياء لتنظيم الحياة داخلها من مراقبة ومنع التجاوزات والتجمعات المساندة في توزيع الإعانات لمستحقيها وتنظيم التزود وطلب النجدة والتبليغ عن كل التجاوزات باعتبارهم الأدرى بأحيائهم والأقدر على تسييرها في هذا الظرف العصيب، وهذا إجراء عملي وناجع ومردوده مؤكد لو طبق.
كما يجب توحيد مجهود توزيع الإعانات على مستحقيها تحت سيطرة الدولة لأن التشتت في التوزيع بري إلى استنزاف الموارد والى ارتكاب تجاوزات خدمة ببعض المصالح.
ويجب عدم المس بالمخزون الاستراتيجي للدولة من المواد الاساسية للغذاء تحسبا لأسوء الاحتمالات، مع تطبيق القانون بكل صرامة على كل متجاوز آثم.
ومن الضروري الاستعانة بقوات 5 الداخلي لكن بحساب دون إلهائهم عن مهامهم الأصلية الرئيسية لأن الإرهاب والجريمة والتهريب يترصدنا، علاوة على الاستعانة بقوات الجيش لكن بحساب أيضا ودون توريطه في صلب المعركة لأن العدوى محتملة في كل وقت ومكان وإصابة فرد سينجر عنه تفشي العدوى في الوحدات العسكرية لأنهم يعيشون في فضاءات جماعية وأي تسرب للعدوى للوحدات العسكرية خسارة كبرى وسيحرمنا من جاهزية عدة وحدات فتختل بذلك كل الموازين والإرهاب يترصدنا وحدودنا تصبح مفتوحة أمامه.
هذا دون ان نغفل عن ضرورة الاستنجاد بجيش الاحتياط عوض عدد من المباشرين الءين يجب ان يتفرجوا لمهامهم العملياتية، لكن المشكل ليس لنا جيش احتياط كاف يعول عليه عكس زمن السبعينات والثمانينات من القرن الماضي حيث كان لنا جيش إحتياط عتيد يتكون من جميع الأصناف رجال جيش وضباط صف وضباط لأن الخدمة الوطنية كانت الزامية ويتدرب دوريا على دفعات.
والاعتماد على أسلوب “التعينات الفردية” ساء الحال وهو ما بعتبر جريمة ارتكبت في حق الفرد والمجتمع والمؤسسة العسكرية والبلاد بصفة عامة والأمن القومي بصفة خاصة فما نملكه من إحتياط هو بعض الجنود وبعض الإطارات المسرحين بالتقاعد أو بالعزل ان موضوع الخدمة الوطنية وتكوين جيش الاحتياط مسألة جوهرية تتعلق بالأمن القومي وواجب إعادة النظر فيها بالمراجعة الجذرية.
ومن الحلةل أيضا توفير الأموال لمجابهة المصاريف المستجدة والمال موجود وبوفرة لكن الرصيد مفقود وخارج عن سيطرة ومراقبة الدولة.
ولتوفير الحاجة من المال على الدولة أن تفرض وجوب الدفع الفوري للشركات الربحية كالبنوك وشركات التأمين وشركات النفط والملح والفضاءات التجارية الكبرى والمصحات الخاصة وعدة شركات أخرى معروفة وأثرياء وأغنياء البلاد على ان تقرر الدولة المبلغ والدفع يكون إجباريا.
وتوفير حاجة الدولة من الأموال انك أيضا عن طريق استرجاع مستحقات الدولة من الفاسدين والمتهربين من دفع الضرائب وكلهم معروفون فردا فردا فعلى الدولة استرجاع المال المنهوب بالقوه لمن استعصى فلا تسامح ولا مصالحة في الحق العام فمن نهبوا بحوزتهم ما يفي بالحاجة حاضرا ولاحقا للتعافي من الآثار الأقتصادية للازمة الخانقة التي نعيشها.
إلى جانب توفير المال عن طريق طلب الإعانة من المنظمات الدولية وهو حق، ويتم الظفر به عن طريق التفاوض مع مانحي القروض لإعادة جدولتها ولما لا إلغائها بالنسبة لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وتحويلها إلى إعانات.
انا الحرب ضد الارهاب امستوطنل بيينا والذي يترصد ألفرص ولن يتورع في الإجرام والدليل أنه الاسبوع الفارط يوم 4 أفريل2020 ونحن في شدة أزمة الوباء حاولت مجموعة إرهابية النزول من جبل السلوم للقيام بعمل إرهابي لكن تواجد وفطنة قواتنا المسلحة أحبطت مخططاتهم واستبكت معهم وقتلت منهم إرهابيين.
-وهنا يجب الحذر في الحرب ضد الارهابيين لانهم في ظل وباء الكورونا فيروس سيعمدون إلى ترصد أي فرصة للقيام بعمل إجرامي .
كما أنه باسم الدين وبذريعة أن هذا الوباء هو عقاب من الله سيسعون لاستقطاب عديد من المتعاطفين معهم(ألله سبحانه ذكر في كتابه ألحكيم إنه عاقب أقواما وقرى ولم يذكر إنه عاقب الإنسانية جمعاء دفعة واحدة كما قال تعالى”ما أصابك من حسنه فمن الله وما أصابك من سيئه فمن نفسك” وقال تعالى”إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها”).
وتحت ستار السماح للمغتربين بالخارج بالعودة سيعود بل وقد عاد عدد ممن كانوا في بؤر الإرهاب ومروا بسلام من المراقبة وهم قنابل موقوتة وكلهم خطر مؤجل داهم وقادم.
لذا لا تتغافلوا عن خطر الإرهاب فهو قائم وبالتالي لا ترهقوا وتشغلوا وتغرقوا القوات النظامية المسلحة في معركة الكورونا فايروس متناسين الخطر الإرهابي أو تركه للصدف واستعينوا بهم لكن بحساب حتى لا يضيع ما حققناه في مقاومة الإرهاب.
والحرب الثلاثة وهي الحرب ضد الفساد الذي ولئن عم وانتشر وفرخ وأصبح عقلية يبقى مقدورا عليه إن صدقت الإرادة والهمة وثبتت العزيمة بالعمل الجاد الصارم بدون مجاملة ولا محسوبية ولا انتقاء، ولا التهاون في شؤون البلاد فلا يفل الحديد إلا الحديد في تصويب المسار وتقويم العباد.
اخيرا نخلص إلى القول أنه قد اجتمعت علينا ثلاثة محن دفعة واحدة لكنها مقدور عليها ونحن لها إن صلح وعزم أولي الأمر وتعاون المواطن واتزن في سلوكه ورب ضارة نافعة..
اللهم أخرجنا من هذه المحن سالمين معافين وغانمين لوعي راشد وعقل نير وفكر جماعي وطني جديد للتعافي والتدارك والانطلاق في مسيرة بناءة وصفحة جديدة في تاريخ تونس التي نريدها دولة قانون ومؤسسات قوية عادلة نامية مكتفية لمجتمع سليم بمواطن متوازن يجمع بين الأصالة والحداثة بكل تبصر وعقلانية.
ولا عاش في تونس من خانها.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات