الفئات: ثقافةمجتمع

المسحراتي أو بوطبيلة: مهنة تتحدى الزمن..وهذه أصولها التاريخية‎‎ (تقرير)

مع اقتراب موعد السحور يحمل الشاب علي أصيل مدينة مدنين طبله وعصاه وينطلق ليجوب الأحياء والأزقة لإيقاظ الناس..

هي مهنة لم يعينه بها أحد، بل نصب نفسه بنفسه منبها لايقاظ الناس دون أجر فأجره عند الله ومكافأته يتسلمها من سكان المناطق التي بجوبها خلال الأيام الثلاث الأخيرة من الشهر الكريم كل حسب مقدرته..

هذه المهنة بقيت صامدة في مدنين بفضل هذا الشاب الذي يعد أحد أهم مكونات المشهد الرمضاني بالمدينة..

كما أن هذه المهنة مازالت صامدة أيضا في عدد من مناطق بلادنا وحتى في مناطق دول اخرى توارثوها عبر السنين وأصبحت تمثل جزء من هويتها الثقافية وتراثها الشعبي غير المادي.
ويعرف ممتهنو هذه المهنة باسم “طبال السحور” أو “بو طبيلة” أو “المسحراتي”، وتعرف المهنة بمهنة الثلاثين يوما.

وفي غياب مراجع تاريخية موثقة وموثوقة، فإنه يجهل تاريخ بداية “مهنة” بوطبيلة في بلاد المسلمين، ولكن الذاكرة الجماعية تقول أنّ الصحابي الجليل بلال ابن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، هو أول من قام بتلك المهمة حيث كان يؤذن لإيقاظ الناس لتناول السحور، ثم يقوم الصحابي الجليل والمؤذن الآخر عبد الله بن أم مكتوم بأذان الفجر.

أما  أول شخص قام بمهنة بوطبيلة بالمعنى المتعارف عليه، أي باستعمال الطبلة فقد ظهر بحسب المؤرخين، بمصر، في العام 228 هجرية، وهو “عتبة بن إسحاق” حيث كان يذهب ماشيا من مدينة “العسكر” في”الفسطاط” إلى جامع “عمرو بن العاص”، وينادي الناس بالسحور.

وانتقلت هذه المهنة إلى بلدان المغرب العربي الكبير بشمال إفريقيا في عهد الدولة الفاطمية، التي تأسست في العام 300 هجرية، بمدينة المهدية ببلادنا والتي اتخذها المؤسسون عاصمة لهم، قبل أن ينقلوا مركزية الحكم إلى مدينة المنصوريَة، بالقرب من مدينة القيروان، ولما فتح الفاطميون مصر في العام 969 ميلادي، أسسوا مدينة القاهرة، شمال الفسطاط، وجعلوها عاصمتهم السياسية والروحية والثقافية الجديدة، وبقيت كذلك حتّى انهيارها في سنة 1171 ميلادية.

وفي عهد الدولة الفاطمية كان الجنود يتولون مهمة إيقاظ الناس، وبعدها عينوا رجلا أصبح يعرف بالمسحراتي، كان يدق الأبواب بعصا يحملها قائلا “يا أهل الله قوموا تسحروا”.

وحتى بعد انهيار الدولة الفاطمية، شخصية بوطبيلة استمرت في التواجد بالمغرب العربي، وواصل أداء مهمته حتى في عهد  الاستعمار الأوروبي لمنطقة شمال إفريقيا، إلى أن بدأت هذه الشخصية المميزة في الانسحاب من المشهد الرمضاني شيئا فشيئا لتقترب من الزوال والاندثار في السنوات القليلة الماضية بسبب تغير نمط الحياة بأغلب البلدان العربية.

Leave a Comment

Recent Posts

زغوان: معاينة تقسيم مقترح لبناء 135 مسكنا فرديا بالنّاظور ضمن البرنامج الخصوصي للسّكن الاجتماعي

أدّى فريق مشترك بقيادة ممثلي الإدارة العامة لوحدة التصرف حسب الأهداف بوزارة التجهيز والإسكان، اليوم…

2025/04/29

معدّل امتلاء السّدود يناهز 38،32 % إلى حدود 28 يوم أفريل 2025

مكّنت الأمطار الأخيرة من تحسين معدّل امتلاء السّدود، إلى حدود 38،32 بالمائة، إلى تاريخ 28…

2025/04/29

كرة السلة – BAL 2025: الفوز الثاني للاتحاد الرياضي المنستيري في داكار

تتواصل المنافسات في مؤتمر الصحراء ضمن دوري إفريقيا لكرة السلة (BAL 2025)، بمشاركة بطل تونس،…

2025/04/29

تونس: البنك الأوروبي للاستثمار يدعم الأولويات الوطنية في المجال البيئي

منَحَ البنك الأوروبي للاستثمار تونسَ خلال سنة 2024 ما يزيد عن 415 مليون يورو أي…

2025/04/29

تراجع الدولار بنسبة 4.8٪ مقابل الدينار: اي تأثير على الاقتصاد التونسي؟

تراجع الدولار أمام الدينار التونسي بنسبة 4.8٪، وفقا لآخر المؤشرات التي نشرها البنك المركزي التونسي…

2025/04/29

طقس اللّيلة: الحرارة تتراوح بين 13 و 18 درجة

تكون السّماء ليل الثّلاثاء 29 أفريل 2025، مغشاة بسحب عابرة بأغلب المناطق ثم ظهور ضباب…

2025/04/29