مجتمع

بقلم عبد العزيز القاطري: معضلة السيـارات الأجنبية العــالقة بتــونس أو عندمــا يجتمع الّلامعقول بالّلاإنســاني

عندمــا كنت مبــاشرا لعملي صلب الإدارة العــامة للدّيــوانة تقدّمت، صحبة ثلة من خيــرة الضبّــاط بها، بعدّة تقــارير حول سبل الرفع من نوعية الخدمــات لفائدة المتعــاملين، أشخــاصا كــانوا أو مؤسّســات، وبعدّة دراسات حول إعــادة هيكلة الدّيــوانة ومقــاومة التّهريب وغيرهــا من مجالات تدخل الإدارة، لكنها بقية طيّ الرفــوف، لتعــارضها مع مصــالح المتنفذيــن خــارج الإدارة أو داخلهــا.

ومــواصلة لهذا المجهــود، أتنــاول في هذا المقــال معضلة يتعرّض لهــا الكثيــر من التّــونسييــن المقيــمين بالخــارج ومن الأجــانب، ألا وهي طـرق تسوية تجــاوز مدّة جــولان السيّــارات الأجنبية المــوردة وقتيّــا.

منذ الإستقلال، حضي المواطنون التونسيــون المقيـمـون بالخـارج بإجراءات استثنـائية، سواء عند عودتهم النهـائية أو الوقتيـة إلى أرض الوطن، أو عند إنجاز مشاريـعهم الإستثمـارية به. ولعل أحد أبرز تلك الإمتيـازات تتمثل في تمكيـنهم من توريد سيارة للإستعمال الشخصي عند العودة الوقتـية، بمـوجب رخصة جولان dyptique صالحة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد شريطة دفع معلـوم الجولان للفترة المتبقية من السنة، مع الإعفـاء من أية أداءات أومعاليم أخرى، شريـطة إعادة تصدير العربة عند نهاية مدة رخصة الجولان، طبقا لمقتضيات الفصل 160 من مجلة الديـوانة القديـمة حول التوريـد الوقتي، وقرار وزير المالية المؤرخ في 29 ديسمبر 1955 الذي يضبط شروط تطبيق ذلك الفصل.

وفي صورة تجاوز مدة الترخيص، فإن ذلك كان يُعدُّ مخالفة ديوانية بسيطة (من الدرجة الأولى)، يتم تسويتها بسهولة بدفع خطية بخمسين دينارا والتمديد في رخصة الجولان للسيارة قصد تصديرها.

لكن بعد دخول مجلة الديـوانة الجديـدة حيز التنفيــذ في غرة جانفي 2009، تم طبق الفصل 233 منها دمج نظـام التوريــد الوقتي للعربات من طرف المسـافريــن ضمن نظام أشمل، إسمه نظام القبول المؤقت، والذي يُمكِّن من الاستعمال على التراب الديواني مع توقيف العمل الكلي أو الجزئي للمعاليم والأداءات المستوجبة عند التوريد لجميع أنواع البضائع المعدة لإعادة التصدير، بما فيها وسيلة النقل الموردة من قبل المسافر المقيم بصفة اعتيادية بالخارج والقادم للإقامة مؤقتا بالبلاد التونسية. وقد حدّد الأمر عدد 711 لسنة 2009 مؤرخ في 11 مارس 2009 حالات وشروط الانتفـاع بذلك النّظـام.

وبذلك، لم تعد السيارات المورّدة لقضاء العطلة تتمتع بالنظــام المبسط القديـم من حيث طرق التسوية عند تجــاوز آجــال رخصة الجولان، بل أصبحت تلك التّسـوية تخضع لنفس شروط تسـوية البضــائع الموردة من طرف المؤسسـات الإقتصادية لأغـراض تجـارية تحت هذا النظــام، بحيث علاوة على خطايا التّأخيــر الإعتبـاطية والتي قد تصل إلى آلاف الدينــارات، نص الفصل 238 على دفع إتاوة تساوي ثُمُن (1/8) مبلغ المعاليم والأداءات المستوجبة (كما لو وقع التصريح بالبضائع تحت نظام الوضع للاستهلاك عند تاريخ دخولها إلى التراب الديواني)، وذلك عن كلّ ستة أشهر تأخيــر، علما أن كل يوم تأخيـر في السداسية الداخلة موجب لدفع الأتاوة المتعلقة بهــا.

ومـا يزيد الطين بلة هو تقييم السيارات الأجنبية طبقا لسعر الصرف الذي ناهز هذه الأيـام 3.3 دينار لليورو الواحد، وتوظيف معـاليم وأداءات بنسب خيالية تناهزأحيــانا الـ400%، مقـابل تمتيع السيارات الموردة من قبل عائلات الريع الإقتصادي المتنفذة والمتحصلة دون غيرها على رخص وكلاء معتمدين بنسب تفاضلية جدا.

ولنأخذ مثلا سيارة جديــدة نوع بيجو308، سعة اسطوانتها 1،6 لتر، تشتغل بالبنزين وعلبة سرعتها يدوية. فبينما يعرضها الوكيل المعتمد للبيع بسعر يتراوح بين 68000 و85000 دينار باعتبار جميع الأداءات وتكــاليف النقل ونسبة الربح، فإن مصالح الديوانة تقيّمها عندما يتم توريدها من طرف الأشخاص العاديين بـ 68500 دينار خالية من الأداءات، وتخضع لنسبة أداءات بـ%225,85، أي مبلغ أداءات 154709 دينار، أي بقيمة جملية 223209 دينارا، بفارق 138209 دينار عن الوكيل.

فلو تجاوزت الفترة المرخص لها ولو بيوم واحد، فإن صاحبها مجبر على دفع ثُمُن مبلغ الأداءات، أي إتــاوة بـ 19338 دينار، علاوة على الخطية، ونفس المبلغ عن كل ستة أشهر تأخير مستقبلا.

هذا بالنسبة لسيــارة متوسطة من نوع بيجو 308، أمّــا لو تعلّق الأمــر بسيّــارة فخمة مثل رنج روفر سبورت، فإن الأداءات قد تفوق الـ1،1 مليون دينـار، وبالتالي تكون الإتــاوة بـ137500 دينار عن كل ستة أشهر تأخيــر.

وإذا اعتبرنا اضطرار الكثيرين للمكــوث بتــونس سواء بسبب الكــوفيد أو جرّاء الصعــوبات الإقتصــادية التي يعيــشونها في بلد الإقــامة، فإنه يمكــن تصـوّر الحــالات المأساوية التي أصبحــوا يعيــشونها، وهذا مــا يفسر الوقفة الإحتجاجية التي نفّذهــا عشرات من الإخوة الجزائريين أمام مقر الإدارة العامة للديوانة، بعد أن طالبتهم الديوانة بخلاص أداءات على سياراتهم تصل حدود عشرات آلاف الدينارات.

الآن، المطلــوب من إدارة الدّيــوانة مـراجعة مــوقفهــا من هذه القضيّـة عـاجلا، وذلك بتقديــم مشروع تنقيح لمجلّــة الدّيـــوانة يقضــي بسحب نظــام التوريــد الوقتي للسيّــارات من نظــام القبــول المـؤقّت من جهة، وإعــادة إخــراج مخــالفة عدم الوفاء الكلّي أو الجزئي بالتعهدات المكتتبة بسندات الإعفاء بكفالة أو بالالتزامات المنطبق على هذه الحـالة، من المخــالفات من الدّرجة الثــانية المنصوص عليــها بالفصل 382، إلى المخــالفات من الدّرجـة الأولى المنصــوص عليـها بالفصل 381، من جهة أخـرى، مع تنقيــح الأمر عددد 711 لسنة 2009 في نفس الإتّجــاه، بمــا يمكّن من تسويــة الوضعيــات المتعلقة بتجــاوز آجــال رخص الجــولان لمدّة تفــوق السنة بطــرق تعمد الّليــن والتفهّم للحــالات الخــاصة والإنســانية، وذلك بإلغــاء إجــراء دفع الأثمــان المعمــول بهـا حاليا، والإكتفــاء بالخطيّــة المبدئية ( (amende de principeالمقدّرة بمـائة دينــار حاليا، مع إمكــانية رفعهــا إلــى بضع مئــات الديــنارات، نظــرا لبقــاء مبلغ هذه الخطية منذ عقــود دون تغييـــر.

 

 

 

 

 

 

 

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى