مجتمع

بقلم عبد العزيز القاطري: هل تزعزع الصّين وروسيا النّظام المالي العالمي المبني على هيمنة الدّولار؟

بعد أن صنفت الولايات المتحدة، الثلاثاء 06 أوت الماضي، الصين كدولة تتلاعب بسعر صرف العملة، قرّرت العمل مع صندوق النقد الدولي للقضاء على “الميزة غير العادلة” التي اكتسبتها الصين من خلال خفض اليوان مقابل الدولار إلى الحد الأدنى منذ ديسمبر الماضي.

وتأتي هذه الإجراءات كردّة فعل أمريكيّة على قرار روسيا والصين في موفى جوان الماضي الاستغناء عن الدولار الأمريكي في الحسابات التجارية بينهما والاعتمادعلى العملات الوطنية حسب صحيفة إيزفيستيا (الأخبار)الروسية.

وأذكّر هنا أنّه في إطار السعي للحدّ من الهيمنة الغربية عامة والأمريكية خاصة على عالم الماليّة ومنه على الإقتصاد العالمي، أمضت كل من روسيا والصين منذ 2014 عقدين بمبالغ مهولة لبيع الغاز الرّوسي للصين لمدّة 30 سنة، لكن الجديد في هذا هو التنصيص على أن يكون الدّفع باليوان الصيني و بالرّوبل الرّوسي، في تصعيد صريح للمواجهة مع أمريكا، معلنين من خلال تخلّيهما عن الدّولار الأمريكي كعملة مبادلات.

وما من شكّ هنا أن العقوبات الإقتصادية التي تم إقرارها من طرف الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ضدّروسيا آنذاك عقب النزاع مع أكرانيا حملها على البحث على أسلحة جديدة في المجال المالي لمجابهة الأزمة، مستغلّة في ذلك قربها الجغرافي والإسترتيجي مع الصين،وعزم البلدين على توسيع تعاونهما إلى مجالات أخرى.

وقد تجلّى ذلك في السعي المشترك للقوتين العظميين (روسيا والصين) الهادف إلى إضعاف سيطرة الدولار كعملة عالمية، بالإضافة لبعث وكالة ترقيم وبنك تنمية خاصين بهما، ومنظومات دفع منافسة لمنظومتي VISA و .MASTERCARD

لطالما سيطر الغرب على الأسواق المالية، وتربّع الدولار كعملة على عرش الإحتياطي المالي العالمي، وانبسط نفوذ S&P و MOODY و FITCH كسلطة وحيدة لتقدير ملاءة (solvabilté) الشركات والبلدان، وبقي صندوق النقد الدولي تحت هيمنة الغربيين إلى اليوم، لذلك لا غرابة في أن يبقى ترقيم روسيا والصين سيئا نسبيا (AA- بالنسبة للصّين و BBB بالنّسبة لروسيا) لدى الوكالات الثلاث المشار إليها والتي ما فتئت تمنح أعلى ترقيم AAA لأمريكا وهي الدّولة الأكثر مديونيّة في العالم، وهو ما يُرفِّع في نسب الفائدة التي استوجب عليهما دفعها عند الإقتراض ويثني المستثمرين على منحهما قروضا.

هذا وقد تولّت وكالتا S&P و MOODY تخفيض ترقيم روسيا بعد اجتياحها للقرم إلى BBB، وهو ترقيم لا يفوق ترقيم أرخص الدّول إلاّ بدرجة وحيدة.

وأمام خطورة الوضع ودرءا لنتائج هذه الهيمنة، لم يكن أمام الروس من بد من التحرك بسرعة وذلك عن طريق رئيسهم الذي أعلن رسميا قراره بأن يكون سداد مبيعات الغاز مستقبلا بالرّوبل بدلا من الدّولار وبتسريع التعاون مع الجار الصيني ضمن اتفاقية شاملة تُبرم في الغرض. وفعلا فقد أوردت وكالة الأنباء الروسية خبرا نقلته عن صحيفة “كومرصنت” مفاده توجّه سفينتين محملتين بـ 000 80 ألف طن من البترول الروسي إلى أوروبا سيقع سداد ثمنها بالروبل وليس بالدولار، في حادثة هي الأولى من نوعها.

أما الإجراء الآخر الذي تم اتخاذه من طرف روسيا والصين لزعزعة القوّة المالية للغرب فيتمثل في إنشاء بنك خاص للتنمية في منافسة مباشرة مع صندوق النقد الدولي كردّ على عدم الإستجابة لاحتجاجهما المستمر على ضعف تمثيلية البلدين داخله، حيث أن الصين التي تمثل ثاني اقتصاد في العالم وهي في طريقها إلى المرور للمرتبة الأولى خلال السنة الجارية تمتلك حقوق تصويت أقل من بريطانيا مثلا.

وتعتزم روسيا كذلك بعث اتحاد اقتصادي يورو-آسيوي يكون للروبل فيه دور العملة المركزية للمبادلات، وتأمل الصين من جهتها فرض عملتها الـrenminbi أو اليوان في المبادلات الدولية، إضافة لما عبّر عنه بوتين من رغبة في إرساء منظومة دفوعات وطنية منافسة لـ VISA و MASTERCARD، قرارات تم استقبالها بامتعاض من طرف الدّول الغربية، حيث لم تتردّد الصحيفة الألمانية DIE WELT في مقارنتها بسباق التسلح خلال الحرب الباردة متوقعة حربا مالية مع الغرب وضربا لما فرضته أمريكا من هيمنة دون منازع على الإقتصاد العالمي عبر الدّولار منذ سنة 1945.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى