مجتمع

بقلم عبد العزيز الڨاطري: لَسْتُمْ لَهُ حَافِظُونْ

يقول تعالى ذكره: ( إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ ) وهو القرآن ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).

الديمقراطية نظام سياسي يضمن حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر بكل حرية، وبالتالي ينفي الوصاية الدينية على المواطن من أيّ كان، سواء كان إماما أو ملى أو مرشدا أو حاكما أو وكيل جمهورية.

والديمقراطية مفهوم مدني شامل يستوعب جميع الديانات وحتى غير القائلين بها، في حين أن الدين عقيدة صلبة تقوم على الإيمان واعتبار من لا يشاركنا ذلك الإيمان ممّن لا دين له أو له دين آخر أو تراجع عن الدين كافرا، مع ما يوجبه ذلك من قتالهم “حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله” أو إقامة حدّ الردة عليهم، خاصة في ضل القراءات الأصولية لبعض أحكام القرآن والسنة، كقوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ، وغير ذلك من الأحاديث التي دونت بعد مائتي سنة أو أكثر من وفاة الرسول والتي تجعل من أصحاب الديانات الأخرى أعداء، دون أن ننسى ما تزخر به خطب أيام الجمعة من أدعية التدمير والتشتيت عليهم.

والفرد في الدولة الديمقراطية سواء كان رجلا أم إمرأة ليس تابعا ولا قنا ولا خروفا في قطيع، هو مواطن كامل الحقوق المدنية، بما في ذلك حقه في أن يؤمن أو لا يؤمن، وفي أن يمارس شعائره أو لا يمارسها، أي أنه ليس للدولة أو لأي كان أن يمنعه من ممارسة تلك الشعائر أو أن يجبره عليها أو أن يحاسبه على عدم القيام بها، وبالتالي فإن الدولة تضمن سلامته الجسدية والمعنوية من أي اضطهاد، وأي تهاون منها في هذا المجال، أو أي محاولة لتبرير أي اعتداء باسم الدين أو مشاعر المتدينين، هو هدم لقيم الحرية والديمقراطية.

لذلك، ترى كل المنتسبين للحركات المتطرفة التي تتخذ من الدين اصلا تجاريا، لمّا يتم اضطهادهم في بلدانهم، لا يطلبون اللجوء في البلدان الاسلامية التي تطبق الشريعة مثل السعودية أو إيران أو افغانستان أو الصومال…، لأنهم لن يعدموا حركات أخرى أكثر تطرفا أو اشدّ حرصا على المتاجرة بالدين تقوم بتكفيرهم وقتلهم، وإنما يلجأون للبلدان الأوروبية التي تكرس العلمانية رغم انها من مرادفات الكفر لديهم، لأن العلمانية وحدها قادرة على استيعابهم رغم غلوّهم وخلافاتهم مع بني ديانتهم وحتى فيما بينهم، وحتى الذين لجأوا للسودان الإخواني في بداية التسعينات فهموا سريعا أن لا مأمن لهم هناك، وغادروا لبريطانيا وفرنسا وغيرها.

ورغم تقدم العلم وانخراط الشعوب المنافسة لنا في سباق جنوني نحو الإختراعات والإكتشافات، بحيث إسرائيل ترسل مركبة لمارس، والصين ترسل مركبة للوجه المخفي من القمر، فإننا لازلنا الى اليوم نطارد المفطرين في المقاهي لأنهم “يجرحون مشاعرنا”، ونضطهد النساء في لباسهن وفي عملهن وفي إرثهن لانهن ناقصات عقل ودين ولهن نصف شهادة الرجل ونصف نصيبه في الإرث، ولا زلنا إلى الآن لا نعلم أي يوم سيكون عيد الفطر وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية والمولد النبوي، رغم أن المجاهر الفلكية الإلكترونية قادرة على تحديد موعد خروج القمر قبل أشهر بالجزء المليون من الثانية.

ومن مظاهر هذه الوصاية التي ما أتى الله بها من سلطان، محاكمة مواطنة تونسية، (تسطير على مواطنة)، من أجل مشاركتها لنص أدبي إبداعي، يحاكي النفس القرآني في شكله، بمبادرة من النيابة العمومية التي بادرت باستنطاقها من طرف سبعة مساعدي وكيل الجمهورية في غياب ممثل الدفاع، وتوجيه تهمة “المسّ بالمقدسات والاعتداء على الأخلاق الحميدة والتحريض على العنف” لها، تهمة تصل عقوبتها إلى ثلاث سنوات سجنا.

في ضل تفشي الجريمة الخطيرة والمنظمة، واستفحال الفساد، والتهديدات الارهابية، وتورط من هم في الدولة في تهديد أمنها الخارجي وفي استباحة استقرارها الداخلي، وفي ضل تراكم قضايا الإرهاب والاغتيالات منذ سنوات دون ختم البحث فيها واحالتها، تجد النيابة العمومية الجهد والوقت لتسخيرها ضد هذه المواطنة، وتسخر سبعة من ممثليها لاستنطاقها طيلة ساعات، بينما لم تحرك ساكنا أمام التهديدات التي وصلتها بالقتل والسحل.

بالمقابل، لم تحرك النيابة العمومية ساكنا أيضا عندما ألقى الأستاذ قيس سعيد في إحدى محاضراته كلاما أكثر محاكاة للقرآن، ابدل فيه عبارات الموؤودة وبأي ذنب قتلت بالعبارات التالية: وإذا الدساتير سئلت باي حبر كتبت. فأين مساواة الجميع أمام القانون يا حضرات؟

إنّ أيّ حزب سياسي يبني مبادئه وبرامجه على استغلال الدين في التأثير على الناخبين أو في اضطهاد المعارضين وتكفيرهم هو حزب غير ديمقراطي وغير دستوري ويجب معاملته على أنه عدوّ للدّولة وللديمقراطية وللسلم والأمن، والعمل على مقاومة فكره على هذا الأساس الى ان يتم دحره من المجتمع وحله قانونا، لأنه يستغل ما توفره الديمقراطية من حرية لضرب الحرية، ويسعى لإقامة الخلافة الدينية وبالتالي إلغاء الديمقراطية التي جاءت به للحكم.

كما أنه لا توجد أحزاب دينية معتدلة وأحزاب دينية متطرفة، فكلها تصب في خانة واحدة، إلغاء الدولة الوطنية، وما المجموعات المتطرفة السلفية الأصولية إلا الحارس الخلفي للمجموعات التي تدعي الاعتدال، ورديفها في مسار تكريس الخلافة.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى