ملفات

تراجع امتلاء السدود رغم غزارة الأمطار: أين يكمن السر؟ 

على الرغم من هطول الأمطار بكميات تبدو كبيرة في الأشهر الأخيرة، تواجه تونس تحدياً هائلاً يتمثل في تراجع امتلاء السدود ! و يُثير هذا الوضع المقلق تساؤلات حول العوامل المسؤولة عن هذه الظاهرة، مما يدفعنا إلى تحليل بيانات هطول الأمطار والعوامل المؤثرة على ملء السدود وتحديد الحلول لضمان إدارة مستدامة للموارد المائية.

تحليل هطول الأمطار:

تُشير بيانات المعهد الوطني للرّصد الجوي إلى أن متوسط ​​هطول الأمطار السنوي في تونس يتراوح بين 300 و400 ملم.

ولكن، لا يتمتع توزيع هطول الأمطار بالتساوي على كامل الأراضي التونسية، حيث تعاني بعض المناطق، مثل الجنوب، من شحّ في الأمطار، بينما تتلقى مناطق أخرى، مثل الشمال، كميات غزيرة.

يُعدّ التوزيع الزمني لهطول الأمطار كذلك عاملاً حاسماً آخر في ملء السدود.فالأمطار الغزيرة خلال فترة قصيرة قد تتدفق بسرعة دون التسلل إلى التربة وتغذية المياه الجوفية.

فعلى سبيل المثال، شهدت تونس عام 2022 متوسط ​​هطول أمطار سنوي 350 ملم،وهو أعلى قليلاً من المتوسط التاريخي، لكن تركيز هذه الأمطار في أشهر الشتاء والربيع قلّل من تأثيرها على امتلاء السدود.

العوامل المؤثرة على امتلاء السدود:

بالإضافة إلى هطول الأمطار، تلعب عوامل أخرى دورًا هامًا في ملء السدود في تونس:

التبخر: يُسبب التبخر، خاصة خلال فترات الجفاف الحارة، فقدانًا كبيرًا للمياه من السدود. ففي عام 2022، بلغ متوسط ​​التبخر السنوي 1500 ملم، أي ما يقرب من أربعة أضعاف كمية الأمطار المسجلة.

التسربات وفقدان المياه: قد تُعاني بنية السدود من تسربات أو فقدان للمياه، مما يؤدي إلى انخفاض حجم المياه المخزنة. ويقدّر المرصد الوطني للفلاحة نسبة التسربات وفقدان المياه بحوالي 10٪ من إجمالي حجم السدود في تونس.

تزايد الطلب على المياه: يُشكل الطلب المتزايد على المياه من الفلاحة والصناعة والاستخدامات المنزلية ضغوطًا على الموارد المائية للسدود. ففي عام 2022، وصل الطلب على المياه في تونس إلى 10 مليارات متر مكعب، أو حوالي 80% من الطاقة الإجمالية للسدود.

وكمثال حي ملموس على ما أسلفنا، فقد بلغ في سنة 2022، متوسط ​​معدل امتلاء السدود في تونس 52% ومع الأخذ بعين الاعتبار الخسائر الناجمة عن التبخر (1500 ملم) والطلب على المياه (10 مليار متر مكعب)، تنخفض نسبة الملء هذه إلى حوالي 37%.

حلول للإدارة المستدامة للموارد المائية:

لمواجهة تراجع ملء السدود، من الضروري اتباع حلول لتحقيق إدارة مستدامة للموارد المائية في تونس،

ومن أهمها:

تحسين البنية التحتية للسدود: تجديد بنية السدود للحد من التسرب وفقدان المياه يُعدّ ضروريًا لتحسين إدارة الموارد المائية.

تنفيذ أنظمة ري موفرة للمياه: اعتماد تقنيات ري أكثر كفاءة، مثل الري بالتنقيط، يُساهم في تقليل استهلاك المياه في القطاع الزراعي، الذي يُعدّ المستهلك الرئيسي للمياه في تونس.

رفع مستوى الوعي حول استهلاك المياه: تُعدّ حملات التوعية بين عامة الناس لتعزيز الاستخدام المسؤول للمياه، وخاصة عن طريق الحد من النفايات، أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على موارد المياه.

إنّ أزمة نقص ملء السدود في تونس تُشكل تحدياً هائلاً للأمن المائي في البلاد، وتُهدد مختلف القطاعات، من الفلاحة والصناعة إلى الاستهلاك المنزلي.

لا بدّ من التأكيد على أنّ المسؤولية تقع على عاتق جميع الجهات المعنية، من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، للعمل معًا بشكلٍ مُنسّقٍ لمواجهة هذا التحدي المُلحّ.

إنّ مستقبل تونس المائي يتطلّب تضافر الجهود وتغيير السلوكيات وتبني ثقافة ترشيد استهلاك المياه.

وختامًا، لا بدّ من تذكر أنّ الأمن المائي لا يُمكن تحقيقه إلّا من خلال جهدٍ مُستدامٍ يُشارك فيه الجميع، لضمان حصول الأجيال القادمة على مياهٍ كافية ونظيفة.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى