مجتمع

النص الكامل لكلمة الطبوبي خلال المؤتمر الاستثنائي لاتحاد الشّغل بسوسة

أشرف اليوم الخميس 8 جويلية 2021 الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي على افتتاح المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي للمنظمة الشّغيلة بمدينة سوسة.

هذا وتحصلت تونس الرقمية على النص الكامل لهذه الكلمة التي وردت كما يلي:

أخواتي المؤتمرات، إخوتي المؤتمرين،

ينعقد المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي للاتحاد العام التّونسي للشّغل اليوم 8 جويلية بسوسة، هذه المدينة العريقة في النّضال النّقابي والوطني والتّي أفرزت صفوة من خيرة المناضلين بالاتّحاد العام التّونسي للشّغل في مختلف محطّاته النّضالية وعلى رأسهم الأخ الفقيد المناضل حسين الكوكي شهيد معركة استقلالية الاتّحاد في جانفي 1978.

ويلتئم مؤتمرنا هذا تنفيذا لقرار المجلس الوطني الذي انعقد في أوت 2020 والذي تداول في هذا الشأن بكلّ حريّة واستقلاليّة وديمقراطيّة ومسؤوليّة وأقرّ ضرورة عقد المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي للاتّحاد العام التّونسي للشّغل للنّظر في سُبل وآفاق تطوير منظّمتنا بعيدا عن التّجاذبات الانتخابية التّي قد تحيد بالنّقاش البنّاء عن مساره الطّبيعي والمضيّ على نهج الإصلاح والتّحديث، وحيث تأجّلت أشغال مؤتمرنا بسبب جائحة كوفيد-19 التّي اجتاحت بلادنا، وحيث سعينا بكلّ مسؤولية إلى اتّخاذ كافّة التّدابير الاحتياطية والوقائية كما لمستموه جليّا في إطار إجراءات الاستقبال بالتّنسيق والتّشاور التّام مع الأطراف المعنية وعلى رأسها كلّ من اللّجنة العلمية لمجابهة جائحة كوفيد-19 ووزارة الصّحّة، فقد عقدنا العزم مع الهيئة الإدارية الوطنية على عقد المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي في هذا التاريخ و سيتداول المؤتمرون، كما تعوّدنا في اتّحادنا العتيد، بكلّ حرية ومسؤولية وبُعد نظر فيما سيعرض عليهم من تنقيحات تهمّ القانون الأساسي للاتّحاد العام التّونسي للشّغل التّي طرحها المنتدى النّقابي وحظيت بمصادقة المجلس الوطني وبعد دراستها من قبل الهيئة الإدارية الوطنية في جلستها المنعقدة بتاريخ 2 جويلية 2021، وتتنزّل هذه التّنقيحات المقترحة على أخوّتكم ضمن تصوّر شامل ونظرة إصلاحية تحديثية جامعة لعديد الجوانب والمسائل التي تهمّ آليات تجديد المسؤوليات صُلب هياكل الاتّحاد من أجل إضفاء مزيد من التّناغم والنّجاعة عليها وتنظيم العمل الإداري وتطويره ومزيد تجويد التصرّف في الموارد اللوجيستية والبشرية لكي نهيّئ منظّمتنا للتحديّات القادمة ونستشرف المستقبل بالحكمة والعقلانية اللّازمتين ونحافظ على ريادة دورها الوطني والاجتماعي والتّعديلي ونُبقيها في صدارة قُوى الخير والبناء والاقتراح في وطننا الذي نطمح لدفعه إلى أرحب آفاق النّمو والتّنمية والرّقي.

الإخوة والأخوات،

وإذ يلتئم مؤتمرُنا هذا الذي نطمح أن ينجح في إحداث نقلة نوعية داخل منظّمتنا ووضعها في مسار متقدّم، يلتئم وبلادنا تعيش أزمة دستورية وسياسية عميقة لم تُعرف لها سابقة، أزمة تهدّد الدولة الوطنيّة في كينونتها وفي مكاسب دولة الاستقلال وقد تجلّت في السّعي المحموم لاستباحة السّيادة الوطنية وتفكيك مؤسّسات الدّولة.

تنطلق أشغال مؤتمرنا الاستثنائي غير الانتخابي في ظلّ تفشّي جائحة كوفيد-19 التي اجتاحت بلادنا وحصدت حياة الآلاف الذين نترحّم على أرواحهم الزّكية، وفي غياب استراتيجية واضحة لإدارة الأزمة الصّحية وضعف نسق التّلقيح بما حكم على الجميع تارة بملازمة الحجر الصّحّي وطورا بالتّعايش مع الوباء وسط حالة من التّرقّب والانشغال وفي إطار تراجع رهيب لنشاطنا المؤسّساتي والاقتصادي وارتباك حكومي واضح في اتّخاذ القرار. وهو ما أدّى إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية كارثية لعلّ أبرزها تراجع نسبة النّموّ إلى مستويات سلبية لم تشهدها بلادنا منذ الاستقلال ومزيد اتّساع رقعة الفوارق الاجتماعية والتّباينات الجهوية.

ودون الدّخول في تفاصيل هذه الجائحة وضعف إدارة الأزمة الوبائية فإنّ ما يمكن تأكيده أنّ الجائحة أعادت للمسألة الاجتماعية أهميّتها القصوى من خلال ترسيخ علويّة الإنسان بعد أن غيّبها الجشع ونزعة التسلّط والاستبداد كما أعادت لدور العنصر البشري صدارته وتحديدا الأطبّاء وأعوان التمريض والإسعاف والإنعاش وأعوان التنظيف والتعقيم والأمن والجيش والإدارة التّونسية وحزامها من المتطوّعين من نشطاء المجتمع المدني والمواطنين ومصانع التموين والإمداد والخدمات في المرفق العمومي وجميعهم من عمّال الفكر والسّاعد بناة البلاد حماة الوطن.

فتحيّة إكبار وإجلال لجميعهم على سخاء عطائهم وعلى روح التضحية التي أبدوها رغم الضّعف الفادح للإمكانيات وضبابية القرارات السّياسية وتوجّهات الدّولة ورغم التّهرّب من تحمّل المسؤولية ورغم خطورة المضاعفات الصّحية، وإنّها لمناسبة متجدّدة لنشدّد مرّة أخرى على ضرورة إيقاف النّزيف المتواصل لهجرة الكفاءات التّونسية وعلى ضرورة تعزيز قدرات مؤسّساتنا العمومية وعلى الإسراع بإصلاح المرفق العمومي.

واليوم ونحن نعايش مع بقية شعوب العالم تداعيات هذه الجائحة ينبغي التّأكيد أنّنا مقدمون لا محالة على جملة من التّغييرات الهيكلية الكبرى وعلى رأسها الانتقال الرّقمي والطّاقي والبيئي إضافة إلى التّغيير المناخي وأزمة المياه وارتفاع درجات الحرارة ومستقبل العمل وسوف نشهد، أحببنا أم كرهنا، عديد المراجعات الجذرية سواء في مستوى العلاقات الدولية والجيوسياسية والجيوستراتيجية أو في مستوى القيم والمفاهيم والمصطلحات والأنماط الثّقافية والمجتمعية ومناهج التفكير والعمل والتقييم.

مناضلات الاتّحاد ومناضليه،

ينعقد مؤتمرنا بعد مرور أربع سنوات ونصف على انعقاد المؤتمر الثالث والعشرين للاتّحاد العام التّونسي للشّغل تحت شعار “الولاء لتونس، الوفاء للشهداء، والإخلاص للعمل”. وهو المؤتمر الذي حمّلنا أمانة جسيمة تتمثّل في الإشراف على تسيير شؤون منظّمتنا.

كانت البلاد، ونحن نتسلّم الأمانة، تعيش منعطفا خطيرا مشحونا بالتّجاذبات والصّراعات ممّا خلّف حالة من اليأس والإحباط ومن الاحتقان الشّديد طال الأفراد والجهات والقطاعات. ورغم بصيص الأمل الذي راودنا بفضل نجاح تجربة الحوار الوطني، لم تفلح مختلف الحكومات المتعاقبة في استعادة هيبة الدّولة وإنفاذ القانون على الجميع من دون استثناء ولم تتمكّن من إيقاف نزيف الانفلاتات الخطيرة المربكة التّي كانت ولا تزال تقودها بارونات المال الفاسد النّافذة وهواة السّياحة الحزبية والبرلمانية والمنتشون بالخطابات الشعبوية وعصابات التّهريب ومحترفو الإرهاب والتّكفير والفتنة والجريمة المنظّمة.

فالجهات الدّاخلية بأبنائها المفقّرين وشبابها المعطّل عن العمل، وطاقاتها وخيراتها المهدورة بقيت على حالها تتجاذبها مشاعر الأمل والخيبة في تحقيق وعود انتخابية لم تنجز ومشاريع استثمارية موعودة لم تر النّور وتنمية وتوزيعا عادلا للثّروة لم يتحقّقا وعدالة اجتماعية سارت كالسراب.

وقد أصبح الوضع الاجتماعي في غاية التّوتر والاحتقان نتيجة لتردّي الأداء السياسي وتمييع الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية للتّونسيين والتّونسيات من قبل المؤسّسات الحزبية والبرلمانية وتفشّي عقلية التّطاول على علوية القانون وعلى هيبة الدولة والتنكّر للتعهّدات سواء في إطار المفاوضات الاجتماعية أو في سياق الحوار المجتمعي مع الجهات المهمّشة والفئات المحرومة.

لقد كنّا ندرك جسامة المسؤولية التّي تنتظرنا، وخصوصيّة ودقّة المرحلة التي تمرّ بها بلادنا وثقل المهام التي أوكلها لنا المؤتمر من خلال لوائحه، سواء من أجل تحصين البيت الدّاخلي بما يساعد على إعادة تأهيل المنظّمة لتمكينها من مواكبة المتغيّرات والتّعامل الناجع مع المستجدّات وتعزيز ديمومتها وإشعاعها، أو للتّموقع الجيّد في المشهد الانتقالي الوطني والدولي الذي لم تكتمل ملامحه بعد والمتّسم بالعديد من التّقلّبات والتّغييرات المتسارعة.

كان علينا العمل على واجهات عديدة لتثبيت مكانة الاتحاد، وكما يقول حشاد” لنؤمّن مهمّة الجندي في جبهة التّقدم الإنساني ولنقاوم كلّ السّياسات التي تتعارض مع هذا المنهج”.

أيّها المناضلون أيّتها المناضلات،

إنّ المتابع للمشهد السياسي على امتداد السّنوات الأربع والنصف الأخيرة يدرك بسهولة مدى إفلاس العديد من نخبنا السياسية التي حكمت البلاد حيث أمعنت في إطلاق الوعود الزّائفة والشّعارات الواهية والواهمة نتيجة افتقادها لبرامج فعلية ولرؤية إصلاحية حقيقية ولإرادة صادقة في النّهوض بالبلاد ، كما يدرك مدى تأصّل عقلية حبّ الذّات ومنطق الغنيمة والحسابات السّياسوية والفئوية الضّيقة التّي لا تمتّ بأيّ صلة للمصلحة الوطنية ، بعد أن تبيّن أنّ التوافق بفضل تجربة الحوار الوطني التي حيّاها العالم بأسره لم تكن لدى البعض إلاّ مناورة لاحتواء الخصم والتمكّن منه بدءا بالفترة الأخيرة من حكم الرّئيس الرّاحل الباجي قائد السبسي رحمه الله وما عرفته من تجاذبات لم تفلح وثيقة قرطاج في إطفاء فتيلها، مرورا بالملابسات التي حفّت بالانتخابات التّشريعية والرّئاسية الأخيرة لسنة 2019 التي أفرزت مشهدا سياسيا متشرذما ومتشتّتا اتّسم بصعود تيّارات شعبوية وعنيفة وبارونات المال الفاسد وانجرّ عنه واقع سياسي هجين وهشّ تجلّى بالخصوص في المساومات التّي رافقت تشكيل مختلف الحكومات وفي احتداد التّجاذبات السّياسية والتّراشق بالاتّهامات بلغت حدّ التّخوين والتّكفير والعنف وبثّ خطاب الكراهية من خلال التّحريض المفضوح على التّباغض والتّناحر إمّا على خلفية الاصطفاف الإيديولوجي والعقائدي أو على خلفيّة قراءات أحادية الجانب لصلاحيات المؤسّسات الدّستورية من أجل فرض سياسة الأمر الواقع، ومنطق الغلبة والاستفراد بالرّأي، مع ارتفاع غير مسبوق لمنسوب الاحتقان السّياسي.

لقد كان أملنا كبيرا في تجاوز الأزمة السّياسية وأنّ جائحة كورونا سوف تعيد نخبنا السّياسية إلى رشدها بعد أن كشفت للجميع الخلل الهيكلي الفادح على الصّعيدين الاجتماعي والاقتصادي وعلى مستوى المنظومة الصّحية، وأظهرت عقم المنوال التّنموي الذي انتهجته مختلف الحكومات المتعاقبة التّي لم تقم إلّا باعتماد نفس أدوات الفشل بالرّغم من الدّعوات المتكرّرة لمراجعة السّياسات نحو العدل والإنصاف ونحو الاستجابة الفعلية لمستلزمات التّنمية المستدامة وشروط الحوكمة الرّشيدة ومقتضيات المسؤولية المجتمعية.

ولكن وللأسف الشّديد مضت الطّبقة السّياسية غير واعية بما هي مقدمة عليه وتكفي الإشارة إلى تواصل تعطيل استكمال المحكمة الدّستورية على خلفية المحاصصة والتّموقع، وإلى ما يحدث بمجلس نوابّ الشّعب الذي أصبح عنوانا لتشويه العمل البرلماني والسّياسي ومسرحا للمهازل المخجلة بشتّى أنواعها وفضاء لمشاهد متكرّرة تتعلّق بتبييض الإرهاب والتّطرّف وللعنف اللّفظي والمادي، بالتّوازي مع استفحال الأزمة السّياسية التي ألقت بظلالها على كافّة الأصعدة السّياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والمجتمعيّة والصّحية والمعيشية فتدهورت جميعها بشكل لم تعرفه بلادنا على مرّ التّاريخ مع تواتر الهزّات الاجتماعية وتفاقم الفقر والبطالة وبلوغهما مستويات قياسية ولعلّ الارتفاع الخطير لمنسوب الاحتقان الاجتماعي وتعدّد الاحتجاجات وانفلات بعضها مؤشّر صريح ينذر بما لا تحمد عقباه.

وكان لزاما على الاتّحاد العام التّونسي للشّغل عملا بثوابته الوطنية ووعيا منه بدقّة وخطورة الأوضاع أن لا يبقى في موقف المتفرّج وأن يهبّ لإنقاذ تونس من هذا المنزلق الخطير عبر آليات الحوار المسؤول وفي الأطر التّي يكفلها الدستور وبعيدا عن الاصطفاف ورغبة في إنقاذ تونس، لا إنقاذَ هذا الطرف أو ذاك كما يروّج البعض، وتقدّمنا للغرض بمُبادرة للحوار الوطني للسّيد رئيس الجمهورية باعتباره المؤتمن دستوريّا على استمرارية الدّولة وأمنها القومي ووحدة ترابها الوطني والسّاهر على حماية المصالح العليا لبلادنا وعلى احترام تطبيق الدستور، وحيث لم يسجّل إلى حدّ الآن أيّ تفاعل إيجابي ملموس من أيّ من الأطراف المعنيّة بالحوار بل لوحظت محاولات من هنا ومن هناك للالتفاف على المبادرة وتأبيد الأزمة وكأنّ أمر البلاد والعباد ودقّة الأوضاع السّياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والصّحية في تونس لا تعني أطراف الأزمة، لتجد المجموعة الوطنية نفسها في منحى أشدّ تأزّما وخطورة على ضوء أزمة الحكم وتنافر السّلط وتصّلب مواقفها وتعنّت كلّ طرف منها ممّا انجرّ عنه شلل شبه تامّ في عمل كافّة مؤسّسات الدّولة بما كانت له انعكاسات جدّ وخيمة على الاقتصاد الوطني وعلى النّسيج الاجتماعي وأساسا سوء إدارة الأزمة الصّحية النّاجمة عن وباء كورونا التّي حصدت آلاف الأرواح من التّونسيات والتّونسيين مع تتالي الأرقام المفزعة لعدد الإصابات والوفيات وعدم تطويق السّلالات الجديدة نتيجة الارتباك الواضح في اتّخاذ القرار السّياسي وغياب الاستشراف والتّخطيط وسياسات المرافقة الاجتماعية والاقتصادية وخاصّة ضعف نسق التّلقيح على نحو مخجل مقارنة بالعديد من الدّول في العالم.

واليوم لم يعد يخفى على أحد أنّ الأزمة سياسية بامتياز فقد مثّل غياب الحوكمة السياسيّة الجديّة والانخرام التّامّ للمناخ السّياسي هيكليّا ومؤسّساتيّا وأخلاقيّا وتفشّي ثقافة المحاصصة الحزبية ومنطق الغنيمة وغياب روح المسؤولية وعبث طيف لا يستهان به من الطّبقة السّياسية مثّل عاملا كبيرا في تأزيم الوضع وتعقيده بل سعى البعض إلى تأبيده من خلال الاستثمار في أزمة الحكم والتّشتّت الحزبي والصّراع الواضح بين السّلط للدّفع بالبلاد ومؤسّسات الدّولة إلى حافّة الانهيار وضرب أمن ووحدة ترابها الوطني والانزلاق نحو الفوضى وتطبيق أجنداتهم المعروفة ولعلّ حادثة اقتحام نوّاب يتحتمون بالحصانة البرلمانية لمطار تونس- قرطاج والمحاولة المفضوحة للتّعدّي على علوية القانون والتّطاول المرفوض على المؤسّسة الأمنية وشرفاء الأمن الوطني أفضل مثال صريح على ذلك.

وبالتّوازي، وإذ يتابع الرّأي العام الوطني بانتباه شديد ما تضمّنه تقرير التفقدية العامة لوزارة العدل الذي نشرته هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، من مقتطفات مثيرة لإخلالات فاضحة تبعث على التّساؤل والانشغال العميق حول وضع منظومتنا القضائية، وإنّنا نشدّد مرّة أخرى في هذا الظّرف الدّقيق على أنّ استقلالية القضاء ونزاهته وتفانيه في خدمة المتقاضي والمصلحة الوطنية لا غير وحرصه على إنفاذ القانون على الجميع من دون انتقائية بات معركةً لا مفرّ منها لكي تتمكّن بلادنا من رفع التّحديات القادمة في شتّى المجالات السّياسية والاقتصادية والاجتماعية والتّنموية و التّكريس الفعلي للحوكمة الرّشيدة و مكافحة الفساد.

وفي نفس الوقت فإنّنا نجدّد دعوتنا إلى تكريس ثقافة الأمن الجمهوري بالعمل على خدمة المواطنات والمواطنين في كنف احترام القانون وحقوق الإنسان، أمن جمهوري يعمل على محاربة الإرهاب والتّطرّف والتّهريب والعنف والجريمة المنظّمة ويشكّل دعامة أساسية لتنمية شاملة ومستدامة ولكنّه أيضا وبالأساس أمن يحترم الحقوق والحرّيات.

واليوم بات من اللّازم إيقاف النّزيف فقد اتّضح جليّا عدم ملاءمة النّظامين السّياسي والانتخابي لخصوصيّة وهشاشة التّجربة الدّيمقراطية بتونس حيث مثّلا عائقا واضحا أمام حلحلة الأوضاع وتجاوز الأزمة السّياسية، كما بان بالكاشف أنّ منظومة الحكم تتضمّن العديد من الهنات التي بات من الواجب مراجعتها، وهو ما تضمّنته مبادرتنا التي تقدّمنا بها إلى رئيس الجمهورية من أجل حوار هادئ ومسؤول يفرض على كافّة الأطراف السّياسية تحمّل مسؤوليّاتها الأخلاقية والقانونية والجلوس إلى طاولة الحوار أو إعادة الأمانة لأصحابها من انتخابات جديدة تسبقها تنقيحات مهمّة في الدستور وفي المجلّة الانتخابية وفي قانون الأحزاب والجمعيات وخاصّة في مصادر تمويلها والمضيّ بعدها إلى انتخابات مبكّرة.

أخواتي المؤتمرات، إخوتي المؤتمرين،

إنّ إصرار اتّحادكم وتمسّكه التّام بحلّ المعضلة السياسيّة ليس من قبيل العبث أو الانجرار إلى التّجاذب أو الاصطفاف مع أي طرف سياسي كان بل هو نابع من مُنطلق إيماننا العميق بأنّ أصل الأزمة الحالية سياسي بامتياز وعليه فإنّ حلّ المسألة السياسيّة هو قطعا المدخل المنهجي الوحيد للانكباب على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في وطننا.

وكما تعلمون فإنّ التّوازنات المالية الكبرى للبلاد منخرمة نظرا لمديونيّة تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء ممّا أوصل البلاد إلى حافّة الإفلاس. وفي هذا الصّدد فإنّ الاتّحاد العام التّونسي للشّغل يستهجن الطريقة غير الشّفافة التي تتوخّاها الحكومة في مفاوضاتها مع صندوق النّقد الدّولي ومع سائر الجهات المانحة، فتُفشي ما تشاء وتتستّر على ما تشاء ولعلّ التّسريبات التّي تداولتها وسائل الإعلام حول المراسلات بين الحكومة وصندوق النّقد الدّولي لأبرز دليل على خطورة بعض التّعهّدات التي التزمت بها الحكومة دون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنيّة العليا والحقوق المكتسبة للشّغالين واختزال الأمر في أمور تقنية ورقمية وفي وصفات جاهزة لكلّ زمان ومكان أثبتت التّجارب فشلها وذلك لعدم اكتراثها بالانعكاسات الاجتماعية والإنسانية لمثل هذا الاختزال في حين أنّ المديونية مرتبطة بضعف الحوكمة وغياب التّخطيط وعدم التّطرّق إلى ملفّ الإصلاح الجبائي الذي نذكّر أنّنا دعونا مرارا وتكرارا وبكلّ إلحاح إلى ضرورة المضيّ سريعا في هذا الملفّ ضمانا لتكريس العدالة الجبائية ومحاربة التّهرب والغشّ الجبائيين علاوة أنّ الوضع الاقتصادي المتأزّم يقتضي أيضا دفع الاستثمار والتّخفيف من وطأة التّعقيدات الإدارية عبر إصلاح الإدارة ورقمنتها لوضعها في خدمة التّنمية العادلة والشاملة والمندمجة والمستدامة.

كما نؤكّد على ضرورة احترام وتجسيد مقتضيات الدّبلوماسية الاقتصادية وتعزيزها دفعا لعجلة الاستثمار والنّموّ والتّنمية ببلادنا ومحافظة على سمعة بلدنا في المحافل الإقليمية والدّولية وعلى سلامة مناخ الأعمال بتونس، خصوصا مع ما لوحظ من تضارب في التّصريحات وعدم تجانس المقاربات الدّيبلوماسية في هذا الصّدد خاصّة في المفاوضات مع المانحين الدّوليين أو الزّيارات للشّركاء الاقتصاديين لتونس وهو ما عبّر عنه العديد من السّفراء من أصدقاء تونس والمنظّمة والذّين نوّهوا بمصداقية الاتّحاد العام التّونسي للشّغل وإصداحه بالحقيقة وبرأيه مباشرة بالحجّة والبرهان.

أمّا فيما يخصّ المنشآت العمومية فإنّنا هنا ومن مؤتمرنا هذا نكرّر دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل لإنقاذها وإصلاحها وحوكمتها حالة بحالة على قاعدة الحفاظ على عموميتها وديمومتها واستدامتها وتطوير قدراتها التنافسية ونجاعتها الاقتصادية.

أخواتي المؤتمرات، إخوتي المؤتمرين،

لقد تسبّبت جائحة كورونا في مزيد تعقيد الأوضاع في عديد من القطاعات الاقتصادية وفقدان مواطن الشّغل ومن واجب الحكومة التّفكير في برنامج لدفعها ومؤازرتها حتى تتمكّن من تجاوز هذه الأزمة والمحافظة على مواطن الشغل اللائق والوقوف إلى جانب شغّاليها وحقوقهم الاجتماعية منها والاقتصادية.

كما بيّنت الجائحة ضرورة النّهوض بقطاع النّقل وتطوير أدائه عبر الرّفع من تنافسيته ونجاعته مع ضمان جودة خدماته الاجتماعية، كما تحتاج بلادنا إلى تطوير قطاعي الفلاحة والصّيد البحري إنتاجا وتصديرا وتسويقا وهو ما يقتضي تجديد أسطول الصّيد البحري وإيجاد حلول جذرية لمشاكل تمويل المشاريع الفلاحية ومشاكل الملكية العقارية وتجزّؤ الأراضي الفلاحية وتشتّتها وأيضا إعادة هيكلة الأراضي الدولية من أجل خارطة فلاحية واضحة في خدمة أهداف الأمن الغذائي وهذا يفترض أيضا تطوير إستراتيجية وطنية للمحافظة على الثّروات الطّبيعية وترشيد استغلالها.

كما يجب أن تعمل الدولة على حلحلة مسألة العجز الطّاقي، وفي هذا الشأن لا بدّ لنا لمؤسّساتنا العمومية الوطنية من التّفكير في مزيد النّهوض بالطّاقات المتجدّدة والبديلة عوضا عن الطّاقات الكلاسيكية التّي أصبحت سببا للتّغيرات المناخية المنذرة بمشاكل خطرة على التّوازنات البيئية الكبرى، ونعتبر أنّ الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر بات اليوم ضرورة ملحّة باعتباره صديقا للبيئة ويكفل حقوق الأجيال القادمة في بيئة ومحيط سليمين مع الدّعم الكامل للشّركة التّونسية للكهرباء والغاز.

ولعلّ من أكثر القطاعات تعرّضا للانعكاسات السلبية لجائحة كورونا هو من دون شكّ قطاع السّياحة والمطاعم والصّناعات التّقليدية الذّي أصبح اليوم قطاعا منكوبا بأتمّ معنى الكلمة وعلى الحكومة إيجاد الحلول الملائمة لهذا القطاع بوجه عامّ وللنّزل المغلقة منذ سنوات بوجه خاصّ واتّخاذ إجراءات المرافقة الضّرورية لفائدة العمّال المسرّحين في انتظار وضع منظومة التّأمين على فقدان مواطن الشّغل التّي تشتغل عليها المنظّمة بمعيّة بقيّة الشّركاء الاجتماعيين منذ سنة، ولا يفوتنا التّساؤل بخصوص بطء معالجة معضلة مديونية القطاع السياحي وعدم المضيّ في تنويع المنتوج السياحي ودعم السياحة الثقافية والبيئية والصّحيّة تأسيسا لمناعة القطاع إزاء الهزّات الدّاخلية والخارجية.

أخواتي المؤتمرات، إخوتي المؤتمرين،

لكم أن تفخروا بانتمائكم للاتّحاد العام التّونسي للشّغل تلك المنظّمة الوطنية التّي ساهمت في تحرير البلاد وفي بناء الدولة الوطنية دولة الاستقلال والتّي خاضت بكل اقتدار معركة الاستقلالية وفرضتها على السلطة آنذاك، منظّمتكم التّي احتضنت معارك الحرية والديمقراطية ثمّ ائتُمنت على الانتقال الديمقراطي وعلى مسار ثورة الحرية والكرامة الوطنية. اتحادكم، الذي لم يتراخ عن دوره الوطني المتعلّق بحتمية المضيّ الفعلي في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستوجبة، لم يتراجع عن دوره الاجتماعي في الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشغّالين، ودون العودة إلى حصيلة السنوات الثلاث الأولى التي عرضنا تفاصيلها في التقرير الأدبي للمجلس الوطني الفارط، فقد أمضينا اتّفاقا مع الحكومة حول الغلق النّهائي لملفّ عمّال الحظائر وإدماجهم وأنهينا بموجب اتفاق 6 فيفري 2021 معضلة عدم تنفيذ الاتفاقيات القطاعية وبدأت الأوامر بالصدور تباعا وأمضينا اتفاقات في عديد من مؤسّسات القطاع الخاص تقضي بالزيادة في أجور العمّال ومازال أمامنا عمل كثير في هذا الصدد. وفي نفس الوقت أعدنا إحياء اتّفاق 26 أكتوبر 2018 بمقتضى اتّفاق 31 مارس 2021 والقاضي بتكوين لجان:

 لجنة أولى للإصلاح المنظومة الجبائية وإرساء العدالة الجبائية كمدخل للعدالة الاجتماعية،

 لجنة ثانية لدراسة الإصلاحات الضّرورية بالمؤسّسات العمومية،

 لجنة ثالثة للنّظر في سبل إصلاح منظومة الدّعم في علاقة بدعم المواد الأساسية والمحروقات،

 لجنة رابعة وتعنى بالنّظر في منظومة الدّعم المباشر وغير المباشر للقطاعات،

 واللجنة الخامسة وتعنى بالنّظر في التّحكّم في الأسعار وإعادة هيكلة مسالك التّوزيع،

وستكون هذه اللّجان لجان تفكير مشتركة بهدف صياغة إطار عملي للإصلاحات المستوجبة ترفع للحكومة والاتّحاد العام التّونسي للشّغل، إلاّ أنّنا وإلى اليوم لم نجد تفاعلا جديا من الحكومة في تفعيل هذا الاتفاق.

أخواتي المؤتمرات، إخوتي المؤتمرين،

تحتاج السّياسة الاجتماعية للدولة العديد من الإصلاحات العميقة والجوهرية والضّرورية. ولعلّ أهمّها تأهيل القطاع الصّحي العمومي وتوفير الموارد المالية واللّوجيستية لذلك حيث أثبتت جائحة كورونا أنّ قطاع الصّحة العمومية هو الملاذ الوحيد لتوفير الخدمات الصّحية خاصّة لفائدة الفئات الاجتماعية الضعيفة والهشّة وعليه يتعيّن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوفير الأدوية والتّجهيزات الطبية والإطار الطبي وشبه الطبي في كافة المنشآت الصّحية العمومية.

كما يقتضي الإصلاح تحسين الخدمات المسداة من طرف الصّندوق الوطني للتّأمين على المرض مثل تطوير آليات تحمّل المصاريف واسترجاعها والتّرفيع في سقف تأمين المصاريف خاصّة للأمراض المزمنة.

ونحن نعقد مؤتمرنا هذا صدرت بعض نتائج الامتحانات الوطنية والجامعية ويجري أبناؤنا دورة التدارك في الباكالوريا، لذلك ننتهز الفرصة لنهنّئ الناجحين والمتفوّقات والمتفوّقين منهم ولنرجو لكلّ أبنائنا التألّق ونتوجّه إلى كافة الإطار التربوي والجامعي بخالص التحية على روح التضحية والتفاني الذي أبدوه لإنقاذ سنتين دراسيتين في زمن الجائحة ونترحّم على من فقدناهم من المربّيات والمربّين ونرجو للجميع السلامة والصحّة، وكنّنا في نفس الوقت ودائما في إطار رؤيتنا الاستشرافية نعتبر أنّه قد آن الأوان للمضيّ قدما في إصلاح منظومات التّكوين المهني والتّربية والتعليم الجامعي عبر تحديد محاورها وآجال تنفيذها وكيفية تمويل العملية الإصلاحية ويبقى هدفنا من الإصلاح تحسين جودة التّعليم والتّكوين العموميين باعتبارهما مصعدا اجتماعيا لا سلعة للتبادل والبيع مع ضمان تكافؤ الفرص بين التّلاميذ والفئات والجهات وتعميم التّعليم ما قبل المدرسي والحدّ من ظاهرة الانقطاع المدرسي التّي ناهزت منذ سنة 2013 معدّل 100.000 تلميذ سنويا.

كما أنّ نجاح إصلاح المنظومة التّربوية يقتضي النّهوض بالبنية التّحتية لكافّة المدارس التّربوية وكيفية تمويلها وتحسين وضعية المربّين والغلق النّهائي لملفّ المعلّمين والأساتذة النّواب مع ضرورة تطوير برامج التّكوين والرّسكلة.

وإنّ تدنّي نسب نتائج النّجاح في الامتحانات والمناظرات الوطنية في بعض الجهات بصفة متواصلة منذ سنوات تقتضي تنفيذ برامج خصوصية لهذه الجهات دفعا للتّنمية الجهوية للحدّ من البطالة والتّهميش والفقر والتّباينات الجهوية.

وبما أنّ منظومات التّربية والتّكوين المهني والتّعليم العالي والبحث العلمي مرتبطة ارتباطا وثيقا، وعملا على تعزيز الاندماج فيما بينها، فإنّنا نطالب أيضا بإحياء إصلاح منظومة التّعليم العالي والبحث العلمي وبتركيز إستراتيجية وطنية للبحث العلمي تتلاءم مع المنوال التّنموي الوطني الجديد الذّي نصبو إلى تركيزه والاستجابة المرنة والسّريعة لجملة التّحديات التّي فرضتها جائحة كوفيد-19.

أخواتي المؤتمرات، إخوتي المؤتمرين،

إنّ التّضخّم المالي الذي يعرفه قطاعا السّكن والبعث العقاري منذ عقدين قد حرم شرائح واسعة من التّونسيات والتّونسيين من اقتناء مسكن لائق، لذا فإنّنا ننادي من هذا المنبر إلى النّهوض بالسكن الاجتماعي تعديلا للسّوق وتمكينا للفئات المتوسّطة والضّعيفة من الوصول إلى امتلاك منزل عائلي.

إنّ هذا التضخّم لم يشمل قطاع السّكن فقط بل شمل كلّ أوجه الأنشطة الاقتصادية ممّا تسبّب في زيادة الأسعار وضرب المقدرة الشرائية للمواطنين. وندعو في هذا الشّأن إلى تقليص التّضخم وتحسين سياسات تشكيل الأسعار ومرافقة مسالك التّوزيع وتنظيمها وتأهيل أسواق الجملة للحّد من عدد الوسطاء ومحاربة الاحتكار.

إنّنا نجدّد تمسّكنا أيضا بمكافحة البطالة والقطع مع التّشغيل الهشّ وخلق فرص العمل اللائق وإصلاح سياسات التّشغيل وتقييم مختلف البرامج والسّياسات العمومية والصّناديق الرّامية إلى دعم التّشغيل وهذا الأمر مرتبط أيضا وكما قلنا سابقا بإصلاح المنظومة الوطنية للتّكوين المهني الأساسي والمستمرّ للرّفع من قدرات ومؤهّلات رأس المال البشري، كما ندعو أيضا إلى تقييم السّياسات الاجتماعية المقترحة للتّقليص من حدّة الفقر والتّصدي للتّهميش الاجتماعي.

أخواتي المؤتمرات، إخوتي المؤتمرين،

إن هجرة الأدمغة والكفاءات التونسية والتّي أخذت خلال العشر سنوات الأخيرة منحى خطيرا وكارثيا وخسارة على كل الأصعدة للمجموعة الوطنية، وهي نزيف وطني يهمّ قطاعات إستراتيجية وحسّاسة كالصّحة والتّعليم العالي والهندسة، لذا يتوجّب على الحكومات أن تنتبه للأمر وتعتمد السّياسات الكفيلة بالمحافظة على كفاءاتنا الوطنية.

إنّ هجرة الكفاءات لا يجب أن تنسينا ملفّ الهجرة السرية وملفّ التّونسيين المفقودين في عديد البلدان الأوروبية جرّاء الهجرة غير النظامية وأيضا ملفّ العمالة الإفريقية الوافدة وهي ملفات ينبغي الاعتناء بها على أتمّ وجه وفق مبدأ رعاية الحقوق.

أخواتي المؤتمرات، إخوتي المؤتمرين،

إنّنا وإذ قدّمنا فيما سبق تصوّراتنا ورؤانا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسّياسية، فإنّ ذلك ينبع من إيماننا العميق بالحوار الاجتماعي وبأنّه أفضل السّبل لكي تتمكّن بلادنا من مواجهة المصاعب والمشاكل النّاتجة عن أوضاع عالمية وإقليمية وداخلية متحرّكة ومتغيّرة على الدّوام وازدادت حدّة وتسارعا بعد جائحة كوفيد-19.

هذا ولا يفوتنا تجديد دعوتنا وتمسّكنا بفتح مفاوضات في الوظيفة العمومية والقطاع العام، كما ندعو أيضا الاتّحاد التّونسي للصّناعة والتّجارة والصّناعات التّقليدية إلى مفاوضات في القطاع الخاصّ بجانبيها المالي والتّرتيبي تعديلا للمقدرة الشرائية لكافّة الأجراء.

إن مستقبل بلادنا يقتضي عقدا مجتمعيا جديدا يقطع مع سلبيات الماضي ويؤسّس لدولة عصرية مدنية ديمقراطية اجتماعية عادلة تشعّ على محيطها الإقليمي والدولي وتسودها ثقافة الحوار الاجتماعي على جميع المستويات، دولة تضمن الحقّ في الشغل اللاّئق وتكرّس قيمة العمل وتنشر ثقافة المواطنة والتّميز والنّجاح وقيم التّسامح والتّضامن والانفتاح واحترام حرية الرّأي والتّعبير وتضمن المساواة الفعلية والتّامة بين الجنسين، ويكون فيها للحكم المحلّي دور مهمّ في إطار دولة واحدة موحّدة فاعل مبدؤها الحوكمة الرشيدة والشفافية.

مناضلات الاتحاد ومناضليه،

من حقّكم أن تفتخروا بمنظمتكم فجبهتها الداخلية موحّدة وحدة صمّاء تتعزّز بتكريس الديمقراطية واحترام القانون، وهي الآن ودوما في موقع قوّة، قوّة الاقتراح والبناء، بوصلتها المصلحة الوطنيّة لا غيرها. وإنّنا رغم ذلك نسعى كما كان ذلك أمرنا من قبل إلى تطوير أدائنا النّقابي وتحديثه، ممّا يستوجب منّا جميعا التّواصل والتّنسيق بين جميع هياكل الاتّحاد والالتزام بقانونه الأساسي وبنظامه الداخلي وبقرارات هياكله وبأهدافه وتوجّهاته.

ويقتضي منّا أيضا العمل على المحافظة على صورة الاتّحاد ورصيده لدى الرّأي العام الوطني ودعم حاضنته الشعبية والتّأكيد على مزيد إشعاعه العربي والقارّي والدولي لدى المنظّمات النقابية الصّديقة والمنظّمات الدولية ونحرص في هذا الشأن على استقلالية القرار النّقابي عن أي تأثيرات سياسية أو حكومية. كما يتطلب منّا تطوير الأداء النّقابي تحديد أهدافنا ومطالبنا بكلّ دقّة والتّعريف بها والارتقاء بالتّكوين النقابي لتنمية قدرات النّقابيين والإحاطة بالشّباب واستقطابه وتحيين النّظام الداخلي بصفة مستمرّة ومتواصلة تواكب تطوّرات عالم الشّغل والعمل النّقابي ومستقبل العمل.

كما يتطلّب منّا هذا الأمر تجديد الخطاب النّقابي وتحيينه وتعصير عمل إدارة الاتّحاد العام التّونسي للشّغل ورسكلة وتكوين موظّفيه وفق مبادئ الشّفافية والنّجاعة ومواكبة الطفرة الرقمية والحوكمة الرشيدة.

كما يجب علينا دعم القيم النقابية السّامية كنظافة اليد وسلامة السلوك وروح التضحية وأيضا الحوار الهادئ والنّقاش البنّاء واحترام الاختلاف والقبول بالرّأي والرّأي الآخر داخل أطر المنظّمة وقبول دون تجريح أو تجريم أو تخوين طبقا لقواعد التّضامن النّقابي والدّيمقراطية والمسؤولية والانضباط لمؤسّسات المنظّمة وهياكلها ومقرّراتها، مع العمل على تعزيز ثقافة الانتساب والعمل والبذل وتثمين المجهود والمواطنة والحداثة والدّفاع المستميت عن النّمط المجتمعي التونسي.

الأخوات المؤتمرات الإخوة المؤتمرون،

ينعقد مؤتمرنا هذا والعالم يعيش من جديد على وقع اعتداء غاشم للاحتلال الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة الغربية بتعمّد هدم المنازل وطرد السّكان الفلسطينيين في محاولة لتوطيد احتلاله الاستيطاني وفرض الأمر الواقع.

أختم وأقول أنّ انتصارنا الكامل للقضية الفلسطينية لا يتأتّى من باب العصبية العرقيّة أو الدينية وهو لا يستهدف ديانة أو جنسا بل ينخرط في ضرورة وقوف أحرار هذا العالم مع حقّ تاريخي لا مراء فيه، عدالته واضحة وحتمية النهوض ضدّ الظلم والاستيطان وعربدة الكيان صهيوني غاشم، مع الإيمان بأنّ استمرار هذه المظلمة يمثّل وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.

العزّة لتونس، المجد للشّهداء

عاشت وحدة العمّال بالفكر والسّاعد

عاش الاتّحاد العام التّونسي للشّغل حرّا، مستقلّا، ديمقراطيا ومناضلا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى