اقتصاد وأعمال

تقرير دولي: بسبب تعرضها لمخاطر المالية العمومية، البنوك التونسية الأكثر تأثرا بالصراع الروسي الأوكراني

نشرت بداية هذا الأسبوع وكالة التصنيف الائتماني “ستندارد اند بورز جلوبال” تقريرا بعنوان “البنوك في الشرق الأوسط وأفريقيا: انكشاف متفاوت على الصراع الروسي الأوكراني”. وتتوقع الوكالة، بشكل عام، ان تعاني البنوك المصنفة في الشرق الأوسط وافريقيا من تداعيات مباشرة طفيفة جراء الصراع بين روسيا واوكرانيا وذلك لأن تعاملاتها محدودة مع الأطراف المقابلة في البلدين.

كما تقدر انه من المرجح أن يكون القطاع المصرفي في كل من تركيا وتونس الأكثر تأثرا بالتداعيات السلبية غير مباشرة لهذا الصراع، في حين تعتبر أن تظل البنوك السعودية والإماراتية وجنوب أفريقيا بعيدة نسبيا عن هذه التداعيات.

تأثير الصراع الروسي الاوكراني

تشمل الآثار الرئيسية غير المباشرة للصراع، حسب تقييم الوكالة، فهي تشمل ارتفاع أسعار النفط، مما سيعزز الاقتصادات المُصّدرة للنفط ويؤثر سلبا على البلدان المستوردة للنفط وارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما سيؤدي إلى ضغوط تضخمية وعجز في الحسابات الجارية علاوة على زيادة نفور المستثمرين من المخاطرة، مما قد يزيد من هشاشة الأنظمة المصرفية التي لديها صافي دين خارجي كبير.

وتم التأكيد على ملاحظة نقاط ضعف كبيرة في بعض الأسواق الناشئة جرى حصرها بصفة مباشرة، أو بناء على تلقي استفسارات محددة من المستثمرين بشأن تداعيات الصراع الروسي الاوكراني.

وتقر وكالة “ستندارد اند بورز جلوبال” بحالة عدم اليقين الكبيرة بشأن مدى ونتائج وعواقب الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا. وبغض النظر عن مدة الأعمال العسكرية، من المرجح أن تبقى العقوبات والمخاطر السياسية ذات الصلة سارية لبعض الوقت. هذا ويمكن أن تشمل الآثار المحتملة حدوث تفكك في أسواق السلع – لا سيما النفط والغاز – واضطرابات في سلاسل التوريد، والمزيد من الضغوط الناتجة عن التضخم، وتراجع معدلات النمو، وتقلبات في أسواق رأس المال. وبين التقرير عزم الوكالة على مواصلة تحديث توقعاتها وتقديراتها وفقاً للتطورات.

تداعيات سلبية على البنوك التونسية

وخصصت الوكالة قسما من تحليلها لتطور الأوضاع والاعتبارات الرئيسية، على هذا المستوى، للتطورات الاقتصادية والمالية والبنكية في تونس حيث أوضحت انه من المرجح أن تؤدي زيادة أسعار السلع الأساسية إلى زيادة هشاشة الأوضاع في البلاد. وفيما يتعلق بالنمو الاقتصادي والائتماني، اشارت الى مواجهة البلاد لتحديات مهمة، في هذا المحور، ترتكز حول استمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي منذ عام وما تطرحه زيادة دعم الوقود والمواد الغذائية المحلية من إشكالات تتصل بتعاظم احتياجات التمويل الخارجي في وقت تعتبر فيه طاقة تزويد الأسواق الدولية محدودة.

ووقعت الإشارة، في ذات السياق، الى الانتعاش البطيء من الجائحة وعدم اليقين السياسي اللذان يلقيان بثقلهما على المعنويات في تونس.

اما فيما يتعلق بالمخاطر السيادية والضغط التضخمي، فقد قدرت وكالة “اس اند بي” ان المخاطر السيادية مرتفعة مما يمكن أن يلحق ضرراً كبيرا بالأوضاع المالية والتجارية للبنوك بالتوازي مع توقع زيادة إقراض الأفراد بنسبة 2 بالمائة فقط في عام 2022. كما تعتبر ان الضغط التضخمي وعدم اليقين بشأن السياسة الاقتصادية سيؤثران على الانتعاش.

وجرت الإشارة، في جانب اخر، فيما يتعلق بجودة الأصول (القروض) البنكية ان التعرض المباشر للبنوك التونسية المصنفة لتداعيات الصراع في اوكرانيا ضئيل لانكشاف المحدود على الأطراف المقابلة الروسية أو الأوكرانية وهي لا تتوقع بأن ترى آثار مباشرة ملحوظة للصراع على مؤشرات جودة أصول البنوك التونسية.

في المقابل، تلقي التداعيات غير المباشرة بثقلها على المستقبل اذ انه من المرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط والغذاء إلى إضعاف قدرة البلاد المحدودة اصلا على الوفاء بالتزاماتها المالية. وأكدت الوكالة الدولية اشتراط صندوق النقد الدولي لتنفيذ برنامجه التمويلي مع تونس بإصلاحات مهمة للمؤسسات المملوكة للدولة مقدرة بلوغ نسبة ديون القطاع العام بزهاء 16.5 بالمائة لدى البنوك التونسية من إجمالي القروض الممنوحة من قبل القطاع نهاية عام 2020 وتوقعت وصول نسبة القروض المتعثرة في النظام المصرفي المحلي إلى 13 بالمائة في عام 2022.

ومن المرجح، في نفس الإطار، بان تظل خسائر نشاط الإقراض البنكي في تونس مرتفعة خلال الـ 12-24 شهرا القادمة حيث انه من المتوقع بأن تبلغ الخسائر الائتمانية حوالي 150 نقطة أساس في 2022 مقارنة بـ 140 نقطة أساس في عام 2020.

وستؤدي كذلك الإيرادات المحدودة في ظل تباطؤ النشاط الاقتصادي، وخسائر القروض المرتفعة، وزيادة التكاليف، إلى الضغط على نسب رأس المال لدى البنوك. اما في خصوص التمويل والسيولة وبالنظر للاعتماد محدود على التمويل الخارجي اذ شكل صافي الدين الخارجي أقل من 14 بالمائة من القروض المحلية في عام 2021، واشتمل بشكل أساسي على ودائع من الشركات الخارجية، والتونسيين المقيمين في الخارج، وخطوط اقراض من مؤسسات إقراض متعددة الأطراف، فانه من الوارد ان تستمر البنوك في الاعتماد على تمويل البنك المركزي التونسي بسبب الحجم الصغير للسوق المالية المحلية المال وضعف الودائع البنكية وعدم كفايتها.

تحذيرات دولية متواصلة

يذكر ان الوكالة كانت قد نشرت في 9 سبتمبر 2021 تقريرًا حول “التحديات التي تواجه الدول والشركات والبنوك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سياق ما بعد الجائحة”. واستعرضت وكالة “ستاندرد آند بورز” التطورات الأخيرة وآفاق التنمية الاقتصادية والمالية في ستة بلدان في المنطقة هي مصر والمغرب وقطر والمملكة العربية السعودية وتونس (الدولة الوحيدة التي لم تنشر بعد الوكالة تصنيفها الجديد) والإمارات العربية المتحدة.

وأبرز التقرير بشكل أساسي ان البنوك التونسية ستواجه وضعية اقتصادية كلية وتشغيلية أكثر صعوبة مع دعائم مالية محدودة ومخاطر متنامية علاوة على إمكانية تراجع ايراداتها، بصفة عامة سيما أنها تنشط في بيئة شديدة التنافسية وتتصف بالتجزؤ مع آفاق نمو متقلبة واحتمالات لتزايد الخسائر المرتبطة بنشاط الإقراض. واوضحت الوكالة أن الهيكلة الحالية للنظام البنكي تتسم بالمنافسة الشديدة على مستوى هوامش الفوائض والعمولات التي يتحملها الحرفاء خصوصا ان البنوك تسعى للتعامل مع عدد قليل من كبار الحرفاء من ذوي القدرة على تسديد ديونهم والايفاء بالتزاماتهم تجاهها.

وتعتقد “ستاندرد آند بورز” أن هذه العوامل ستؤدي إلى زيادة تآكل مكونات الأموال الذاتية البنكية غير الكافية هيكليا، خاصة فيما يتعلق بالبنوك صغيرة الحجم. ومن المرجح أن تحتفظ البنوك بمخصصات عالية لتغطية الخسائر المحتملة فيما يهم نشاطها في منح القروض، نظرًا لإقراضها العالي لقطاعات تجابه صعوبات، مما يؤثر في النهاية على ربحيتها ورسمالها.

وقالت وكالة التصنيف الائتماني قبل ذلك في يوم 10 ماي 2021 إن تخلف تونس عن سداد ديون سيادية، وهو أمر مستبعد إلى حد كبير على مدى 12 شهرا المقبلة، ولكنه قد يكلّف بنوك البلاد ما يصل إلى 7.9 مليار دولار (23.2 مليار دينار) مبرزة ان تعرض البنوك التونسية لمخاطر الدين العمومي زاد بأكثر من المثلين في العقد الماضي إلى جانب الارتفاع الحاد لمديونية الحكومة. وأضافت ستاندرد آند بورز أن تكلفة التخلف عن السداد بالنسبة للبنوك ستوازي 102 بالمائة من إجمالي حقوق الملكية للنظام المصرفي أو 17.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لسنة 2021.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى