اقتصاد وأعمال

الانتخابات المحلية تهيئ لمنوال تنموي جديد

افرز الدور الثاني من انتخابات المجالس المحلية تسجيل مشاركة أكثر من نصف مليون ألف ناخبة وناخب لرسم ملامح منهج حوكمة محلي جديد وذلك في سياق إرساء 279 مجلس محلي، مع القيام في شهري مارس وأفريل المقبلين بتركيز باقي المجالس، وهي 24 مجلسا جهويا و5 مجالس أقاليم، والمجلس الوطني للجهات والأقاليم في منتصف أفريل المقبل.

 ويشكل هذه الاستحقاق بداية مرحلة جديدة لدفع التنمية المحلية في البلاد، في إطار مجالي وقطاعي مندمج لتحديد منوال تنموي جديد لفئات واسعة من المجتمع بما يكفل دعم النمو والتنمية والتصرف الأمثل في الموارد على مستوى الجهات، من جهة وتحقيق توازنات مالية وانتاجية مستدامة، من جهة أخرى.

  وأصبح منوال التنمية منذ مدة مطلبا اقتصاديا واجتماعيا، كسبيل لتعديل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي هي ليست في النهاية الا نتاجا لمنوال برزت اشكالاته، بصفة واضحة، منذ سنوات طويلة ولم يعد يستجيب لمتطلبات المرحلة التي تعيشها البلاد، في الظرف الراهن.

ولكن التطرق الى هذا الموضوع يحيل منهجيا، الى اعتبار ان بلورة منوال تنمية ليس عملية فنية بحتة، بل تتطلب تحقيق مجموعة من الشروط مثل تحديد الأولويات والبرامج والتخطيط المحكم والتعريف بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للتنمية المنشودة. كما ان المنوال المعمول به منذ عقود لم يعد مجديا لأنه تضمن مجموعة من الخيارات الاقتصادية والاجتماعية أدت الى عدم تحقيق النمو المطلوب والى أوضاع اقتصادية معقدة لا سيما في مجالات التشغيل والادماج الجهوي والاجتماعي.

 في جانب اخر، يجب ان يندرج المنوال التنموي المنشود والذي تندرج صياغته في إطار البعد المحلي الذي يتم السعي لدفعه، في سياق تصور جديد يقطع مع كل المفاهيم القديمة للنمو ومع نظريات أسقطت على الاقتصاد التونسي وأدت الى تعطيل محركات النمو الأساسية على غرار الاستهلاك والتصدير والاستثمار والى فرض اختيارات ارهقت توازنات المالية العمومية التي بدأت في استرجاع عافيتها تدريجيا مع تكريس مبادئ الدور الاجتماعي للدولة وتوطيد تدخلها اقتصاديا وتنمويا.

ومن المفروض أن يرتكز هذا المنوال التنموي الجديد على عدة ابعاد اهمها اعادة النظر في دور الدولة من اجل أن تقوم بمهامها المتمثلة في تعديل آليات السوق وتصويب انحرافاتها ومقاومة الفساد والتهريب والسوق الموازية الى جانب تدعيم النفقات الاجتماعية والعمل على تنمية الطلب الداخلي كإحدى قاطرات التنمية حسب مفهوم اجتماعي تكون فيه الاولوية لتلبية حاجيات ومتطلبات السوق الداخلية وبناء اقتصاد وطني تتوازن فيه القطاعات الثلاثة وهي القطاع العمومي بوصفه الذراع الاقتصادية والمالية للدولة، والقطاع الخاص الذي يجب أن يحظى بمناخ ملائم من اجل خلق الثروات ومواطن الشغل في ظل منظومة تنافسية شفافة والقطاع التضامني والاجتماعي الذي يجب تدعيمه لكي يستجيب للعديد من الحاجيات الاجتماعية للمواطنين في إطار مفهوم تنمية اقتصادي واجتماعي جديد.

وفي جميع الحالات وضمانا لنجاح تحقيق هذه الابعاد، فانه من المؤكد اعادة توجيه الاقتصاد الوطني بالاعتماد خاصة على النشاطات ذات القيمة المضافة المرتفعة والمردودية الاجتماعية الثابتة على غرار الفلاحة والصناعة والخدمات ويكون الهدف هو ضمان الامن الغذائي وتلبية حاجيات السوق الداخلية وتحقيق التنمية المتوازنة بين الفئات الاجتماعية والجهات والاجيال مع اعتماد التمييز الايجابي لفائدة الجهات.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى