في ظل التراجع الواضح في جودة التعليم العمومي بتونس، الذي شهدته البلاد منذ سنوات عديدة، بات التعليم الخاص وجهةً مفضلة للكثير من العائلات التونسية التي تبحث عن مستقبل دراسي أفضل لأبنائها.
إلا أن التعليم الخاص نفسه يواجه تحديات كبيرة تؤثر على جودة التعليم المقدم للتلاميذ، من بين هذه التحديات ضعف المراقبة البيداغوجية، وغياب الكفاءات المتخصصة، واتجاه العديد من المؤسسات الخاصة نحو تحقيق الربح المادي لتصبح “مؤسسات تجارية” في المقام الأول على حساب الأهداف التربوية..
وعليه، سنسعى في هذا المقال إلى تسليط الضوء على العوامل التي تقف وراء تدني جودة التعليم الابتدائي الخاص وأثرها على التلميذ، و الحلول التي يقترحها بعض المختصين في المجال .
استثمار مالي ضخم مقابل جودة تعليمية محل تساؤل !
بدأ الإقبال على التعليم الخاص في تونس كخيار يلجأ إليه الأولياء لتوفير تعليم ذي جودة أفضل بعيدًا عن المصاعب التي تواجه التعليم العمومي، الذي يعاني عديد الإشكاليات على غرار ضعف البنية التحتية واهترائها والنقص الحاد في عدد المدرسين مقابل ارتفاع عدد التلاميذ بالقسم الواحد والذي تجاوز بكثير المعدلات العادية والمعايير المعمول بها في الدول المتقدمة..
بيد أن اللجوء إلى التعليم الخاص لم يكن خاليًا بدوره من العقبات، إذ وجد العديد من الأولياء أنفسهم يواجهون صعوبات جديدة، من ضمنها التكاليف الباهظة للتعليم الخاص، والتي تفرض عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسر التونسية. ومع ذلك، تبقى أبرز الإشكاليات التي تثير القلق هي جودة هذا التعليم وضعف الرقابة البيداغوجية على مؤسسات التعليم الخاص، ما يطرح التساؤل حول فعالية هذا البديل.
نقص الكفاءات المتخصصة وتأثيره على جودة التعليم
يُعد نقص الإطارات التربوية المتخصصة في التعليم الابتدائي الخاص من أبرز المشكلات التي يعاني منها هذا القطاع. فعلى الرغم من وجود بعض المدارس التي تستقطب معلمين مؤهلين، إلا أن العديد من المدارس الأخرى تعتمد على توظيف معلمين دون خبرة كافية أو مؤهلات متخصصة في التعليم الابتدائي.
وتستقطب عديد المدارس الخاصة العديد من خريجي التعليم العالي العاطلين عن العمل الذين لم يسعفهم الحظ في الانتداب في اختصاصاتهم ليتم انتدابهم للعمل كمدرسين ليجد على سبيل المثال عدد من خريجي شعب مثل التجارة أو السياحة أو الاقتصاد والتصرف أنفسهم معلمين يقدمون دروسا لتلاميذ الابتدائي !.
وفي الواقع هذه الممارسات ليست مخالفة للقانون المعمول به وهي تستجيب تماما لما يطلبه كراس الشروط الذي لا يشترط بالضرورة أن يكون المدرس متخرجا من مؤسسات متخصصة في تكوين المعلمين.
وفي هذا السياق أكدت لنا وفاء حمدي نائبة رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المدارس الخاصة أن البلاد التونسية تفتقر إلى جامعات أو مدارس عليا يتخرج منها المعلمون خاصة بعد تخلي الدولة عن شعبة ترشيح المعلمين منذ سنوات و رغم أنه تم مؤخرا إعادة العمل بمدارس التربية لكنها غير كافية ويتم انتداب خريجيها للعمل بالمدارس العمومية، مبينة أن آلاف المعلمين الذين يعملون سواء في القطاع الخاص أو العمومي هم أصحاب شهائد عليا في مختلف الاختصاصات، ومن بينهم من يزاول العمل وهو حاصل على شهادة الباكالوريا فقط..
وأوضحت محدثتنا في هذا الإطار أن المدارس الخاصة قامت بالتعويل على نفسها وتكبدت عناء تكوين آلاف المعلمين على حسابها الخاص وبإمكانياتها الذاتية رغم أن العديد منهم تم انتدابهم بعد ذلك من طرف وزارة التربية للعمل في المدارس العمومية..
وأضافت السيدة حمدي أن المعلمين الذين يتم انتدابهم للعمل في المدارس الخاصة يقومون، مثل زملائهم في القطاع العمومي، بتربص في البداية و يخضعون بعد ذلك لدورات تكوين مستمر إلى أن يكتسبوا الخبرة اللازمة، ومن بينهم، وفق قولها، كفاءات يضاهي مستواها أو يفوق الكفاءات العاملة بالقطاع العمومي .
التحديات المالية وتأثيرها على الجودة
غالباً ما ترتبط الجودة في التعليم الخاص بالقدرة المالية للمؤسسات، ورغم ذلك تسعى أغلب المدارس إلى تحقيق أرباح دون الاستثمار الكافي في تطوير الموارد البشرية أو تحسين البنية التحتية. وفي ظل ضعف مراقبة الدولة، يُصبح الربح أولوية لدى بعض المؤسسات، على حساب تحسين جودة التعليم.
زد على ذلك فإن ضعف أجور عديد المعلمين في القطاع الخاص وغياب الاستقرار المهني وعمل بعضهم كمتعاونين خارجيين دون تغطية اجتماعية في ظروف لا تحترم حقوقهم من شأنه أن ينعكس سلبا على جودة التعليم والتحصيل المعرفي للتلاميذ.
حلول ومقترحات لتحسين جودة التعليم الابتدائي الخاص
في إطار الاستئناس برأي العارفين بالمجال، تحدثت تونس الرقمية إلى رضا الزهروني رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ الذي أكد لنا أن أصل الداء في ملف التعليم في تونس هو تردي جودة التعليم العمومي الأمر الذي أدى بالأولياء إلى البحث عن بديل وهو أمر لا يستقيم ففي كل الأحوال التعليم الخاص لا يمكن أن يكون إلا مكملا للتعليم العمومي .
وشدد الزهروني على أن التعليم الخاص يمكن أن يساعد في استقطاب حوالي 15 أو 20 بالمائة من إجمالي المتعلمين وهو ما يمكن أن يساعد في تخفيف الضغط على التعليم العمومي وبالتالي تحقيق نتائج أفضل.
ولفت محدثنا إلى أنه لتجاوز التحديات التي يشهدها قطاع التعليم الخاص و العمومي في بلادنا وضمان الجودة المطلوبة، يجب تبني مجموعة من السياسات والإجراءات، منها:
• ضرورة توفير برامج تدريبية مستمرة للمدرسين لتطوير مهاراتهم وتزويدهم بأحدث المناهج التربوية.
• تعزيز المراقبة البيداغوجية : يجب على وزارة التربية تكثيف الرقابة على كل المدارس من خلال زيارات ميدانية منتظمة وتقييم شامل لأداء إطاراتها وفق معايير جودة محددة.
• إصلاح نظام التراخيص : وضع شروط ومعايير أكثر صرامة للحصول على ترخيص إنشاء مدرسة خاصة، تشمل هذه الشروط توفر إطارات تعليمية مؤهلة والتزام المدرسة بمعايير جودة محددة.
• تشجيع الابتكار في المناهج التعليمية : يمكن تحسين مستوى التعليم من خلال تبني مناهج تركز على تطوير التفكير النقدي والإبداعي لدى التلاميذ، بدلًا من الاعتماد على أسلوب التلقين التقليدي.
. استثمار الدولة في انشاء هياكل متخصصة في تكوين المعلمين بالكم والجودة المطلوبة .
ختاما فإن تحسين جودة التعليم في تونس يتطلب مراجعة شاملة للتحديات التي تعترض هذا القطاع وفي مقدمتها إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية والانفتاح على القطاع الخاص في إطار علاقة من التكامل والتواصل.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات