منذ اختراع أول حاسوب، راود الإنسان حلم ابتكار ذكاء اصطناعي (IA). وإذا كانت البدايات النظرية قد ظهرت منذ خمسينيات القرن الماضي، فإن الطريق الذي تم قطعه منذ ذلك الحين مذهل. في هذا المقال، نستعرض تاريخ الذكاء الاصطناعي، من خطواته الأولى إلى أحدث إنجازاته.
من الأسس الفلسفية إلى أولى التجارب
يمكن تتبع جذور التفكير في الذكاء الاصطناعي في كتابات رينيه ديكارت (خطاب في المنهج، 1637) وتوماس هوبز (الطبيعة البشرية، 1640).
لكن تركيزنا هنا سينصبّ على التطور العملي لهذا المجال المثير.
تاريخ الذكاء الاصطناعي عبر أربع مراحل رئيسية
المرحلة الأولى: 1956 – 1969
ظهر مصطلح “الذكاء الاصطناعي” لأول مرة خلال مؤتمر دارتموث عام 1956، الذي نظّمه جون مكارثي ومارفن مينسكي. وفي تلك الفترة أيضًا، أنشأ مكارثي لغة البرمجة LISP (1958) المخصصة للمعالجة الرمزية.
من أبرز الإنجازات المبكرة:
-
برنامج The Logic Theorist لإثبات النظريات؛
-
ELIZA، محاكٍ للعلاج النفسي من تطوير جوزيف وايزنباوم؛
-
General Problem Solver لحل مجموعة واسعة من المشكلات، من ابتكار نيويل وسيمون؛
-
بدايات العمل على الشبكات العصبية الاصطناعية، بقيادة فيليب كوني.
المرحلة الثانية: 1970 – 1980
شهدت السبعينيات هيكلة البحث العلمي حول الأنظمة الخبيرة والواجهات الرسومية:
-
كتاب Perceptrons (1970) لمينسكي وبابيرت أعاد إحياء الاهتمام بالشبكات العصبية؛
-
لغة Smalltalk الموجهة للكائنات ساهمت في بروز بيئات تفاعلية جديدة؛
-
براءات الاختراع في تحسين الخوارزميات سمحت بأتمتة معالجة البيانات؛
-
في عام 1980، وفّرت أدوات Expert System Shells إمكانية نمذجة المعرفة المهنية.
المرحلة الثالثة: 1980 – 1990
تميز هذا العقد بظهور عنصرين أساسيين:
-
مشروع GNU (1981) لريتشارد ستالمان، الذي مهد الطريق لنمو البرمجيات الحرة ونظام لينكس؛
-
حاسوب Connection Machine (1985)، أحد أوائل الحواسيب الفائقة ذات البنية المتوازية؛
-
في عام 1987، طوّر يان لوكون خوارزمية الانتشار العكسي للخطأ، التي تُعدّ حجر الأساس لتعلّم العمق (deep learning) الحديث.
المرحلة الرابعة: 1990 – حتى اليوم
مع صعود الإنترنت، والبيانات الضخمة، وقدرات الحوسبة المتزايدة، دخل الذكاء الاصطناعي مرحلة جديدة تمامًا.
محطات حديثة بارزة:
-
1997: Deep Blue يهزم كاسباروف — أول حاسوب من IBM يهزم بطل العالم في الشطرنج في مباراة رسمية.
-
2011: Watson يفوز في برنامج Jeopardy! — ذكاء IBM الاصطناعي ينتصر في مسابقة تعتمد على فهم اللغة الطبيعية.
-
2012: انطلاقة تعلم العمق — شبكة AlexNet تُحدث ثورة في التعرف على الصور باستخدام الشبكات العصبية التلافيفية.
-
2014–2017: تقدم في الترجمة والتعرف الصوتي — أدوات مثل Google Translate وSiri تستند إلى نماذج عصبية عميقة.
-
2016: AlphaGo يهزم بطل العالم في لعبة Go — إنجاز من DeepMind قائم على التعلم التعزيزي.
-
2022: ChatGPT يُحدث نقلة في التفاعل البشري مع الآلات — مبني على GPT-3.5 ثم GPT-4، ويُستخدم على نطاق واسع.
-
2023: الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي التوليدي — أدوات مثل DALL·E وMidjourney وStable Diffusion تتيح إنشاء صور ونصوص وموسيقى عبر الذكاء الاصطناعي.
-
2024: اندماج النماذج متعددة الوسائط — مثل GPT-4o وGemini من Google، تجمع بين النص والصورة والصوت والفيديو في واجهة واحدة.
تطبيقات ملموسة
اليوم، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في:
-
السيارات ذاتية القيادة (Tesla، Waymo)،
-
الطب (التشخيص المساعد، التصوير الطبي، التنبؤات الجينية)،
-
المساعدات الصوتية (Alexa، Siri، Google Assistant)،
-
أدوات الإبداع (روبوتات الدردشة، مولدات المحتوى، المونتاج الآلي)،
-
الأمن السيبراني، التنبؤ المالي، الزراعة الذكية، وغيرها.
التطور في التعلم الآلي، ومعالجة اللغة الطبيعية، والقدرات الحاسوبية، لا يزال يدفع بالنمو المتسارع لهذا القطاع.
في غضون سبعين عامًا فقط، انتقل الذكاء الاصطناعي من مفاهيم نظرية إلى تقنيات مدمجة في تفاصيل حياتنا اليومية.
وبفضل الشبكات العصبية، والمصادر المفتوحة، والحوسبة السحابية، والذكاء التوليدي، بات الذكاء الاصطناعي ينافس الذكاء البشري في العديد من المهام.
وما هذه إلا البداية: ثورة الذكاء الاصطناعي تمضي بخطى متسارعة، وتفتح آفاقًا هائلة ومشوقة لعقود مقبلة.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات