اقتصاد وأعمال

الاستهلاك في تونس: تحديات وفرص

نما الاستهلاك بجميع أشكاله في تونس بصفة لافتة في العقود الأخيرة، مدفوعا بكثافة السكان في المدن وزيادة القوة الشرائية والتأثير المتزايد لوسائل الإعلام والإعلان. وقد تعزز التوسع في الاستهلاك الاقتصاد الوطني، لا سيما بفضل تطور قطاعات البيع بالتجزئة والتصنيع والخدمات.

كما أن هذه الظاهرة التي تتطور باستمرار، تتأثر بعدة عوامل اجتماعية، واقتصادية، ومؤسساتية، والثقافية. من ناحية أخرى، يلعب الاستهلاك دورا حاسما في الاقتصاد والحياة اليومية للمواطنين. ومع ذلك، وكما هو الحال في العديد من البلدان، يمثل استهلاك التونسيين تحديا مهما متيحا في ذات الوقت فرصا تستحق الدراسة عن كثب.

أنماط الاستهلاك

يتميز المشهد الاستهلاكي التونسي بمستوى عال للمواطنين في مجال تقدير ومعرفة المنتج وجودته. ومع تجاوز عدد السكان 11 مليون نسمة، تعد المدن الكبرى مثل تونس وصفاقس وسوسة مواقع استهلاك كبرى.

ويبرز توزيع السكان وفقا لمختلف الفئات العمرية قاعدة مستهلكين متنوعة، مع حصة كبيرة في الفئة العمرية العاملة. ويؤثر هذا التنوع الديموغرافي على أنماط إنفاق المستهلكين وترجيحاتهم على هذا الصعيد.

العوامل والاتجاهات الاقتصادية

تتأثر السوق الاستهلاكية في تونس بعوامل اقتصادية مثل تكافؤ القوة الشرائية والإنفاق الاستهلاكي النهائي للأسرة. وتميز تطور تكافؤ القوة الشرائية في البلاد بتقلبات كبيرة على مر السنين.

ووفقا للبيانات الإحصائية، شهد تكافؤ القوة الشرائية للتونسيين تباينا ملحوظا بين عامي 2011 و2018، مع انخفاض بنحو 4 بالمائة خلال هذه الفترة. يتناقض هذا الاتجاه مع زيادة سابقة بنسبة 20 بالمائة بين عامي 2002 و2011، مما يسلط الضوء على التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلاد.

تُقاس القدرة الشرائية بشكل عام من خلال نصيب الفرد من إجمالي الدخل المُتاح الحقيقي (المصحح من التضخم) داخل البلاد، إلا أن بعض الدول تعمد إلى تعديل هذا المؤشر من أجل دمج الخدمات التي يستفيد منها المواطنون مجانا (التعليم والصحة نموذجا) في الدخل المتاح. ويتعلق الأمر بمؤشر متوسط ولا يعبر بالضرورة عن حالة كل المواطنين بسبب التفاوت الحاصل في الأجور وبقية أصناف الدخل، ويعطي تطوره صورة عامة عن اتجاهات تطور القوة الشرائية داخل البلاد، غير أن هذه الصورة يمكن أن تكون مضللة في بعض الأحيان إذا تركزت ثمار النمو في أيدي أقلية ولم توزع بشكل عادل بين السكان. وترتبط القوة الشرائية لأي فرد بمحددين أساسيين هما مستوى الدخل المُتاح للفرد والمستوى العام للأسعار ويُقاس من خلال مؤشر أسعار المستهلك.

في جانب اخر، يجعل تطور نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الذي تم تقييمه من حيث تكافؤ القوة الشرائية بالدولار الثابت لعام 2011 للفترة 1990-2021 المقارنات الدولية ممكنة ويظهر معدل نمو بنسبة 2.5 بالمائة سنويا لتونس، مدعوما بنمو بنسبة 1.8 بالمائة في المعدل سنويا لفترة الاصلاح الهيكلي (1990 إلى 1995). وكانت نسبة النمو في حدود 3.6 بالمائة في المعدل سنويا للفترة 1996-2010، على الرغم من تنفيذ برنامج تفكيك التعريفات الجمركية على المنتجات الصناعية وتأثير أزمة الرهن العقاري العالمية.

سلوك المستهلك

لعب تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورا حاسما في تشكيل سلوك المستهلك في تونس. ومع وجود عدد كبير من اشتراكات الهاتف ومستخدمي الإنترنت لكل 100 نسمة، أصبحت التكنولوجيا ضرورية في طريقة وصول المستهلكين إلى المعلومات واتخاذ قرارات الشراء.

وقد أدى هذا التكامل التكنولوجي إلى تغيير مشهد البيع بالتجزئة، مما جعل التسوق عبر الإنترنت والتفاعلات الرقمية عناصر أساسية لتجربة المستهلك.

على الرغم من التقدم في سلوك المستهلك وديناميكيات السوق، تواجه تونس تحديات مثل النقص المتكرر في مواد استهلاكية مختلفة وهو ما يؤثر على نفاذ المستهلكين إلى منتجات مهمة ويغير أنماط استهلاكهم.

ومن أعراض هذا النقص وجود وضعيات اقتصادية أوسع نطاقا، بما في ذلك القيود على التوريد وتقلبات أسعار العملات التي تحد من القدرة على الاستيراد. توفر معالجة هذه التحديات فرصا لبناء مرونة أكبر لسلاسل التوريد، وتعزيز الإنتاج المحلي.

هذا ويعكس تطور الاستهلاك في تونس تفاعلا ديناميكيا بين تفضيلات المستهلكين المتغيرة والعوامل الاقتصادية والتقدم التكنولوجي والتحديات المجتمعية. كما ان فهم هذه الديناميات أمر ضروري للشركات العاملة في تونس لتكييف استراتيجياتها لتلبية الاحتياجات المتطورة للمستهلكين في هذه السوق ذات الديناميكية المتميزة.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى