اقتصاد وأعمال

تقرير : بالأرقام / الحكومة الحالية تمعن في التخلي عن الدور الاجتماعي للدولة (3/4)

أصدر المرصد التونسي للاقتصاد الأسبوع الفارط تقريرا مفصلا تحت عنوان “موجز الميزانية 2022: هل يحافظ قانون المالية على الدور الاجتماعي للدولة؟”.

وتمحورت النقاط الرئيسية للتقرير حول ما أدت اليه سياسة التقشف المتبعة من تراجع الدور الاجتماعي للدولة وانعكاس صعوبات المالية العمومية سلبا على نفقات الوزارات ذات الصبغة الاجتماعية علاوة على تراجع خلق مواطن الشغل في الوظيفة العمومية مما يلقي بظلاله على قطاعي الصحة والتربية و”الترويج” الرسمي الى ان تقلب الاسعار العالمية للمواد الأساسية يفرض الترفيع في نفقات دعم هذه المواد.

في محور التصرف في الانتدابات في الوظيفة العمومية، جرى التذكير بان تطور بعث مواطن الشغل في الوظيفة العمومية يمتد على ثلاثة مراحل.

تمتد المرحلة الاولى من 2010 الى 2013 حيث شهد الانتداب في الوظيفة العمومية انفجارا يعود لاعتماد حكومات ما بعد الثورة على التشغيل في الوظيفة العمومية كوسيلة للحد من التوتر الاجتماعي، ليشهد مؤشر بعث مواطن الشغل في الوظيفة العمومية بحساب الاف موظف في المرحلة التالية بين 2014 و2018 ركودا وصل حد التراجع في سنة 2015 وسنة 2018 وهو ما يتزامن مع إمضاء تونس لاتفاقين مع صندوق النقد الدولي، الاول في أواخر سنة 2013 والثاني سنة 2016 حيث يمكن تعليل تجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية بتبني الحكومات لتوصيات صندوق النقد الدولي الداعية الى التحكم في كتلة الأجور وتجميد الانتدابات.

وشهدت سنة 2019، حسب تقرير المرصد، عودة هذا المؤشر للارتفاع مع انتهاء اتفاقية 2016 مع صندوق النقد الدولي لتعود سلطة الاشراف التونسية الى سابقة عهدها من خلال برمجة انتدابيات جديدة.

لم يصدر البنك المركزي التونسي بعد تقريره السنوي الذي يتضمن هذا المؤشر الا أن المعطيات التي تم نشرها في قانون المالية التعديلي لسنة 2021 تشير الى ارتفاع موظفي القطاع العمومي بـ 17 ألف موظف خلال سنة 2021 وفي قانون المالية لسنة 2022 وقعت برمجة 18442 انتداب جديد وقد سبقهما قرار لوزير التعليم العالي نشر بالرائد الرسمي يوم 29 نوفمبر 2021 يأذن بفتح مناظرة لانتداب 1110 أستاذ جامعي على دفعات انطلاقا من سنة 2022

وينبأ ذلك وفقا للتقرير بارتفاع مؤشر خلق مواطن الشغل في الوظيفة العمومية لسنتي 2021 و2022. كما هذا التناقض بين تجميد الانتدابات تارة وعودتها للانفجار تارة أخرى الى أن الحكومة تغتنم فرصة عدم وجود اتفاق مع صندوق النقد الدولي ساري المفعول حاليا لبرمجة الانتدابات وسد الشغورات الحاصلة خلال فترة التجميد التي انعكست سلبا على القطاع العمومي.

كما تم التأكيد على الانعكاس السلبي لسياسة تجميد الانتدابات على جودة الخدمات المقدمة من قبل الدولة خاصة في قطاع التربية الذي يحتل المرتبة الأولى في الوظيفة العمومية حيث يستقطب هذا الاخير 35.2 بالمائة من مجموع الموظفين و17.7 بالمائة من العملة يليه قطاع الصحة الذي يستقطب 12.1 بالمائة من الموظفين و14.1 بالمائة من العملة في الوظيفة العمومية سنة 2017 حسب اخر الإحصائيات المنشورة من قبل المعهد الوطني للإحصاء.

بالنسبة لقطاع التربية اعتمدت الحكومات على آليات تشغيل هشة تتمثل في العمل بالنيابات لتعويض النقص الحاصل في المدارس نتيجة التقاعد، وتعتبرها الأطراف المعنية بالقطاع انها آلية غري قانونية ومخالفة لكل التشريعات الدولية والوطنية، إضافة الى أن الأساتذة النواب يتقاضون أجورا اقل من زملائهم المرسمين ولا يتمتعون بالضامنات الاجتماعية وهو ما يؤثر سلبا على جودة التعليم والمستوى العلمي للتلاميذ. ومع تبني قانون التقاعد الجديد فإنه من المنتظر تقاعد ما يزيد عن 3500 مدرس وهو ما يدعو للتساؤل حول استراتيجية الوزارة والحكومة عموما لوجود حلول كفيلة لقطاع التربية الذي يعتبر من اهم القطاعات الاستراتيجية ؟

وبعودة المرصد على قطاع الصحة، تظهر البيانات المنشورة بموقع الوزارة أن سنتي 2017 و2018 لم تشهدا اي انتدابات جديدة في حين تقاعد حوالي 938 إطار طبي وشبه طبي في نفس الفترة وهو ما ساهم في مزيد تعميق أزمة القطاع من خلال النقص المتزايد الذي يشهده القطاع خاصة في المناطق الداخلية.

وجرت الإشارة انه مع عدم تبني سياسة واضحة لحل مشكلة النقص الذي تشهده قطاعات حيوية على غرار التربية والصحة تنشر وزارة الاقتصاد والتخطيط نتائج التعاون الفني خلال سنة 2021 حيث وقع تسجيل تطور يقدر بنسبة 59 بالمائة بالنسبة للمنتدبين عن طريق الوكالة وقد احتل قطاع الصحة النصيب الاكبر من حيث الانتدابات بـ 39 بالمائة 978 -إطار- من مجموع الانتدابات يليه قطاع التربية بـ 409 منتدب.

بصيغة أوضح، انعدام استراتيجية وطنية للحد من البطالة مع تبني الحكومة لتوصيات صندوق النقد التي تدعو الى تجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية لم يخلق فقط نقصا حادا في الاطارات في وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة، بل يشجع ايضا على هجرة الكفاءات. فبعد ما لا يقل عن 15 سنة يقضيها المتحصل على شهادة جامعية في الجامعات التونسية الممولة من مقدرات دافعي الضرائب يتم تشجيعه على الهجرة لتستفيد بلدان اخرى من الكفاءات التونسية.

(يتبع).

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى