اقتصاد وأعمال

تقرير: تونس في مرمى نيران صدمة ارتفاع أسعار الفائدة

يعمل البنك المركزي التونسي منذ مدة طويلة على عدم الترفيع في نسبة الفائدة المديرية المقدرة بـ 6.25 بالمائة لعدة أسباب أبرزها تخوفه من تراجع نسق التمويل المنحسر أصلا، واستفحال مصاعب الشركات بالإضافة الى توسع التضخم سيما الضمني منه. غير ان توجه جل البنوك المركزية في البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل وفي بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نحو الزيادة في نسب الفائدة لمجابهة تراجع قيمة الأصول والسندات المالية يجعل موقف البنك المركزي التونسي حرجا على هذا المستوى في ظل استحقاقات كبرى على مستوى سداد الدين الخارجي وضمان توريد المواد الطاقية والأساسية التي انفجرت أسعارها في السوق الدولية دون أي ارادة من الحكومة لإيجاد حل لمنظومة دعمها المنهارة.

وبين البنك الدولي مؤخرا، في هذا الإطار، ان التضخم فاق التوقعات في كل مكان في العالم. ويواجه نصف جميع البنوك المركزية التي تستهدف خفض معدلات التضخم في البلدان النامية معدلات تضخم تتجاوز النسب القابلة للتحمل. كما بدأت تظهر اثار تباطؤ النمو الاقتصادي في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وقد بدأت بالتزامن مع ذلك مرحلة من السياسات النقدية الصارمة غير المسبوقة سيما ان البنك المركزي الأمريكي بدا مناورة الترفيع في أسعار الفائدة، بنسبة زيادة مهمة هي الأكبر منذ أكثر من 20 عاما.

وتمثل هذه الآفاق، وفق المؤسسة المالية الدولية، أخطارا على الاقتصادات النامية نظرا الى انه جرت العادة أن تكون أسعار الفائدة في الولايات المتحدة مؤشرا أساسيا يمكن الاعتماد عليه للتنبؤ بالأزمات في الاقتصادات النامية. وعادة ما تكون لأزمات العملات والأنشطة المصرفية والديون أسباب محلية مهمة كذلك.

كما جرى التأكيد على انه لا يزال أمام البلدان النامية الوقت اللازم لحماية نفسها اذ انه من المطلوب أن يغتنم واضعو السياسات الفرصة لاتخاذ تدابير دفاعية في أسرع وقت ممكن وذلك بالأساس من خلال اختبار قدرة البنوك على تحمل الضغوط والاستعداد لإعادة الهيكلة الاقتصادية والتخطيط للخروج المنظم من جائحة كورونا عبر دعم عمل المؤسسات المالية.

غير ان نسبة الفائدة الحقيقيّة حاليا في تونس وهي الفارق بين نسبة التضخم ونسبة الفائدة المديرية هي في مستوى سلبي (-0.45 بالمائة) مما يطرح عدة تحديات على مستوى الحفاظ على الادخار والتحكم في استهلاك القروض والحدّ من التضخم ومن عجز الميزان التجاري.

وبالنظر الى ما يعيشه الاقتصاد الوطني اليوم، من تفاقم حاد للتضخم الذي تلامس نسبته 8 بالمائة للمواد الغذائية، فإن البنك المركزي أمام وضعية صعبة جدًا فهو مطالب بالأساس، طبقًا لمقتضيات قانونه الأساسي، بالمحافظة على استقرار الأسعار ولا يملك حلولًا كثيرة لتحقيق ذلك سوى الترفيع في نسب الفائدة المديرية. ولكن من جهة أخرى، فإن استقرار الأسعار داعم أساسي لنمو الاقتصاد الوطني لذلك فإنّ استقرار نسب الفائدة سواء على المدى القريب أو البعيد، يعطي رؤية واضحة لكل المتعاملين الاقتصاديين من مستثمرين أو مدخرين.

أمام هذا الوضع المعقّد، لا بد للبنك المركزي أن يختار بين أولويتين، فإما تحقيق استقرار الأسعار الذي يتطلّب تكثيف التدخلات على سوق الصرف والقبول بمستوى أقل من تسعين يوم توريد على مستوى الاحتياطي من العملة الأجنبية وذلك حتى يحمي العملة الوطنية من انهيار مؤكد، وهو ما سيؤدي حتمًا إلى التحكم في التضخم المستورد وبالتالي في مستوى الأسعار، أو أن يبقي الأمور على ما هي عليه الآن و يقبل بتفاقم المخاطر التضخمية واللجوء مجددًا إلى الترفيع في نسب الفائدة المديرية وما سينتج عن ذلك من تأثيرات سلبية على الاقتصاد ككل.

ونظريًّا لا يملك البنك المركزي سوى آليّة التحكّم في نسبة الفائدة المديريّة للحدّ من التضخم، ولكنّ رفع هذه النسبة غير قادر لوحده على تحقيق استقرار الأسعار. ففي ظل إمكانية تقلب سعر صرف العملة الوطنيّة والانعكاسات المرتقبة لعجز الميزانية، وكذلك تواصل الزيادة في أسعار المحروقات خاصة إذا ما تطور نسق ارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية، فان كلّ هذه المؤشرات تجعل البنك المركزي في وضعيّة غير مريحة.

وللإشارة فان مصدر التضخم في تونس ليس نقديًّا بالأساس، باعتبار أن الكتلة النقديّة تنمو بنسق يقارب إجمالي الناتج المحلّي بالأسعار الجارية. كما أن المصدر الوحيد الذي يؤثر بصفة مباشرة وحينيّة على التضخّم هو سعر صرف الدينار وذلك يظهر في السلع التي يجري استيرادها واستهلاكها مباشرة، لذلك فاذا وقع العمل على التحكّم في سعر الصرف فإنه تتم السيطرة على نسب التضخّم المتأتية من التضخم المستورد.

 

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى