اقتصاد وأعمال

رغم شروط صندوق النقد الدولي، ارتفاع جنوني لأجور الموظفين بـ 3.5 مليار دينار في ثلاثة أشهر!

يتضح يوما بعد يوم أن الدعوات لاعتماد “إصلاحات” من خلال ترشيد فاتورة رواتب القطاع العام وعجز الميزانية هي في الواقع مجرد وعود فارغة يتم إعلانها من وقت لآخر للرد على دعوات المانحين الدوليين للحكومة.

أرقام مفزعة 

أظهرت مذكرة تنفيذ ميزانية الدولة نهاية شهر ديسمبر 2021 والتي تم إصدارها يوم أمس الثلاثاء 19 أفريل 2022 من قبل وزارة المالية ارتفاع أجور موظفي الدولة دون اعتبار اجراء المؤسسات العمومية خلال الثلاثي الأخير من العام المالي السابق، بمقدار 3525.4 مليون دينار اذ ازدادت من 16656.8 مليون دينار نهاية أكتوبر 2021 الى 20182.1 مليون دينار في نهاية ديسمبر 2021.

وتعزى هذه الزيادة غير المسبوقة – في ظل غياب زيادات قانونية عبر المفاوضات الاجتماعية – إلى تأثير التعيينات في الخطط الوظيفية والترقيات، التي تملأ الرائد الرسمي يوميًا.

وإضافة إلى ذلك، بلغت المصاريف الإدارية المكونة بشكل أساسي من مصاريف الوقود وصيانة السيارات الإدارية 1966.6 مليون دينار. وباختصار، يرى مراقبون في ضوء هذه المصاريف المجحفة، أنّ عددا هاما من الهياكل الوزارية والإدارات في الوظيفة العمومية قد صارت تطبق سياسات “تأجير” خاصة بها في بلد يمزقه الارتباك السياسي والمالي وتخيم عليه حالة من البؤس العام.

كما كشفت وزارة المالية في نشرتها الدورية الخاصة بمتابعة تنفيذ الموازنة العامة للدولة لعام 2021، أن موارد الميزانية بلغت ذروتها عند 33547.3 مليون دينار، أي بزيادة قدرها 10 بالمائة عن العام السابق. ويرجع ذلك أساسًا إلى زيادة الإيرادات الضريبية إلى 30404.8 مليون دينار في نهاية عام 2021 مقابل 27147.0 مليون دينار في 2020، مما يعادل تطورا بما نسبته 12 بالمائة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الضرائب غير المباشرة وهي ضرائب على الاستهلاك والتي تشمل بشكل أساسي الأداء على القيمة المضافة ومعاليم الاستهلاك والرسوم الديوانية وغيرها من الضرائب قد ارتفعت خلال الفترة من ديسمبر 2020 إلى ديسمبر 2021 من 15078.9 إلى 17724.2 مليون دينار، أي بزيادة قياسية تساوي 17.5 بالمائة، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف معدل التضخم وستة أضعاف معدل نمو النشاط الاقتصادي. وتأتي هذه الزيادة في خضم أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة منذ استقلال البلاد وانخفاض استثنائي في إمكانيات المستهلكين الناجم بشكل خاص عن التضخم المتسارع.

هذا وارتفعت نفقات الميزانية إلى 43241.8 (+ 5.7 بالمائة) في حين شهدت تكاليف ميزانية التنمية نموا بنسبة 7.8 بالمائة لتصل إلى 4513.1 مليون دينار وبلغ معدل إنجازها مقارنة بالأهداف الموضوعة على مستوى الميزانية نحو 107.8 بالمائة. وهذا الرقم مثير للدهشة من حيث “موثوقيته” لأن المانحين يؤكدون أن قيمة المشاريع العامة المعطلة تبلغ 15 مليار دينار.

كما ارتفع الإنفاق على التحويلات والتدخلات الاجتماعية من قبل الدولة والمكونة بشكل خاص من دعم المواد الأساسية، بنسبة 12.1 بالمائة ليبلغ في نهاية العام الماضي 12582.5 مليون دينار، وذلك بعد زيادة دعم الحبوب، التي ارتفعت قيمة الواردات منها بشكل ملحوظ.

الحكومة وصندوق النقد الدولي: وعود حكومية يصعب الوفاء بها

شاركت وزيرة المالية سهام نمسية، الاثنين 18 أفريل 2022، عبر وسائل التناظر المرئي، في الاجتماع الذي عُقد بواشنطن بين محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي ووزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد وممثلين عن صندوق النقد الدولي بقيادة مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي.

ويأتي هذا الاجتماع في إطار مشاركة الوفد التونسي الرسمي في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والذي ركز على المناقشات الجارية بين تونس وصندوق النقد الدولي بهدف التوصل إلى اتفاق بين الطرفين وكان فرصة لمناقشة الجهود التي تبذلها تونس لتسريع وتيرة “الإصلاحات” وتنفيذها بالتشاور مع المنظمات الوطنية.

ويذكر، في هذا الصدد، أنه وثيقة أعدتها مؤخرا رئاسة الحكومة بعنوان “برنامج الإصلاح للخروج من الأزمة” موجهة لصندوق النقد الدولي بهدف إبرام اتفاقية قرض جديد، كانت قد كشفت أنه بالنسبة إلى الفترة 2022-2026، ستتخذ السلطات العديد من إجراءات “التقشف” في الأموال العمومية، والتي ستهم بشكل خاص ترشيد رواتب الوظيفة العمومية.

وقد تم التخطيط للعديد من التدابير لعام 2022، لهذا الغرض، وهي تعلق على سبيل الذكر بتجميد الانتدابات (415 مليون دينار) وتجميد الرواتب (1060 مليون دينار) والتقاعد المبكر (84 مليون دينار) – بتكلفة تقديرية تناهز 192 مليون دينار – بالإضافة إلى إجراءات أخرى غير محددة، وهي إمكانية انتقال الموظفين في الدولة للعمل في القطاع الخاص وتمديد عطل بعث المشاريع للحساب الخاص. ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي الأثر المالي المرتقب، في هذا الإطار، اجمالا 1559 مليون دينار في عام 2022.

ويرى مراقبون أنّ هذه الوعود الحكومية لصندوق النقد الدولي يصعب الوفاء بها فيما تستمر فاتورة رواتب القطاع العام في الارتفاع بوتيرة محمومة لا يمكن لأحد السيطرة عليها، على ما يبدو.

والأغرب من ذلك، تعهّد الحكومة الحالية لدى الهيئات المالية الدائنة بمضاعفة رواتب كبار المسؤولين في الإدارة والشركات العمومية عدة مرات، والتي من المتوقع أن تصل إلى عشرات الآلاف من الدنانير، بحجة تحفيزهم أكثر واجتذاب كفاءات قيمة من القطاع الخاص…

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى