تعليم

بقلم رضا الزهروني : إصلاح المدرسة على هامش إحياء ذكرى وفاة الزعيم بورقيبة

أعود مجدّدا لموضوع التربية والتعليم بتونس والذي تعرّضت إليه مرات ومرات لأشدّ اليوم على يديْ رئيس الجمهورية لما ورد على لسانه على هامش إشرافه على إحياء الذّكرى الثالثة والعشرين لوفاة الزعيم الحبيب بورقيبة. فقد أكّد قناعته بضرورة إصلاح جديد للتعليم وبتطوير المناهج التعليمية قصد النهوض بالمجتمع التّونسي وتأكيده على أنّ بناء المستقبل لا يكون إلاّ بالمدرسة والترّبية والتّعليم. مع إشارته إلى إمكانية إجراء استشارة بمشاركة كلّ المُتدخّلين في مجال التّعليم بالإضافة إلى وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي على غرار وزارات التّكوين المهني والتّشغيل والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن. كما ذكّر سيادة الرئيس بتضمين المجلس الأعلى للتربية والتعليم في الدستور نظرا لأهمية القطاع وعبّر على أمله في إحداث هذه المؤسّسة في أقرب الأوقات بناءا على مُقترحات كل المتدخّلين في الشأن التّربوي من بينهم الأولياء.

وفي الأثناء تتواصل أزمة حجب الأعداد التي أقرتها جامعتيْ التعليم الأساسي والثانوي بالنسبة لامتحاني الثلاثي الأول والثاني وتتواصل معها معاناة التلاميذ وأوليائهم. دراما مشابهة تماما لسابقاتها في مضمونها وفي الأضرار التي تتسبب فيها للتلاميذ وفي انعكاساتها الخطيرة خاصّة ما هو متعلق بالشّعور بالإحباط والتّهميش وبانسداد الأفق وعدم الـتّركيز وتراجع النتائج وتدني التّحصيل العلمي وانهيار مستوى التعليم عموما وفقدان المدرسة لمبدأيْ المجانية وتكافئ الفُرص وتعطّل مصعدها الاجتماعي وانعدام الثقة في التّعليم العمومي وتدعيم الفوارق بين مختلف فئات المجتمع وجهات البلاد.

وفي المقابل أندهش في كلّ مرة ألجُ فيها الصفحة الرسمية لوزارة التربية- أي أكثر من مرة في اليوم- بالصّور الجميلة للمدرسة والتي يتم نشرُها وبكثافة الأنشطة التي يمكن أن تندرج تحت لافتة “الرفع من أداء منظومتنا التربوية بهدف إصلاحها”: ورشات مُكلّفة بتطوير البرامج والكتب المدرسية، تعاون الدولي في المستوين الحكومي وغير الحكومي، زيارات، انجازات، تطمينات …

الشيء الذي حملني إلى التساؤل إن تمّت تسوية عديد النقاط المحورية والأساسية لعملية إعادة بناء مدرسة الغد. وأولها حول الموقف النهائي بخصوص موقع اللغات في المنظومة المستقبلية وخاصّة ما هو متعلق بتدريس المواد العلمية والتقنية عندما نُدرك درجة الأضرار المتأتية من الإبقاء على تدريسها إلى اليوم باللغة العربية في المرحلة الإعدادية وبالفرنسية في المرحلة الثانوية خاصة في ما يتعلق بتدّني نسب النجاح العامة وبهجرة شعبة الرياضيات وحرمان التلاميذ من فرص فعلية للنجاح.

 

وأتساءل أيضا إن تمّ الأخذ بعين الاعتبار توْسِعة الوظيفة الترّبوية للمدرسة لتشمل جوانب مُهمّة وحسّاسة تتعلق بحياتنا المعاصرة واليوميّة وتهدف إلى توعية أطفالنا وشبابنا كالتربية الفنية والتربية على المواطنة والتربية الصحّية والتّربية الجنسية والتربية العاطفية والتربية المرورية والتربية على استعمال وسائل التواصل الاجتماعي والتّربية البيئية من جهة وباستشراف المهن والاختصاصات المستقبلية الضامنة لتطور البلاد وازدهاره ونموه في كل المجالات من جهة ثانية.

فالمنظومة التربوية تمثل البوابة الأولى بعد العائلة والتي يمر بها التلميذ بهدف صقل شخصيته ليكون رجل المستقبل وامرأته بالتوازي مع تلقيه بالتّوازي ما يحتاجه من معارف ومهارات لمواصلة مساره في التكوين المهني أو التعليم العالي في اختصاصات تتماشى مع مؤهلاته من جهة وذات قابلية تشغيل عالية من جهة ثانية. وبالتالي فهي محددة بدرجة جوهرية للمواد التي يجب تدريسها ومستويات التحصيل العلمي الواجب بلوغها وبكيفية التدرج بها بين مختلف مراحل التدريس وبين سنواته داخل نفس المرحلة.

وأتساءل في الآخر وليس في الأخير على درجة التنسيق بين ما يتم انجازه في مستوى هياكل الوزارة ولجانها وورشاتها وشركائها الاجتماعيين وما يتمّ الاتفاق عليه مع الجهات الأجنبية خاصة إذا ما علمنا أن بعضها بتعلق باستراتيجيات مستقبلية للنهوض بالقطاع تغطي أكثر من عشريّة لتصل بنا حتّى إلى سنة 2035.

فالإجابة على هذه التساؤلات وما تتضمنه من اختيارات وخيارات ومرجعيات وقرارات هي محورية وتتطلب الحسم فيها قبل الخوض في أي عملية إصلاح جذرية للمنظومة نظرا لعلاقاتها المباشرة بكلّ مكوناتها كالبرامج والزمن المدرسي وأنظمة التقييم والحاجيات من الموارد البشرية من كلّ المستويات والاختصاصات. وهي تتجاوز حدود وزارة التربية وشركائها الاجتماعيين نظرا لضرورة تشريك عديد الاختصاصات وعديد الأطراف الأخرى بما فيها الرأي العام والأولياء وتبقى بالتالي من ضمن صلاحيات المجلس الأعلى للتّعليم والتربية من جهة نظري. ويبدوا من قراءتي لكلمة رئيس الجمهورية البارحة أنه أكّد على هذه المنهجية.

فمواصلة التعامل مع الملف بنفس الطريقة التي تعتمدها الوزارة منذ عديد السنوات سيؤدي بالضرورة إلى التمديد في الآجال على حساب الأجيال ومستقبل البلاد ثمّ إلى فشل عملية الإصلاح لأن نفس الأسباب ستؤدي إلى نفس النتائج وبدرجة أخطر .

رضا الزهروني

رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى