سياسة

تونس: إيداع نبيل القروي السّجن… كيف ستكون انعكاساته على المشهد البرلماني و الحزبي؟

أصدر اليوم قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي بطاقة إيداع بالسّجن في حقّ رجل الأعمال و رئيس حزب قلب تونس و مالك قناة نسمة نبيل القروي، بطاقة جاءت على خلفية تدقيق سابق كان قد كلّف به قاضي التحقيق 3 خبراء و الذّي كانت نتائجه رصد مبلغ مالي قدره حوالي 143 مليون دينار لم يتمّ العثور على أي وثيقة “تدعمه” ولم يقدّم القروي في شأنه ما يفيد بمصدرها بالرّغم من أنّه طلب اليوم تأخير الجلسة، التي لم تدم لساعات طويلة عكس المتوقّع، و ذلك لمزيد التعليق على نتائج الاختبار.

إيقاف القروي اليوم قد يطرح عدّة نقاط استفهام و خاصة على المستوى السّياسي، بعد أن كان هذا الأخير المنافس لقيس سعيد على رئاسة الجمهورية، و هو رئيس الحزب الذّي له ثاني أكبر عدد مقاعد بالبرلمان بعد حركة النهضة، فكيف ستكون انعكاسات ايداعه السّجن على المشهد السّياسي و البرلماني في البلاد؟ هل ستتغير اللّعبة السّياسية اليوم و يصبح أمر إدارتها صعبا على حركة النّهضة؟

المتابع للشّأن السّياسي و الحزبي في تونس لا يمكن أن يخفى عليه أمر التّحالفات التي من الممكن أن تبنى من جديد… و إن عدنا قليلا للماضي القريب فإننا سنستحضر منطلق الأزمة السّياسية في البلاد و التي وقودها في البداية ربما الحرب ما بين رئاسة الجمهورية ممثلة في قيس سعيد و رئاسة البرلمان و التي على رأسها شيخ حركة النهضة الحزب الأول في الانتخابات التشريعية، راشد الغنوشي، هذا الحزب الذّي فشل في مرحلة أولى في ضمان حزام سياسي لحكومة الجملي التي لم تنل الثقة في 10 جانفي من السّنة الحالية و هو ما جعل الكرة و قتها تعود لملعب رئيس الجمهورية قيس سعيد و يقوم بتعيين إلياس الفخفاخ حتى يشكّل حكومة شارك فيها كلّ من حركة النهضة، و كان الأمر على مضض، و التّيار الدّيمقراطي و حركة الشّعب و تحيا تونس، و كتلة الإصلاح الوطني.. حكومة أحاطت شبهات فساد و تضارب مصالح برئيسها و هو ما أدى لسقوطها أشهر قليلة بعد مباشرة مهامها…

لتعود الكرة من جديد لملعب رئيس الجمهورية قيس سعيد و يعيّن هشام المشيشي رئيسا للحكومة الجديدة، المشيشي اختار هذه المرّة أن تكون حكومته حكومة كفاءات ليجد نفسه أمام حلفاء و حزام سياسي مختلف عن الحزام الذّي كان يحيط بالفخفاخ، هذه المرّة حزام المشيشي هو حركة النّهضة و قلب تونس و ائتلاف الكرامة و كتلة المستقبل…

و يبدو أنّ ملفات فساد عديدة و متعدّدة أخذت اليوم مجراها لدى القضاء لتصبح حملات مكافحة الفساد و الضّرب على يد المفسدين من أبرز المواضيع التي يتداولها الشّارع التونسي اليوم، و لعلّ من بين أبرز الشّخصيات السّياسية التي تعلّقت بها شبهات فساد و تبييض أموال نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس صاحب الكتلة الثانية في البرلمان كما أشرنا سابقا، ليتمّ اليوم إيقافه بعد ساعات قليلة فقط من التحقيق معه، فمن هي الأطراف اليوم التي حرّكت خيوط اللّعبة لينقلب السّحر على السّاحر ؟ و هل تخلت حركة النهضة عن حليفها البرلماني…؟

و للإشارة فإنّها ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها إيداع القروي السّجن فمع انطلاق الحملة الانتخابيّة للانتخابات الرّئاسية تمّ القبض على نبيل القروي و إيداعه سجن المرناقية ليتمّ الإفراج عليه يومين فقط قبل موعد فتح صناديق الإقتراع، فهل هذه الحادثة كانت في إطار أخذ القضاء لمجراه أم أنّها ضربة موجعة للقروي حينها؟

هذا المعطى ربّما يفتح كذلك قوسا آخر و هو أنّ أمر القروي و ملفات الفساد المتعلّقة به تجعل منه طعما سهلا أمام بعض الحيتان الكبيرة التي تتحكّم في قواعد اللّعبة اليوم، و هو ما تسبب في وقت ما و ربّما بطريقة غير مباشرة في عدد من الانشقاقات داخل كتلة قلب تونس ليتخلى رئيسها حاتم المليكي و عدد من نواب الكتلة عنها، فهل اليوم باب الانشقاقات صلب كتلة قلب تونس أصبح واراد خاصة و أنّه من السّهل ملاحظة أنّ كلّ القرارات و المواقف مبنية على مصالح رئيس الحزب القروي، الذّي لم يفلّت مناسبة إلا و كان المحرّك للقرارات المختلفة التي تحبك تحت قبّة البرلمان، و اليوم من الممكن أن يتسبب ضعفه السّياسي و غيابه في تشتت كتلته…. إن تمّ الأمر فمن هي الكتل الأخرى التي من الممكن أن يصبح نواب قلب تونس جزءا منها؟

من جانبها كتلة الحزب الدّستوري الحرّ عقدت اليوم ندوة صحفية في البرلمان طرحت من خلالها مبادرة غير متوقّعة نوعا ما، على رئيس الحكومة هشام المشيشي و على مجموعة من الكتل الأخرى و التي لم تكن هنالك اي نقاط إلتقاء معها سابقا كما كان يروّج، و هي كلّ من الكتلة الدّيمقرطية و كتلة تحيا تونس و كتلة الإصلاح الوطني و كتلة قلب تونس ايضا، و ذلك بهدف عزل الكتل العنيفة و الإخوان وفق ما صرّحت به عبير موسي… وهو الأمر الذّي يفتح باب التأويل ما إذا كانت ستتدحرج كتلة قلب تونس مع هذا الشّق فعلا و بالتالي يتغيّر المشهد البرلماني و تنقلب موازين القوى تماما و تصبح فعلا حركة النهضة و ائتلاف الكرامة في المعارضة…

المتابع لسياسة حركة النّهضة يعرف أشدّ المعرفة أنّها من أكثر الأحزاب تلوّنا و تذبذبا في مواقفها و ذلك حسب مصالحها طبعا… و لعلّ ليس من مصلحتها خسارة مكوّن من مكوّنات تحالفها البرلماني أو ربما ليس من مصلحتها أيضا أن تضعف كتلة قلب تونس و تخسر حتى العدد القليل من نوابها.. فهل ستسعى النّهضة من جانبها لاستمالة و مراودة نواب قلب تونس الكتلة التي تسيل لعاب الجميع على ما يبدو، لأنها ربّما العامل الذّي يرجّح كفّة لصالح أخرى على المستوى السّياسي.

مصير الحزب في حدّ ذاته أي قلب تونس اليوم مجهول، الحزب الذّي و كما قلنا أنّه يقوم على نبيل القروي و هو الرّئيس الآمر الناهي، قبل تاريخ هذا اليوم، فهل سيواصل الحزب مساره أم أنّ المصالح الشّخصية و السّياسية ستغلب على قيادته ليضعف الحزب و يتفتت و يكون مصيره نفس مصير نداء تونس سابقا.

عدد كبير من نقاط الاستفهام تطرح اليوم حول المشهد السّياسي، و يبقى تنظيم بيادق اللّعبة رهين الطّرف الأكثر قوّة و حنكة و رهين مصالح الأطراف التي بيدها جملة من الملفات…

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى