سياسة

تونس: بين 25 جويلية و السعادة الداخلية الخام..سنة 2021 لا يمكن أن تكون إلا استثنائية في تاريخ رئيس الدّولة

شبهات فساد تتعلّق ببعض الوزراء، هي أبرز الأسباب التّي رفض لأجلها رئيس الدّولة قيس سعيّد استقبال وزراء نالوا ثقة البرلمان في شهر جانفي الفارط من السنة الحالية، بعد اعلان رئيس الحكومة في ذاك الوقت، هشام المشيشي عن تعديل وزاري، والذّي كان قد كُلّف يتشكيل الحكومة من قبل الرّئيس نهاية السنة الماضية.

هو رفض تمسّك به سعيّد وعلّله أيضا بعدم احترام الدستور في مداولات مجلس الوزراء على التعديل الوزاري، وهو ما جعل من رئيس الحكومة آنذاك في موقف محرج، حيث لم يتمكّن وزرائه من الحصول على الشرعية الدّستورية، من رئيس دولة أعلن عن قرار حاسم ولم يبالي بما حصل بعد ذلك.

قرارت الرفض من قبل رئبس الجمهورية قيس سعيّد تواصلت خلال سنة 2021، حيث لم يوافق الرّئيس على إصدار قانون أساسي يتعلق بإنشاء محكمة دستورية أو القيام بأي تعديل دستوري يتعلق بهذا الموضوع في شهر أفريل الفارط.

كلّ هذه القرارات، ورغم أهميتها، لم تكن بحجم ما أقدم عليه سعيّد يوم عيد الجمهورية، ففي الوقت الذّي كانت البلاد تعيش فيه على وقع أحد أخطر موجات كوفيد 19، وتسجّل  مئات الوفايات بالفيروس يوميا، وهو ما خلّف احتقان اجتماعي كبير، زاد فيه المشهد البرلماني الذّي غلب عليه العنف اللفظي والمادي، قدّم رئيس الدّولة خطابا لا يمكنه أن يكون إلا استثنائيا في تاريخه وتاريخ البلاد التونسية.

حيث أعلن  قيس سعيّد ليلة 25 جويلية 2021، عن تجميد أعمال البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشي وإعفاء النواب من مهامهم ورفع الحصانة عنهم، وذلك من خلال اعتماده على الفصل 80 الذّي ينصّ على جملة من الإجراءات الإستثنائية، لتختلف الآراء وتتبيان المواقف بين الداعم لهذا القرار والمرحّب به وبين من اعتبره انقلاب على الدّستور وطالب بضرورة التصدّي له، لكن ما خلّفه هذا القرار هو فرحة عارمة انتشرت في شوارع مختلف المدن التونسية، أين خرج التونسييون للتعبير عن مساندتهم لقرار الرّئيس.

قرار جعل من حركة النّهضة وبعد حوالي الـ10 سنوات من صولانها وجولنها في السلطة وتسييرها لأغلب الحكومات التّي تعاقبت على تاريخ الدولة التونسية، تصبح عاجزة عن أخذ أي قرار أو اتخاذ أي اجراء، فلجأت للبلاغات المتتالية المطالبة بالتصدي لما اعتبرته انقلاب صارخ عن الدستور، لإثبات وجودها، بيانات كانت نتيجتها بعض التظاهرات الاحتجاجية الرافضة لهذه القرارات والتّي انتظمت في أكثر من مناسبة في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة.

رُفق هذا القرار أيضا بجملة من الإقالات على غرار إقالة وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان، بالإضافة إلى إعلان حظر تجوّل لمدّة شهر كامل، كما شهدت الساحة السياسية بعد 25 جويلة أيضا جملة من الإيقافات في صفوف النواب من بينهم ياسين العياري وفيصل التبيني الذّان أفرجا عنها لاحقا، ورئيس كتة ائتلاف الكرامة سيف الدّين مخلوف.

إثر مرور شهر على هذه الإجراءات الإستثنائية أعلن رئيس الجمهورية في 24 أوت الفارط عن التمديد في فترة العمل بها إلى أجل غير مسمّى، ليصدر أمرا رئاسيا يتعلق بتدابير استثنائية جديدة بتاريخ 22 سبتمبر 2021، أمرا اعتبره الكثيرون الغاء لدستور 2014، حيث ينصّ هذا الأمر بالأساس على مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.

استثنائية سنة 2021 بالنسبة لرئيس الجمهورية، تبرز أيضا في اختياره لنجلاء بودن لتشكيل حكومة في 29 سبتمبر الفارط، لتكون أوّل امرأة تتقّلد هذا المنصب في تاريخ تونس والدّول العربية، وليجعل منها حديث وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، مقابل ذلك تواصلت محاولات التصدّي لقرارت الرّئيس واجراءاته، حيث ظهر حراك “مواطنون ضدّ الانقلاب”، وتمّ خلال شهري أكتوبر ونوفمبر من السنة الحالية تنظيم العديد من التحركات المندّدة بهذه الممارسات والمطالبة بضرورة إلغائها والعودة إلى ماكانت عليه البلاد قبل 25 جويلية.

وقد اختار سعيّد آخر أشهر السنة ليواصل الإعلان عن قرارته من خلال تغيير تاريخ الإحتفال بالثورة التونسية من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر، كما أعلن أيضا بذات المناسبة عن تنظيم استفتاء شعبي في 25 جويلية من عام 2022، تليه انتخابات تشريعية في 17 من شهر ديسمبر من نفس العام، مع بقاء أعمال مجلس النوّاب معلقة لحين تنظيم انتخابات جديدة، ولتكون هذه المرة الأولى التّي يعلن فيها رئيس الدولة عن تسقيف زمني للإجراءات التّي أقرها في 25 جويلية 2021.

لتكون آخر تصريحات الرّئيس الإستثنائية، حيث لم يسجّل التاريخ تصريحات مشابهة لمسؤولين سابقين، هي اعتبار سعيّد أنّ الشعب التونسي في حاجة إلى السعادة الداخلية الخام لا للناتج الداخلي الخام، كان ذلك خلال آخر مجلس وزراء أشرف عليه سعيّد الأسبوع الفارط، وفي ظلّ اقتصاد تونسي يعيش تدهورا غير مسبوق في أعلب المجالات.

جملة هذه القرارت والإجراءات جعلت من رئيس الدّولة شخصية استثنائية هذه السنة، رغم الإختلاف في مدى التوافق معه وتأييد قرارته من عدمها، فهي القرارت التّي حوّلت حكم حركة النهضة إلى عشرية سوداء وجعلت البلاد التونسية محلّ أنظار العالم وحديث أغلب الشعوب العربية والأجنبية.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى